من أوليات الصيام

 

قال الله تعالى (ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)

ما أعظم حكمتك يارب , يعيش الإنسان في ظل نعمك الظاهرة والباطنة خلقتنا لترحمنا وفرضت علينا فرائض وأنت الحكيم وكلها نفع لنا في الدنيا وفي الآخرة نكون من الفائزين لامتثالنا لأوامرك .

الصوم هو الإمساك والكف إذن يجب أن نفرق بين عبادة الإيجاب أو العمل وبين ما يسمى بعبادة السلب أو الترك إننا عندما نصلي نقوم بعمل وجهد معين في حركات تعبدنا الشارع بها أما الصوم فنحن نقوم بالكف عن أمور أو مفطّرات حددها الشارع مدة معينة في زمن مخصوص ولعل من المناسب هنا الربط بين الكف والسلب وكذلك الصبر الذي فسِّر بالصوم في الروايات الشريفة في قوله تعالى: " واستعينوا بالصبر والصلاة" .

الإنسان لا يستغني في حياته عن الاكل والشرب فتراه يبدأ يومه بإفطاره إلى الغداء ومن ثم العشاء وما يتخلل هذه الوجبات الثلاث من أكل وشرب أيضاً وإذا بنا أمام أمر و فرض من الله عزوجل يأمرنا بأن نجتنب الأكل والشرب وسائر المفطرات مدة معينة فيا ترى ماذا يجب علينا استحضاره في صومنا لنكون مممن يستفيد من هذه الفريضة المقدسة .

الكل منا يسأم الروتين اليومي في كل شيء فترى الكثير منا يدعو للتغيير ألا نرى أن في هذه العبادة كسر للروتين الممل في حياتنا فتأمرنا بالكف عن مجموعة من الأمور مدة معينة فيتغير يومنا وبرنامجنا وشعورنا !

الصيام كعبادة وشهر الصيام كموسم ينبغي للمؤمن التحضير المسبق لهما حتى يكون مهيأً لفيوضات الكريم في شهر العطاء والكرم فلابد له مسبقاً أن يصفي ما بينه وبين العباد من حقوق وتبعات حتى يكون خالياً من تبعات الآدميين أما من يصوم نهاره ليفطر على طعامه الحرام ليلاً فهيهات أن يرى آثار الصوم وبركاته وفيوضات الرحمن والحرام كموضوع له صور كثيرة فتأمل.

عندما نشعر بالجوع والعطش يجب علينا ان نستذكر أن مجموعة من الناس يشعورون دائماً وفي كل يوم بما نحسه نحن الآن في وقت الصوم فيجب علينا ان نرحمهم لكي يرحمنا الله وهذه من غايات الصوم التي ذكرتها الروايات الشريفة مع أننا على موعد مع الإفطار ولكنّ الفقراء لا يدرون هل أنهم سيطوون يوماً أو يومين أو أكثر ولا طعام ينتظرهم.

ورد عن الصادق عليه السلام: " إنما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك أن الغني لم يكن ليجد مسَّ الجوع فيرحم الفقير لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله عزَّ وجلَّ أن يسوي بين خلقه، وأن يذيق الغني نيل الجوع والألم ليرقَّ على الضعيف ويرحم الجائع" من لا يحضره الفقيه

الصائم الحقيقي مادام لم يصدر منه ذنباً ولا غيبة ولا مخالفة يكون ملكاً في صورة إنسان فيكون في عبادة مالم يخرج عن إطاراتها فيكون نومه عبادة وصمته تسبيح وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب كما ورد عن الصادق عليه السلام:" نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبل ، ودعاؤه مستجاب" فما أعظم الصيام وبركاته.

عندما ذكر الله عزوجل أنه فرض الصوم علينا ذكر أيضا العلة من تشريع الصوم فقال لعلكم تتقون والتقوى هي هذه الملكة التي تجعل بيننا وبين عذاب الله وقاية ونكتسبها من الصوم لأن التقوى سلب وإيجاب يعني عمل وترك عمل بما أمر الله وترك لما نهى عنه الله عزَّ وجلَّ فالصوم يقوى ملكة الترك لما أمرنا الله بتركه سواء في وقت مخصوص كالمفطّرات في نهار شهر رمضان أو مطلقاً كأكل الحرام ، وعلّنا نربط بين أفضل الأعمال في هذا الشهر التي بينها الرسول صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام عندما سأله عن أفضل الأعمال في هذا الشهر فأجابه الورع عن محارم الله والتي هي عين التقوى كما يرى جملة من العلماء.

إضافة إلى ما سبق ينبغي معرفة أن الصوم هو عبادة سرية تربي الإنسان على الصدق ومراقبة الله على كل حال فقد يأكل شخص ويدّعي الصوم ولكن هيهيات أن يخفى على من لا تخفى عليه خافيه فتأمل حجم الإخلاص والتقوى والورع الذي يتحصله المؤمن نتيجة صيامه وهذا ما أشارت إليه الزهراء عليها السلام في خطبتها : والصيام تثبيتاً للإخلاص".

أسأل الله التوفيق للصيام والقيام وأسأل من المؤمنين الدعاء في هذا الشهر الشريف وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين