فخ النوايا الحسنة

 إن وظيفة سفير أو سفيرة النوايا الحسنة (Goodwill Ambassador)     ما هي إلاَّ تكليف تشريفي لمشاهير العالم من قبل المنظمات المختلفة للأمم المتحدة ، وهي ليست صفة سياسية دبلوماسية كالتي يحملها سفراء الدول المختلفة لدى الدول الأخرى. وأهداف هذا التكليف هو المساعدة في دعم مختلف القضايا التي تعالجها الأمم المتحدة سواء كانت اجتماعية أو إنسانية أو إقتصادية أو متعلقة بالصحة والغذاء. فالغرض من استخدام المشاهير هو أن شهرتهم تساهم في نشر الوعي والدعم تجاه هذه القضايا . ويمكن لهذا التكليف أن يكون على مستوى دولي أو إقليمي أو محلي في نطاق دولة الشخصية الشهيرة التي تشغل هذا المنصب العتيد وتتقلده أثناء النوم وفي الصحوة !!

 إلاَّ أن هذا المنصب الشرفي ( المهيب ) قد تعرضت صورته للإهتزاز وفقد المصداقية من خلال إستقالة بعض من تم شغلهم له من الكتاب ، والفنانين ، والرياضيين لا سيما في الوطن العربي مثل ( الكاتب : فهمي هويدي ، والفنانين :  دريد لحام ، حسين فهمي ، سعاد العبدالله ، صفية العمري ، هاني السعدي ، جمال سليمان ، ونجم الكرة السودانية : هيثم مصطفى ) وغيرهم من الذين رأوا في هذا المنصب ضحكاً على الذقون ، ومتاجرة في الذمم والضمائر ، وإنه ما هو إلا وسام أدبي ميت ليس له أنياب ولا مخالب ولا قيمة على الإطلاق . وأقصى ما يحلم به سفيرٌ من هؤلاء ليقدم أوراق اعتماده هو المشاركة في حملة لمكافحة مرض أو محو أمية أو لرعاية الأيتام .

 هذا على  الصعيد الدولي القائم على ( المصالح) الذي لا يؤمن إلاَّ بما يربح كمؤشر على حُسن النية وسلامتها ، حيث لا صوت يعلو على صوت المنفعة فلتسكت الضمائر ، وتخرس الحناجر ، وتعمى البصائر .

  • إنما ما الذي يجعل النوايا الحسنة تتآكل في حقل العلاقات الإجتماعية ، ويرى البعضُ فيها فخاً يجب الإحتراس من الوقوع فيه مهما كان الطُعم الذي يحتويه مغرياً وجذاباً ؟
  • لماذا بات الواحد منا يحسب آلاف المرات ، ويتصور العواقب قبل أن يُقدم على فعل الخير أو المبادرة لتقديم العون والمساعدة ؟
  • لماذا بات الطريق إلى الجحيم مفروشاً بالنوايا الحسنة ؟
  • لماذا تخشى أن تنقل معرفتك ومهاراتك الوظيفية لزميلك المستجد معك في بيئة العمل ؟ أو تتأنى بل وتحذر في إبراز مواهبك لرئيسك الذي تم تعيينه للتو واللحظة ؟  
  • لماذا تتردد في التكرم بكفالة صديق أو قريب في بنك ما ، أو في شركة لبيع السيارات ، أو خلافهما ... ؟
  • لماذا تعتذر عن تقديم سلفة حسنة لمحتاج يريق ماء وجهه أمامك ؟
  • لماذا تتحفظ عن ذكر محاسن معارفك في غيابهم ، ناهيك عن مالا يعجبك في تصرفاتهم ؟ 
  • لماذا هذا التردد في الإفصاح عن مشاكلك للآخرين أو إستشارتهم فيها ؟ 
  • ثم لماذا تمتنع عن إعطاء رأيك في فلان أو علاَّن عندما يُطلب منك ذلك ؟
  • لماذا لا يستهويك المزح مع أصدقائك ومعارفك ؟ وتتحاشى الإحتكاك بهم ؟
  • لماذا لم تعد ذلك الشخص الفزاع ؟  

 أحسبك تجيب عن كل تلك الأسئلة بإجابة محددة وواضحة لا تختلف عن تلك التي يعتقد بها مُعظم الناس . وهي : ( الخبيث ما خلاَّ للطيب مكان ) ( وإبعد عن الشر وادرعْ له ) وأراك تدعم وتعزز تلك الإجابة بسرد مجموعة من الروايات والقصص التي عايشتها أو سمعتها عن أناس آخرين كانوا ضحايا لنواياهم الحسنة ، وطيب سريرتهم مع أقرب المقربين إليهم وتجرعوا منهم السم المدسوس في العسل .
 
