رافعات التمكين في العمل

 

 

 
بادئ ذي بدء علينا أن نعلم بأن علاقتنا مع الآخرين تعتمد على الإيحاء أكثر مما تعتمد على الصراحة . فلا تحاول أبداً أن تفصح عن نواياك للآخرين بل عليك أن " تحتفظ لنفسك بشيءٍ من الغموص " وتشوِّش الإنتباه ، وتفقد الآخرين القدرة على التنبؤ بسلوكك،  فمن السهل أن تفصح عن نواياك ومشاعرك الحقيقية، ولكن الأمر يتطلب قدراً كبير من المهارة إذا ما حاولت لاحقاً الإمساك بلسانك وكتمان أسرارك ، تدرّب جيداً على أن تكون كالنهر .. كلما زاد عمقه، قلّت ضوضاؤه. 

 ولكي تضمن إستمرار ولاء الآخرين إليك يجب أن " تدعهم يعتمدون عليك " وأن تبقى مفيداً لهم , فكلما زادت افادتك للآخرين زادت حريتك , وكلما اعتمدتْ سعادة وقوة الآخرين عليك، كلما احكمتَ قبضتك على أهدافك وطموحاتك، ولكن حذاري أن تشعرهم بالإهانة أو بالدونية، بل أحرص على أن لا تكون كالأرض التي تمارس " الحب المشروط " فهي تمسك بالأشجار نظير خدمتها لهم، بل كن كالسماء تفتح أمام الأشجار الفضاء للتطور والنمو بلا حدود دون فضلٍ أو منّة.

دَعْ من هم أهم منك شأناً " في التراتبية الوظيفية " أن يشعروا بتفوقهم عليك , فلا يتوجسون منك خيفة، فمصاحبة الأذكياء ليست مريحة, ولا تتمادى في محاولاتك لنيل إعجابهم لدرجة تثير مخاوفهم منك, وتنفِّرهم من كفاءتك. احرص دائما على أن تبدو متواضعا بالنسبة لهم , وخاصة أمام الاخرين. وفي غيابهم، واعلم أن جميع الإحصائيات الوظيفية في العالم تُشير إلى أن الموظفين الذين يستغنون عن خدماتهم لسوء سلوكهم، أكثر بكثير من أولئك الذين يسرِّحونهم من الخدمة لإنخفاضٍ في مهاراتهم الوظيفية، وإتقانهم للعمل.

    إعلمْ – يا عزيزي - أنك لا تستطيع إلاّ تكوين نموذجا يمثلك أنت دون سواك, فأما ان تختار نموذجك , أو سيختاره لك المجتمع الوظيفي من حولك, فلا تجعل الشك يتطرق الى سمعتك مهما بدى لك الأمر هاماً وحاسماً, فبإمكانك ان تهزم عدوك بسمعتك دون أن تُجرِّد سيفك من غمده, ولكي تهزم خصمك , عليك أن تجرده من سمعته أولا، ليس بطعنه من الخلف، بل بإستقامتك، ومثالية منافستك له.

ولتكن على يقينٍ تام بأن إيمان الناس يكمُن في عيونهم, فهم يحكمون على الأمور بظواهرها, كل ما هو خفيٌّ يُعتبر غير موجود, فلا تدع نفسك تتوه وسط زحام الآخرين الذين يشار اليهم عادة بكلمة (هم ) كن قطبا بارزاً بإخلاصك وتفانيك في عملك مهما كلّفك الثمن, اجعل آراءك أقوى، وألوانك أسطع، وأسلوبك أروع، دونما غرور أو تكبُّر، أو تقليل من شأن الآخرين, ومن الأفضل أن تصبح هدفاً للهجوم والنقد بدلاً من أن تبتلعك ظلال النسيان, كن مختلفا دائما  كما الزهور دون أن تُفسِد رائحة الآخرين، أو تشوِّه منظرهم.

وعندما تُسدي مساعدة، أو معونة، أو مُساندة، أو دعماً للآخرين، لا تذكِّرهم بما فعلته لهم،  أو بواجبهم نحوك, فهذا يجعلهم يبحثون عن فرصة للإستغناء عنك, لأنك والحال كهذا تمتن عليهم، والعكس هو الصحيح، لأنهم هم أصحاب الفضل عليك حيث منحوك فرصة لخدمتهم، ولتكون الأفضل، والأنفع، والأشمل، والأجمل، والأروع  في هذه الحياة، والأجدر بك أن تتكلم معهم بلغة المصلحة المتبادلة دون أن تجرح مشاعرهم بأي صورة كانت، لأنك ستخسرهم، وستقوِّض إحترامهم وتقديرهم لما قمت به نحوهم.

ولا تخشى أن تسير بمفردك نحو القمّة حينما لا تجد من يشاركك وحشة الطريق، لأن هناك من يعشق البقاء في القاع، وعندما تبلغ القمّة لا تنسى من ساهم في تجهيزك، وإعدادك، وتشجيعك، ومساندتك، قبل إنطلاقك إلى هدفك المنظور، وتذكّر جيداً أنه من المروءة والشجاعة أن يعترف الإنسان وعلى الملأ بفضل الآخرين عليه، وهذا يزيده قوة، ومصداقية، ومناعة وثباتاً . 

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فائق المرهون
[ القطيف - أم الحمام ]: 18 / 9 / 2013م - 1:10 ص
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
ما طالعته في سطورك السابقة حِِكم بليغة ، و تجارب رائعة من معاني الحياة ، ما أحوجنا إليها جميعاً ، فالعمل و مجالاته المختلفة يكمن فيها شتى السلوكيات المتنوعة و الغريبة أيضاً .
لا حرمنا من ظهوركم المتجدد دوماً .
قلبك المفتوح يضاهي عقلك الوقاد .
2
ابراهيم علي الشيخ
18 / 9 / 2013م - 9:21 م
فائقنا الحبيب
شكراً لمداخلتك الطيبة وتعليقك الأنيس .. أسأل الله أن ينفع بما يكتب العبد الفقير .. ولك مودتي ما حييت .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية