التلبية الحسينية

#التلبية_الحسينية

 

في كل عام عندما تقترب أيام #عاشوراء تتهيأ النفس لا إرادياً لإحياء مراسمها , و تستشعر الحزن دون دعوة من أحد , و كأن مراسم عاشوراء تكونت في النفس على الفطرة ؟.

المراسم " العاشورائية " تتنوع و تختلف من مكان لآخر تبعاً لأعراف كل منطقة في إحياء هذه الذكرى الأليمة , فهناك لبس السواد و إقامة العزاء و مواكب التطبير و ضرب الزنجيل ... , و لكن هناك شيء مشترك في جميع مجالس عاشوراء أينما كانت في شرق الأرض و غربها , في مجالس الرجال أو النساء , يشترك فيها الكبير و الصغير , هي التلبية الحسينية "لبيك يا حسين" .

التلبية تأتي بمعنى الإجابة , بحيث يكون الملبي ملازم لطاعة الملبى قائم على طاعته و أمره , في فريضة الحج يكون الملبي هو الحاج و الملبى هو الله عز و جل , أما في مراسم عاشوراء فالملبي هو الموالي و الملبى هو الإمام الحسين عليه السلام , تأتي التلبية الحسينية جواباً لاستنصارات و استغاثات الحسين عليه السلام في أيام نهضة عاشوراء , يذكر الشيخ جعفر التستري (رحمه الله) في كتابه الخصائص الحسينية : " إن الإمام الحسين عليه السلام (استنصر) الناس سبع مرات و(استغاث) سبعاً " وهذه كلها قبل يوم عاشوراء , أما في يوم عاشوراء فله عليه السلام استنصاران و استغاثة كما يذكر الشيخ محمد مهدي الآصفي , بهذا يكون المجموع تسع استنصارات و ثمانية استغاثات .

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال هو : ما هي شروط هذه التلبية ؟ بمعنى ما هي الشروط اللازم توافرها في التلبية الحسينية حتى تكون مقبولة من قبل الإمام الحسين عليه السلام , و بالتالي يتحقق المراد من التلبية ؟

سنحاول استنتاج هذه الشروط من خلال استنطاق مجموعة من النصوص ونرجو أن يوفقنا الله لذلك .

 أول هذه اللوازم و الشروط معرفة حقيقة الملبى , لابد للملبي أن يعرف حقيقة من يلبي , و لا نعني بالمعرفة , معرفة الإمام الحسين عليه السلام معرفة من الجانب التاريخي و إن كان هذا الجانب مهم , بل نقصد به معرفة المقام الحسيني العظيم الذي خصه الله به , جاء في الرواية : عن الإمام الكاظم عليه السلام (أدنى ما يثاب به زائر الحسين عليه السلام بشط الفرات إذا عرف بحقه وحرمته وولايته أن يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) في الرواية يشترط الإمام الكاظم عليه السلام للحصول على ثواب الزيارة أن يكون الزائر عارفاً بحق وحرمة و ولاية الإمام الحسين عليه السلام .

و الروايات بهذا المعنى كثيرة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام , فبقدر معرفتنا بالإمام عليه السلام تكون تلبيتنا أقرب و أسرع إلى الإمام الحسين عليه السلام من غيرها , كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن زيارة الحسين عليه السلام تعدل حجة و عمرة , ثم يضاعف رسول الله حتى يصل إلى ألف حجة و ألف عمرة , أن هذا التفاوت في ثواب الزيارة من حجة و عمرة إلى ألف حجة و عمرة هو بتفاوت المعرفة الحسينية فمن كان عارفاً بالحسين بمقدار معين كان ثوابه بقدر معرفته بالحسين كما يوجه الحديث احد علمائنا الأجلاء . وكذا الحال في التلبية الحسينية , و لمعرفة عظم الحقيقة الحسينية التي اختصه الله بها نورد هذا الحديث : عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال : (إن الحسين بن علي في السماوات أعظم مما هو في الأرض , و اسمه مكتوب عن يمين العرش : إن الحسين مصباح الهدى و سفينة النجاة) .

كما أن التلبية الحسينية لا بد أن تكون على مستوى القلب و الجوارح لا مجرد التلفظ بها فقط , بحيث تكون تلبية على مستوى النصرة , جاء في الزيارة المخصوصة (زيارة أول رجب) للإمام الحسين عليه السلام : (لَبَّيْكَ داعِيَ اللهِ ، إِنْ كانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغاثَتِكَ وَلِسانِي عِنْدَ اسْتِنْصارِكَ فَقَدْ أَجابَكَ قَلْبِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي) . و هذا يعني أن نتبنى نحن كملبين للحسين عليه السلام أهداف نهضته الحسينية و أن نتخذ من مواقفها منهجاً لحياتنا , و من أهم هذه الأهداف و المواقف رفض التبعية للظالم و رفض الظلم , و هذا ما يظهر جلياً في رفض الإمام الحسين عليه السلام البيعة للظالم و إعلانه الصريح للرفض .

