التأثر بالعزاء الحسيني

 

ورد عن الإمام الصادق : (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا) و قال عليه السلام لأحد أصحابه في مجالس العزاء على الإمام الحسين عليه السلام : (يا فضيل أتجلسون و تتحدثون؟ قال : نعم جعلت فداك , قال الإمام : إني أحب تلك المجالس، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا) و قال : (أن تلك المجالس أحبها) .

أن للبكاء على سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ثواب عظيم و فضل عند الله عز و جل , و قد حث الأئمة عليهم السلام على إقامة مجالس البكاء للإمام الحسين عليه السلام , و هناك الكثير من الأحاديث و الروايات في ثواب البكاء نذكر منها ما تعم به الفائدة :

عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال لأبن شبيب (إن كنت بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً قليلاً كان أو كثيراً ) .
و قال الإمام الصادق عليه السلام أيضاً يقصد الإمام الحسين عليه السلام : (و إنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له و يسأل أباه الاستغفار له , و يقول أيها الباكي لو علمت ما أعد الله لك لفرحت أكثر مما حزنت , و أنه ليستغفر له من كل ذنب و خطيئة ) . وحتى استشعار الهم لمصاب الإمام الحسين عليه السلام له فضل عظيم و ثمرته ان يجعل نفس الهم تسبيحاً لله عز و جل كما ورد عن الإمام الصدق عليه السلام : (نفس المهموم لظلمنا تسبيح ) . و العين الباكية لمصاب الحسين عليه السلام هي أحب العيون إلى الله عز و جل و ان كل عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت الحسين فأنها ضاحكة مستبشرة .

و مثلها من الروايات الكثير عن المعصومين عليهم السلام , فنجد في هذه الروايات و غيرها الحث و التأكيد على إحياء أمر الإمام الحسين عليه السلام و إقامة مجالس العزاء على مصابه , و لكن السؤال هنا : هل المراد و المطلوب هو إحياء و إقامة هذه المجالس فقط ؟ أو الإحياء المقترن بالتأثر بهذا الإحياء ؟ !

و حول جواب هذين السؤالين سيدور حديث مقالي ان شاء الله تعالى .

المراد بالعزاء الذي هو محل الحديث و الاهتمام , ما يتعارف لدينا "باللطم على الصدور أو الرؤوس " فلا يكاد يخلوا مجلس من مجالس أيام عاشوراء  من مراسم اللطم على الصدور , و نقاشنا و حديثنا سيدور حول الأثر الناتج و المترتب و المرجو من العزاء (اللطم) فهل للعزاء و اللطم أثر و نتاج أو انه فقط عادة اعتادها محبي الإمام في مراسم عزائه , بالتأكيد انه ليس عاده , بل له الأثر الواضح و النتاج الجلي , فهذا العزاء الحسيني هو عزاء مقدس . أرى – وقد يحتمل رأيي الخطأ و الصواب – أن للعزاء نوعين من الآثار :

الأول : الآثار المادية , و هي الآثار التي تظهر و ترى على الجسد .

الثاني : الآثار المعنوية , و هي ما يؤثر على النفس و الروح .

فأما الأول : فهو ما يتركه العزاء من آثار مادية , ترى بوضوح على جسد المعزي , كاحمرار الكفين و الصدر , و تورم الوجه , و تقرح العيون , و خفاء الصوت ... و غيرها من آثار .
فهذا الأثر الظاهر على الجسد و الناتج عن العزاء هو مواساة لآل البيت عليهم السلام , و إظهاراً للجزع على مصابهم , كما ورد عنهم عليهم السلام كراهة الجزع إلا على الإمام الحسين عليه السلام فهو مستحب , قال الإمام الصادق -عليه السلام- : ( كل الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين) , و هذا "أي الأثر الجسدي" ما نجده عند معظم المعزين أن لم يكن كلهم .

و لهذا التأثير المادي الجسدي الأجر و الثواب  الجزيل ان شاء الله كما ورد في الروايات لما فيه من مواساة أهل البيت عليهم السلام و إحياءً لأمرهم و إظهاراً لما جرى عليهم و جاء عنهم عليهم السلام في من توجع على مصابهم : (إن الموجوع قلبه لنا ليفرح عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض) كما ورد عن الإمام الصدق عليه السلام : (نفس المهموم لظلمنا تسبيح ) .

 , و لكن هذا الأثر الجسدي سرعان ما يزول بعد ساعات أو أيام بعد العزاء , فيبقى أجره و ينتهي أثره, فهل هذا هو المطلوب فقط من التأثر بالعزاء ؟!

و لكي نعرف جواب هذا السؤال , نسرد الحديث في الأثر الثاني و هو : الأثر المعنوي النفسي , و هو : ما يتركه العزاء في نفس المعزي من آثار نفسية و روحية و إيمانية , فالتأثر بالعزاء ينبغي أن يتمثل بتهذيب النفس و ترويضها للطاعات , و مجاهدتها على ترك المعاصي , فالعزاء بحد ذاته هو صرخة في وجه الظلم و الطغيان و المنكر , صرخة نهي في وجه الفاسقين التائهين في ظلمات الذنوب , فالحسين عليه السلام لم يخرج (إلا لطلب الإصلاح في أمة جدي) كما قال عليه السلام , فعزائنا ينبغي ان ينحى هذا المنحى و هو الإصلاح , و علينا أن نبدأ بإصلاح أنفسنا  في المقام الأول .

فالعزاء إذاً هو مهذب للنفس و بالتالي صلاحها , و إذا أراد الشخص معرفة مدى تأثره بالعزاء الحسيني المقدس من الناحية المعنوية الروحية عليه ان يراقب قلبه هل تجرد من الأمراض الروحية و القلبية من حسد و بغض و كراهية و أنانية و كبر و سوء ظن ... عليه أن ينظر في سلوكه بعد أيام عاشوراء هل تغير إلى الطاعة و القرب من الله تعالى , و أزداد في يقينه و اعتقاده  , يرى مدى اجتهاده في العمل الصالح و التقوى و الإحسان ... أو أنها بقيت على ما هي عليه من جفاء العبادة و لزوم المعصية , لا تسوءه معصية و لا ينكرها , و لا تسره طاعة فيرغب بها .

فالنفس بقدر تأثرها معنوياً بالعزاء , تغير حسن حالها تبعاً لذلك المقدار من الأثر , فإحياء ذكر أهل  البيت عليهم السلام  لا لأجل البكاء و العزاء فقط و ان كان ذلك مطلوباً فعلاً , و لكن ما يندرج تحت ذلك و ما ينمي هذا الأحياء هو التأثر نفسياً بذكرهم و إقامة العزاء عليهم . فنرى الكثير ممن لحق ركب سفينة أهل البيت عليهم السلام من باب الشعائر الحسينية و تأثره بها تأثراً روحياً و إيمانياً .

أذكر هنا كلمة لآية الله السيد صادق #الشيرازي حفظه الله يقول فيها : (الغدير و عاشوراء ركنا التشيع) , نعم فالغدير بما تحمله هذه الواقعة من أمر عقائدي و أصل و مرتكز من أصول وركائز المذهب و هو الإمامة , بقدر ما تحمله عاشوراء من عطاء معنوي في إبقاء هذا الأصل و الدين في حفظ و أيدٍ أمينة , كما قيل : (الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء) فالغدير هو الأصل و المرتكز و عاشوراء هي الحامي و الحافظ لهذا الأصل و المرتكز , فالعبارة المشهورة : (كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء) هو واقعاً حقاً , فكل ما لدينا من عقائد الدين الحنيف و معارف القرآن الكريم و علوم أهل بيت النبوة قد جاءنا امتدادا من كربلاء في يوم عاشوراء بدم الحسين عليه السلام حين ملئ الكون بأسره صارخاً : (أن كان دين محمداً لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني) .*

مصادر الأحاديث :
1. الطريق إلى منبر الحسين لنيل سعادة الدارين , الشيخ عبد الوهاب الكاشي – الجزء الأول .
2. من أنوار الحسين عليه السلام , آية الله العلامة الشيخ محمد رضا الطبسي .
3. نفس المهموم في مصيبة الحسين المظلوم , الشيخ المحقق عباس القمي .
*العبارة هي بيت شعري متداول و ليست عبارة الإمام عليه السلام و أن كانت تعبر عن حال الإمام عليه السلام.