من مذكراتي (كلب يغرق وسط البحيرة)

 

 

في الثامن والعشرين من تموز للعام الحالي (2013 للميلاد) وبينما كنت أطالع بعض الصحف المحلية الصادرة في ذلك اليوم، لفت انتباهي تقرير نشرته جريدة اليوم، كان عنوانه:-
"الكلاب الضالة .. خطر يهدد الأهالي ومطالبات بالقضاء عليها"

وكان من أهم عبارات ذلك التقرير النص- المنقول- الآتي:

"قيام أمانة الاحساء بحملاتها المكثفة للقضاء على الكلاب الضالة في الاحياء والقرى، حيث نفذت أمانة الأحساء ممثلة في وكالة الخدمات مؤخرا حملاتها المكثفة لتسميم الكلاب الضالة في الأحياء والقرى والاستجابة مباشرةً لما يرد للأمانة من ملاحظات المواطنين عبر وسائل التواصل المختلفة بتواجد الكلاب في مواقع معينة داخل النطاق العمراني، وفي الفترة الأخيرة شهد برنامج الحملة نشر حوالي «1000 كبسولة تسميم» للقضاء على الكلاب الضالة في أحياء وقرى عدة"

وبعد تتبعي لحقيقة ذلك الخبر- على صفحات الشبكة العنكبوتية- وجدت بأنه خبر صحيح وغير مبالغ فيه، حيث تم تداوله قبل ذلك في أكثر من صحيفة وشبكة محلية، وكان من ضمنها جريدة الشرق (بتاريخ السابع والعشرين من حزيران للعام الحالي، 2013 للميلاد) تحت عنوان:

"الأمانة تقضي على الكلاب الضالة بأحياء وقرى الأحساء"

وفي عكاظ (بتاريخ الثامن والعشرين من حزيران للعام الحالي، 2013 للميلاد) تحت عنوان:

"ألف كبسولة تسميم للقضاء على الكلاب الضالة في القرى والأحياء"

وذُكر الخبر- أيضًا- بأكثر من صيغة في صحف وشبكات ومنتديات شتى.

وهنا لا يسعني المجال لذكر العناوين و"المانشيتات" التي تداولتها تلك المصادر الإخبارية في هذا المجال، التي تحدث بعضها عن تسميم حيوانات برية وأليفة ضالة أخرى- أيضًا- غير الكلاب (ومن ضمنها- علي سبيل المثال لا الحصر- القطط) وتحت شعار نفس الحملة (خصوصًا وأن تلك الكبسولات السامة كانت تُرمى في الأحراش بطريقة عشوائية!).

عزيزي القارئ، لم يكن الهدف من هذه المقدمة التحقيق في طبيعة الخبر، ولكنه- وبمعطياته على أرض الواقع- قد حرك المياه الراكدة في ذاكرتي، وأرجعني للحادي والعشرين من تشرين الأول من العام 1990 للميلاد، وإلى نقطة زمنية محددة، حيث كنت أجلس حينها بالقرب من بحيرة مترامية الأطراف في إحدى الأرياف القريبة من "إيست بورن" (وهي مدينة ريفية ساحلية جميلة وهادئة في أقصى جنوب الساحل البريطاني).

لقد كان على مرمى من ناظري- في تلك الحظة من ذلك اليوم وأثناء جلوسي بالقرب من تلك البحيرة- رجل كان يلاعب كلبه الصغير، برمي كرة صفراء (شبيهة بكرة التنس الأرضي) على مسافات بعيدة، فيقوم الكلب- بعدها- بالجري خلفها والإمساك بها بفمه، ومن ثم إحضارها مرة أخرى واضعًا الكرة الصفراء بين قدمي صاحبه، ومن بعدها يقوم الرجل بتكرار العملية مرة أخرى، وهكذا دواليك.

وفي إحدى مرات الرمي، سقطت الكرة في البحيرة، فأخذ الهواء يحركها حتى بدأت تقترب من وسط البحيرة، فركض خلفها الكلب سابحًا (وصاحبه يصرخ في محاولة منه لكي يرجع، ولكن دون جدوى) حتى وصل إليها وأمسكها بفمه (كالعادة). إلا أن المفاجأة كانت في ثبات الكلب في وسط البحيرة وبين كتلة من النباتات المائية، حيث تعثر في تلك البقعة ولم يتمكن بعدها من الخروج.