كما أن التلبية الحسينية الصادقة تتخذ من الإصلاح على المستوى الفردي و المجتمعي منهجاً مستمراً , فقد أعلن الإمام الحسين عليه السلام عن هذا الهدف منذ بداية نهضته : حيث قال عليه السلام " ألا و أني لم أخرج بطراً ولا أشراً و لا ظالماً و لا مفسداً , و إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله , أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر " .

سبق ان قلنا في معنى التلبية أنها الطاعة و لزوم الأمر وهذا يعني في جانب التلبية الحسينية التأسي بالإمام الحسين عليه السلام في جميع جوانب الحياة , في الجانب السلوكي و الأخلاقي و الفكري , الذي هو امتداد لمنهج الإسلام , فلا يكون المؤمن ملبياً للحسين عليه السلام بلسانه , و هو ملبياً ليزيد "و العياذ بالله" بسلوكه الأخلاقي و تعاملاته الحياتية , فالتلبية الحسينية الحقة قول تستلزم السير على المنهج الحسيني قولاً و فعلاً .

أضف أيضاً لشروط التلبية :التولي و التبري , بتولي من تولاه الحسين و التبري ممن تبرى منه الحسين , جاء في زيارة عاشوراء المروية عن الإمام الباقر عليه السلام : (يَا أبَا عَبْدِ اللهِ ، إنِّي أتَقَرَّبُ إلى اللهِ تعالى ، وَإلَى رَسُولِهِ ، وَإلى أمِيرِ المُؤْمِنينَ ، وَإلَى فاطِمَةَ ، وإلى الحَسَنِ وَإلَيْكَ بِمُوالاتِكَ ، ومُوالاةِ أَوليائِك وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ وَنَصبَ لَكَ الحَربَ ، وبالْبَرَاءةِ مِمَّنْ أسَّسَ أساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ ، وَعلى أشياعِكُم ...، وَأتَقَرَّبُّ إلى اللهِ وَإلى رَسولِهِ ثُمَّ إلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُم وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أعْدائِكُمْ ،وَالنَّاصِبِينَ لَكُم الحَرْبَ ، وَبِالبَرَاءَةِ مِنْ أشْياعِهِمْ وَأتْباعِهِمْ) .

ختام هذه الشروط , على ملبي نداء الحسين عليه السلام تهيئة النفس و إعدادها لنصرة الحسين عليه السلام آخذاً بثأره مع صاحب العصر و الزمان عجل الله فرجه الشريف , كما ورد في حديث الإمام الصادق عليه السلام : (إذا قام القائم قتل ذراري قتلة الحسين بفعال آبائها) . وعن الإمام الرضا عليه السلام : (إنما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم) .

وكما جاء في زيارة عاشوراء : (فَأسْالُ اللهَ الّذِي أكْرَمَ مَقامَكَ ، وَأكْرَمَنِي بِكَ ، أنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إمام مَنْصُور مِنْ أهْلِ بَيْتِ مُحَمَّد) .

و بعد هذا السرد نلخص شروط التلبية الحسينية كالآتي :
1- معرفة المقام الإلهي للإمام الحسين عليه السلام الذي خصه الله به.
2- أن تكون التلبية الحسينية على مستوى النصرة منطلقة من الاستشعار القلبي .
3- تبني أهداف و مواقف النهضة الحسينية و تطبيقها في الواقع كرفض الظلم و البراءة منه .
4- استمرار المنهج الإصلاحي الحسيني المتمثل بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
5- أتباع المنهج الحسيني في السلوك الأخلاقي و الفكري و التعاملات الحياتية .
6- التولي و التبري وفق المنظور الحسيني .
7- الإعداد لنصرة الحسين عليه السلام مع حفيده الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.

وبهذا أن شاء الله تكون تلبيتنا الحسينية تلبية صادقة تنطلق من قلب مستعد لبذل مهجته دون الحسين عليه السلام في سبيل الله عز وجل , تلبية كتلبية شهداء الطف على أرض كربلاء تحت راية سيد الشهداء عليه السلام , و أن بعدت عنا المدة و اختلفت علينا الأرض , علينا بتأمل الحقيقة الحسينية ليصبح كل يوم عاشوراء, و تصبح كل أرض كربلاء , فالحسين هو الحسين في كل مكان و زمان , و النصرة هي النصرة و أن تعددت الأشكال و المواقف .

(اللهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الحُسَيْن عَلَيهِ السَّلام يَوْمَ الوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْق عِنْدَكَ مَعَ الحُسَيْنِ وَأصْحابِ الحُسَيْن الّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلام)

المصادر /
1- الخصائص الحسينية , العلامة الشيخ جعفر التستري .
2- خطاب الاستنصار الحسيني الاستعراض والدلالات , آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي .
3- الطريق إلى منبر الحسين, الجزء الأول ,عبد الوهاب الكاشي .
4- مفاتيح الجنان , العلامة المحقق الشيخ عباس القمي .
5- من أنوار الحسين , آية الله الشيخ محمد جواد الطبسي .