 أتفق معك في ضرورة إتخاذ كل هذه الإحتياطات التي تحفظك وتبتعد بك عن تبعات نواياك الحسنة وما ربما تجره عليك من كوارث ومصائب وويلات .

  ولكن تمهل يا عزيزي فالدنيا لا تزال بخير فليس كل الناس على شاكلة من عايشت مأساتهم أو سمعت عنها . دعنا نحسن الظن بالآخرين ونساعدهم دون أن نغفل عن حماية أنفسنا والوضوح التام منذ البداية مع من يلجأ إلينا للمساعدة دون أن نقع في فخ النوايا الحسنة بطيبة زائدة وسذاجة منقطعة النظير ثم نلوم الآخرين على تقصيرنا تجاه أنفسنا . مع دعائي لكم بأن يجعل ذلك في ميزان أعمالكم الخيرة وأن يُجزل لكم الأجر والمثوبة . اللهم آمين .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 10
1
احمد العزيز
[ السعودية - ام الحمام ]: 19 / 8 / 2009م - 9:43 م
بوركت ياأستاد ابراهيم على مقالك الجميل , وتعريفك للقراء بدور سفير النوايا الحسنة .
وأحب هنا أن أتساءل عن السر الدي يجعلنا نحمل النية الحسنة عمن يدخلون أوطانهم وشعوبهم في اتون الحروب والمشاكل لمجرد المحبة والهوى في النفس ,بينما نكيل الكيل والنية السيئة لمن اختلف في الرأي معنا لأننا ببساطة لانحبه أو لايلقى قبولا في نفوسنا .
ماأحوجنا لدروس تربوية وأخلاقية حتى لانقع في أفخاخ كثيرة وليس فخا واحدا !
تحياتي لك وتمنياتي بلقاء تعارف عميق وليس شكلي كما هو اليوم بيننا .
2
ابراهيم بن علي الشيخ
[ القطيف - أم الحمام ]: 20 / 8 / 2009م - 4:18 ص
الأخ الفاضل : أحمد العزيز
كما تعرف أنه من أهم العوامل التي تجعل الناس يتعصبون هو ( إتباع الهوى ، والحب الأعمى ، والولاء الخاسر ) وهذا يقود - مع الأسف - إلى السلوكيات التي ذكرتها . أشكرك على تواصلك الذي يُسعدني وتقبل مودتي .
3
عبدالله
[ أم الحمام - القطيف ]: 20 / 8 / 2009م - 5:19 ص
المثل يقول
القانون لا يحمي المغفلين
والمثل الآخر يقول
دع مايريبك الى ما لا يريبك

ولو كان هناك صيغة واضحة وتحمي حق المدين
وتلزم المدان برد الأموال عندها سنرى أناس اكثر يهبون للخير

