علاج مرض السرطان بنسخته الصينية

 


هذا رد على ما جاء في فحوى الخبر الموجود على غلاف القصاصة الورقية (باللون الوردي) الملحقة مع هذا المقال (كما طلبه مني أحد الأخوة الأعزاء).

ولقد وضعت إجابتي على السؤال الموجه هنا (عن صحة ما جاء في تلك القصاصة الورقية؟)، من أجل أن تعم الفائدة عل الجميع، وهذا نص ما ذكرته:-

من الجانب الأول: وكما يبدو، فان صياغة الخبر (الموجود على تلك القصاصة الورقية ذات اللون الوردي) متناقضة ولا تتوافق والطرح العلمي (وحتى لا نقسو كثيراً على المصدر، فإننا نقول بأنه وفي حده الأدنى وفي الوقت الراهن قد تم صياغة الخبر من قبل غير المتخصص والمحنك في حياكة القصص).

وكما يبدو فإن الانتظار حتى يتبين عكس ذلك لن يجدي نفعًا (هذا إن كان الخبر صحيحًا!).

وليخاطب بعدها (مصدر تلك الأخبار) أولًا المتخصصين في هذا المجال وباللغة العلمية المقبولة عالميًا (مع ذكر مراجعها المُعتبرة).

ولزيادة توضيح ما رميت له في مقدمتي، أقول مضيفًا على ذلك:-

كيف يبدأ الموضوع بالحديث عن السرطان (والذي يتعدد في أنواعه وخلاياه المستهدفة في جسم الأنسان، ويختلف أيضًا في علاجاته) لينتقل بعدها مباشرة وبطريقة غير علمية ليتحدث عن التخلص من فيروس (لم يتم التطرق لتعريفه ولا حتى الإشارة لتوضيح ماهيته).

واذا كان هذا الطرح مرتبط بحالة مرضية معينة، فالتعميم خاطئ والخبر مرفوض على المستوى العلمي.

نتفهم هنا كمتخصصين بأن هناك بعض الفيروسات التي ترتبط ببعض أنواع السرطان، ولكن عن أي منها تتحدث تلك القصاصة الورقية، وما علاقة ذلك بتعميم العلاج على كل أنواع النمو السرطاني الخبيث.

أما في الجانب الثاني: فلقد كتبت مقالة ايضًا قبل بضعة أشهر (وتحديدًا قبل شهر آب من العام الحالي، 2013 للميلاد) بعنوان "علاج فعال وناجح ضد مرض السرطان"، كانت في  فحواها تناقش موضوع مشابه (ولكنه كان بخصوص علاج لمرض السرطان، وكما كان الادعاء حينها بأنه موجود في بلدي عربي، كما جاء في ذلك الخبر- اي أنه علاج بنسخة عربية وليست صينية).

بل وكانت المقالة السابقة، "علاج فعال وناجح ضد مرض السرطان"، ترفض الطرح الذي يُخاطب عواطف الناس دون بينة علمية (وهو ذات الهدف الذي أؤكد عليه هنا ايضًا).

وفي هذه المقالة أقوم بالرد من باب تحمل المسؤولية التي أعتقد بأننا نتحملها جميعًا تجاه مجتمعاتنا، وحتى لا يتم التلاعب بعواطف الناس من خلال بوابة الصحة.

والتالي من رد على تلك القصاصة الورقية (التي سأل عنها أحد الأخوة الأعزاء)، يتضمن نص المقالة (المشار لها أعلاه، "علاج فعال وناجح ضد مرض السرطان")، من أجل  التأكيد على ما جاء فيها، وكما تم نشرها على بعض المواقع الالكترونية (الثقافية والطبية) المحلية والدولية، وهذا نصها:-

"علاج فعال وناجح ضد مرض السرطان"

تنتشر هذه الأيام- خصوصا على صفحات التواصل الاجتماعي- أخبار ضبابية وغير واضحة في محتواها العلمي تَدَعي وجود علاجات فعالة ضد مرض السرطان (على حد ادعائها، وبعباراتها الرنانة) وبدون آثار جانبية، وأن نسبة نجاحها تصل إلى 100% (وكما هو عنوان هذه المقالة)، ليس هذا وحسب بل وتذهب تلك الأخبار الى تأكيد وجودها في بعض الدول العربية وفي مراكز صحية معروفة (كما تدعي).

بخصوص تعليقي على مثل هذه الاخبار او اي خبر مشابه ويحمل نفس الصياغات غير الواضحة كرد مبدئي (وكما سُئلت من قبل الزملاء)، أقول:-

أولاً: حتى الآن لا يوجد ما يبين حقيقة العلاجات المذكورة (كدراسات موثقة علميًا) في المجلات العلمية العالمية المحكمة. لهذا السبب تبقى مثل هذه الاخبار وبهيئتها الحالية مجرد اخبار إعلامية اكثر منها علمية ولا يجب الانجرار ورائها والترويج لها. بل ويظهر من طبيعة فحواها بأنها تجارية هدفها جني الأموال بطريقة سهلة.

وحتى لا نقسو أكثر على تلك المصادر؛ اقول: ننتظر توضيحات اكثر بخصوصها تخاطب في لغتها أهل الخبرة في هذا المجال لبيان تفاصيلها العلمية وطريقة عملها، وكذلك تأكيد مدى فعاليتها وتأثيراتها الجانبية (هذا في حال تم تأكيد كل ما يتعلق بصحة تلك الاخبار المنقولة بدون سند علمي واضح).

وللتأكيد مرة ثانية؛ اقول: من منظور تحليلي علمي مبدئي وبصيغتها الحالية أنها مجرد أخبار صحفية تجارية، ونستطيع تصنيفها على أنها من قبيل الاخبار المنقولة على صفحات وشبكات التواصل الاجتماع خصوصًا "الواتسب".

ثانيًا: ان كل من يستغل الحالة الصحية والعاطفية لدى المرضى وعوائلهم ببيعهم مثل هذه الاخبار غير المؤكدة والتي تندرج تحت عنوان "الاشاعة" هو شخص مروج لأوهام. وعليه يجب على الناس التنبه وأخذ الحيطة والحذر حتى لا ينجروا وراء مثل هؤلاء الناس. بل ويجب عليهم التنبه من إعادة نشر تلك الاشاعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي خصوصًا "الواتسب" مخافة ان يتعلق بها احد المرضى فيترك بعدها علاجه المنصوح له طبيًا.

ثالثًا: ان مثل هذه العلاجات (ومن خلال خبرة طويلة لي في علاجات ميكروبية مشابهة) تستدعي الكثير من التجارب والأبحاث المخبرية، والتطبيقات العلمية والعملية على الحيوانات بشكل مبدئي، وبعدها تنتقل في تطبيقاتها لتصل إلى الإنسان في مجتمع صغير، ومن ثم تمتد بعدها لمجتمع اكبر، ليتم بعدها التأكد من فعالية العلاج وعدم وجود تأثيرات جانبية له؛ حيث لا يتم توثيق والحكم على فعالية تلك الأدوية الخاصة (مثل الكيمياويات المستخدمة في علاج السرطانات بشتى أنواعها) الا بعد فترة زمنية، ومن ثم يتم تسجيل ذلك لذى منظمات الغذاء والدواء بشكل رسمي وبالإثبات العلمي.

والسؤال المطروح هنا هو: ماذا سيحدث إذا اعطي ذلك الدواء لشريحة كبيرة من الناس؟ وهل ستختلف استجابتهم له ام لا؟ وماذا سيحدث عند استخدامه على المدى البعيد؟

رابعًا: ان الخلايا السرطانية ليست نوع واحد ولكل نوع طريقة علاجية مختلفة؛ وعليه يكون السؤال هنا: كيف نتكلم عن علاج موحد؟ وما هي ميكانيكية عمله (ان صح الخبر)؟

إن جميع ما تقدم هو رد مختصر على كل من يروج لبيع الوهم (بدون دليل علمي) عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليجعل المرضى المحتاجين بعدها (بقصد أو غير قصد) ينجرون وراء سراب، وهو أيضًا توضيح لكل من يتساءل عن تلك العلاجات (المزعومة بغير دليل علمي وبدون مصادر معروفة عند المنظمات العلمية العالمية).

أدعو الله أن يكون ذلك فيه توضيح يجيب على تساؤلات البعض بخصوص تلك القصاصات الورقية التي تنتشر بين الفنية والأخرى.

استشاري وباحث في علوم الميكروبات الإكلينيكية وهندستها الجينية (بكالوريوس، ماجستير، دكتوراه، عالم اكلينيكي، وعضو في جمعيات ومؤسسات علمية عالمية تخصصية مختلفة في مجال تخصصه الدقيق).
له الكثير من النشرات العلمية والمؤلفات التخصصية، وله اكتشافات في المجال البحثي الذي يعمل فيه.
صرف جزءاً كبيراً من حياته في الخارج، وهو ومتابع للشأن الثقافي العام على المستوى المحلي والدولي، ويسعى دائمًا للمشاركة مع بقية الكفاءات المحلية والدولية (وبما هو متوفر من إمكانات) لبناء مستقبل مشرق في الجانب الصحي وفي الجوانب العلمية والثقافية الأخرى ذوات الصلة بواقع وهموم المجتمع، سواءً على مستوى تطوير شريحة الشباب من أبناء الوطن أو حتى بالمساهمة في استثمار تجاربه الخاصة في البحث عن حلول مساندة في تطوير عملية التنمية الاستراتيجية.
facebook: Mohammed M. Al-Mahrous
twitter: @m_almahrous