الإمام الحسن وفقاهة الإتباع


الإمام الحسن (عليه السلام) لو كان بيننا يتنفس هل كنا سنقدره ونوقره ونقاتل بين يديه كما ينبغي ويجب؟ هل كنا سنعطيه من أنفسنا ما يستحق؟! الكثير منا سيقول : (بلى)، كيف (لا)؟ وهو سيد شباب أهل الجنة، ابن البتول وكبد الرسول (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، وعبارات منمقة طويلة سيعج بها الفضاء كـ : (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، و(
يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً)، ولكن الله يمتحن عباده ليميز من يقول ويفعل عن غيره.

الإصلاح الداخلي لأنفسنا قبالة أهل البيت (عليهم السلام) يجب أن يكون في أوجه، إننا لا نتحدث عن صفحات تاريخية نتسلى بها، إنما نسلط الضوء للتهيئة والاستعداد، ففي انتظارنا (بقية الله في أرضه) الذي سيخرج قريباً "إنهم يرونه بعيداً، ونراه قريباً"، فهل أعددنا العدة النفسية والروحية لنكون في مثل جيشه المبارك؟!، لنتبصر أكثر نلقي البصر على تلك الصفحات التاريخية: أولم يكن للإمام الحسن بن علي (عليه السلام) أنصاراً وأتباعاً يقدسونه ويبجلونه، ولكن هل تدوم هذه الاستقامة على المنهج؟ أم سنسمع عبارات مخزية من قبيل: (إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)؟!

يستبعد البعض أن يُقال للإمام مثل ذلك كما وقع فعلاً لنبي الله موسى بن عمران (عليه السلام)، ولكن : أولم يُقتل الشهيد الحسين (عليه السلام) بيد من دعاه لنصرته؟!، ما حدث للإمام الحسن بن علي (عليه السلام) أعظم من عبارة قوم موسى (عليه السلام) بكثير، فلقد امتدت يد النفاق لبدنه الطاهر الشريف بغية الاغتيال، حتى طعن (عليه السلام) حقداً وكراهية وأصيب بخنجر في فخذه، وناله من الأوصاف ما يندى له الجبين كعبارة: (يا مذل المؤمنين) وأشباهها، وهكذا انتقلت بعض القيادات من نصرته إلى محاربته بعد الاغراء وشراء الذمم، حتى قال (عليه السلام) متألماً متوجعاً: (والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً) !!

إننا لا نتحدث عن مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) من قبل الأعداء، إنما نتحدث عن مقدار الإصلاح الذاتي في نفوس الأتباع والمريدين لهم، في هذا الزمن نحتفي بذكرى ولادتهم ونشيع الأفراح لمحبتهم تطبيقاً لقوله تعالى: (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)، فهل (المودة) التي نزعمها تقتصر بنثر الورود وتوزيع الحلويات؟ أم أنها أكبر؟ ماذا لو ظهر مولانا صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه)؟ هل سنخذله كما خذل الإمام الحسن (عليه السلام) أم ستثبت القدم؟

فرق كبير بين (المودة) و(المحبة)، فالمحبة قلبية والمودة تتعدى القلب بالعمل، إلا أن المودة المطلوبة لا تنحصر في توزيع المرطبات والعصائر، بل هي الالتزام بالمنهج ولو سفكت الأرواح والدماء، العاطفة لا تكفي عن السلوك، فقد تكون القلوب معه والسيوف مشرعة لقتاله، ولربما يغفل البعض عن العصمة فلقد استنكر بعضهم على الإمام في (صلحه) وهو الإمام المفترض الطاعة، كـ (سلمان بن صرد الخزاعي، وحجر بن عدي، وعدي بن حاتم، وأبو سعيد)، حتى صحح الإمام للأخير بقوله : (وجه الحكمة فيما أتيته ملتبساً، ألا ترى الخضر لما خرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار، سخط موسى فعله لاشتباه الحكمة عليه، حتى أخبره فرضي. هكذا أنا سخطتم عليّ بجهلكم وجه الحكمة، ولولا ما أتيت لما تُرك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قُتل).

الإمام مسدد من قبل السماء والعصمة تعصمه من الأخطاء، فمن يتمنى نصرة أحدهم عليه أن يفقه وجوه الإتباع، حتى لا يكن تمنيه وبال عليه إذا تحققت الأمنيات، فيكون الحرمان أجدر له من ذلك التمني الذي يتلوه ليلاً ونهاراً.