وبدأ- لحظتها- الرجل (أي صاحبه) يصرخ، فتجمهر الناس، وجاء بعدها عمال الحديقة وكان بيدهم هاتف "لا سلكي" يتحدثون فيه مع جهة ما!
وفي غضون وقت قصير- وبعد محاولات عدة لإخراج الكلب من قبل أشخاص قدموا خصيصًا لتلك الحادثة، دون تحقيق أيّ تقدم في عملية إخراج الكلب- وصلت طائرة "هيلوكوبتر" وبدأت تهبط  تدريجياً، حتى بقيت ثابتة على ارتفاع منخفض، ومن ثم نزل منها رجل منقذ، وكان ممسوكاً بحبل معلق بطرف الطائرة، وبدأ ينزل تدريجيًا حتى وصل إلى وسط البحيرة، وتحديدًا إلى المكان الذي كان الكلب عالقًا فيه، فرفعه معه (فبدأ- بعدها- الناس بالتصفيق، وكنت أرى في عيونهم دموع الفرح والسرور بنجاة الكلب من الغرق).

عزيزي القارئ، لقد ذكرت لك ما سجلته في مذكرتي لحادثتين مختلفتين ودون أي تحيّز أو مبالغة، ولم يكن قصدي- أبدًا- تأييد موقف هنا أو معارضة موقف هناك، ولكني ذكرتهما وأترك الحكم لك!!!

وأخيراً، وليس آخراً، أودّ الإفصاح عمّا يجيش به صدري من مشاعر تملّكتني جرّاء الحادثتين، (بصورتيهما المرفقتين في نهاية هذه المذكرة)، وهي: أنني لا أرى أمامي إلا مجموعتين من الناس مختلفتين في طريقة تفكيريهما وتعاملهما مع الأحداث ونظرتهما لحياة بقية الكائنات، أياً كانت طبيعتها (إحدى هاتين المجموعتين تعيش في أقصى الشمال، والأخرى تكاد تقترب- ولكن على خجل- من خط الاستواء).

عزيزي القارئ، نلتقي في المستقبل القريب لنفتح مذكرة- أخرى- مهمة (أخبرك فيها عن شيء- من ذكرياتي- مختلف، ولكنه يرتبط  بموضوعنا هذا!!!)

صورة رقم 1 
صورة رقم 1: تحكي في طياتها إحدى الحادثتين، أترك التعليق عليها للقارئ العزيز، فقد لا أتمكن من كتابة التعليق المناسب لها!

صورة رقم 2


صورة رقم 2: تحكي في طياتها أحداث الذكرى الأخرى، وللقارئ العزيز- أيضاً- مهمة التعليق عليها، فلست في موقع الحكم والتقييم لها- أيضًا- ولا حتى التأييد أو المعارضة.

كلب يغرق وسط البحيرة

استشاري وباحث في علوم الميكروبات الإكلينيكية وهندستها الجينية (بكالوريوس، ماجستير، دكتوراه، عالم اكلينيكي، وعضو في جمعيات ومؤسسات علمية عالمية تخصصية مختلفة في مجال تخصصه الدقيق).
له الكثير من النشرات العلمية والمؤلفات التخصصية، وله اكتشافات في المجال البحثي الذي يعمل فيه.
صرف جزءاً كبيراً من حياته في الخارج، وهو ومتابع للشأن الثقافي العام على المستوى المحلي والدولي، ويسعى دائمًا للمشاركة مع بقية الكفاءات المحلية والدولية (وبما هو متوفر من إمكانات) لبناء مستقبل مشرق في الجانب الصحي وفي الجوانب العلمية والثقافية الأخرى ذوات الصلة بواقع وهموم المجتمع، سواءً على مستوى تطوير شريحة الشباب من أبناء الوطن أو حتى بالمساهمة في استثمار تجاربه الخاصة في البحث عن حلول مساندة في تطوير عملية التنمية الاستراتيجية.
facebook: Mohammed M. Al-Mahrous
twitter: @m_almahrous