وعلى هذه قس ما سواها

تحية لقلمك النافع
يا استاذ ابراهيم
4
ابراهيم بن علي الشيخ
[ القطيف - أم الحمام ]: 20 / 8 / 2009م - 7:12 ص
الأخ : عبدالله
صحيح - كما تقول - القانون لا يحمي المغفلين ، ولكن أين الضمير الأخلاقي الذي يلعب دور الرقيب الأعلى على سلوك البشر ؟ المهم المقال دعوة لعقلنة النوايا الحسنة وليس التحذير منها أو إلغائها . دام تواصلك المفعم بالواقعية ولك خالص التحايا .
5
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 20 / 8 / 2009م - 7:48 ص
الاستاذ الفاضل ابوعلي بالرجوع الى مقالك الرائع مهم ان نلاحظ بأن المجتمع ينقسم الى ثلاثة اقسام على مستوى التفكير و تحمل المسئوليه :
- الطيقه الدنيا التي لا تمتلك وعيا و لا ثقافتا و لا تعي الى اهمية تحمل المسئوليه تجاة افراد المجتمع
- الطبقه الوسطى و هم السواد الاعظم التي تعي و تفهم و لكن تعطي لنفسها العذر في عدم التفاعل مع الاخرين كما قالوا ابعد عن الشر و غنيله
- الطبقه العليا و هم القيادات لا اقصد بالقيادات المعممين او الوجهاء انا اقصد ذلك الرجل الذي يمتلك وعيا و نفسا طيبه و حضورا بين ابناء مجتمعه و ثقة بالنفس مستفيدا من كل هذه المقومات لاصلاح ما هو معوج . هذا القائد يعي بتركيبة مجتمعة و طريقة تعاطيهم مع الاحداث لكن لا يزعزع من ارادته شيء . نعم نريدا رجل مجتمع كما هو متمثل في شخصك الكريم
6
ابراهيم بن علي الشيخ
[ القطيف - أم الحمام ]: 20 / 8 / 2009م - 7:20 م
الأخ الحبيب : المستقل
أشكرك على مداخلتك القيمة ، وثقتك التي أعتز بها تزيد من الشعور بالمسؤولية الإجتماعية مع إيماني بأن المجتمع لا ينهض إلا بتعاون كافة أطيافه ومكوناته الثقافية . أكرر شكري لشخصك الكريم متطلعاً إلى تواصلك الجميل وكل عام وأنتم وجميع القراء بألف خير .
7
بدر الشبيب
[ أم الحمام - القطيف ]: 21 / 8 / 2009م - 6:50 ص
الأخ العزيز الأستاذ أبو علي:
عندنا في الروايات أن الزمان له دور في إعطاء الثقة من عدمها، وهذا يعني أن نلاحظ الأجواء العامة الحاكمة هل هي أجواء ثقة أم أن النصابين والدجالين هم المسيطرون.
كما أن عندنا في الروايات حث على اختبار الصديق قبل منحه الثقة مثل أن تغضبه لتختبره، فالمرء في ساعة الغضب ينكشف معدنه.
شكرا لرؤاك..
8
ابراهيم بن علي الشيخ
[ القطيف - أم الحمام ]: 21 / 8 / 2009م - 12:14 م
أخي الحبيب الأستاذ : بدر الشبيب
بداية : دعائي للوالد المؤمن الودود بالشفاء والعافية ، وأُثني : بشكركم على إضافتكم الطيبة المستمدة من الروايات المعتبرة . تواصلكم يثري العقل ويريح النفس ، ويسعد الفؤاد . وترجع بالسلامه .
9
جعفر قوأحمد
[ أم الحمام - القطيف ]: 22 / 8 / 2009م - 4:00 ص
العم العزيز أبو علي
تحية طيبة و كل عام وأنتم بألف خير بحلول الشهر الفضيل. وفقنا الله وإياكم لقيامه وصيامه.

أعجبتني أطروحتك لاسيما قولك في ردود القراء ( الخبيث ما خلاَّ للطيب مكان ) ( وإبعد عن الشر وادرعْ له )
فأنت تحكي بلسان الحال.
البعض منا يقدم على عمل الخير لتجنب الإحراج ليس بنية الخير نفسه.
والآخرون يبدعون في نسج الأعذار لرد كل عمل خير. ليس كرها له وإنما خشية الوقوع في شرك المخادعين.

بالطبع التجربة أكبر استاذ لكن بعض التجارب تترك جرحا بليغا يطول علاجه

وإن طال النقاش, حبذا لو طرحت بعضا من النصائح أو التوجيهات في حماية النفس قبل الوقوع في فخ النوايا الحسنة

ولكم جزيل الشكر
10
ابراهيم علي الشيخ
[ أم البحمام - القطيف ]: 23 / 8 / 2009م - 7:18 ص
الأخ العزيز : م . جعفر بن محمد قوأحمد
أشكرك على عودتك الحميدة للتعليق والتواصل ، ولقد أسعدتني إطلالتك عبر قلمك الأنيق . تقبل أمنياتي لك بالسعادة والهناء .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية