من أوليات الجلوس في حضرة المعصوم


بسم الله الرحمن الرحيم

5- من أوليات الجلوس في حضرة المعصوم:
ورد في كثير من المجاميع مرسلاً عن هشام بن الحكم رضي الله عنه وكان من خواص الإمام الصادق عليه السلام قال : لقيني رجل من أصحابنا فسلم علي فرددت عليه السلام فقال لي : يا هشام
إن لي معك حاجة فقلت : ماهي يا أخي ؟
فقال : على سماع مرثية الحسين عليه السلام ، قال : فقلت له : إنك تعلم أني من خواص الصادق عليه السلام و أخاف أن تبدو له عندي حاجة فيطلبني فقال لي : استأذنه في ذلك فقلت له: إني أخشى عليه إذا أخبرته يتنغص عليه أكله وشربه قال هشام : فلم يزل معي حتى أجبته إلى ذلك ، فلما كان الليل انصرفنا إلى المنزل الذي يقام فيه العزاء فوضعت المائدة بين أيدينا فأكلنا حسب كفايتنا فلمّا فرغنا من الأكل قام الراثي يرثي الحسين عليه السلام:
أيا غريباً في عراص كربلا قومك في تلك العراص أغرب
ويا قتيــــلاً في طِلاب حقه لقتل شمر لك ظلماً أعجب

فبكينا تلك الليله بكاء شديداً حتى خلنا أن السماء والأرض والجنّ والإنس والحيطان تجاوبنا بالنياحة قال: فانصرفنا من ذلك المجلس إلى منازلنا فأتيت إلى منزلي ، فلما أصبحت دخلت على الصادق عليه السلام فسلمت عليه فرد عليه السلام ثم قال لي : "يا هشام أين كنت البارحة ؟" فلزمت السكوت خشية عليه فقال : "مالي أكلمك و أنت ساكت؟ " قال هشام فخنقتني العبرة وزفرت زفرة كادت روحي أن تخرج معها قال : فقلت له : يامولاي إني كنت في شغل عظيم فقال لي : "و ما هو ؟" فقلت : في تعزية جدك الحسين عليه السلام فلما سمع الصادق عليه السلام نادى "واجداه و احسيناه و اغريباه واقتيلاه " فقال : ثم قال لي :"يا هشام لقد هيجت أحزاني وأجريت مدامعي على خدي ثم قال:"يا هشام لما قمت من مجلسك ما الذي عثرت به ؟" قلت : عثرت عند خروجي بشيء أظنه ثوباً , فقال : "يا هشام : ذلك الثوب ثوبي" فقلت : يا مولاي مابالك جلست في طرف المجلس ؟ فقال : "احتراما لجدي رسول الله صلى الله عليه وآله وجدي أمير المؤمنين عليه السلام وجدتي فاطمة الزهراء عليها السلام وعمي الحسن المجتبى عليه السلام فإنهم جلوس معنا في ذلك المجلس أما النبي فحاسر العمامة عن رأسه وكذلك علي والحسن عليهما السلام وأما فاطمة عليها السلام فعلى كتفها الأيمن قميص أخضر وعلى الأيسر قميص أحمر وهي تنادي : ووالداه ، واثمرة فؤاداه ، واقرة عيناه ، وامظلوماه ، واقتيلاه ، واغريباه ، واشهيداه ) ثمرات الأعواد

مما تقدم من هذه الرواية التي حدثت في زمن إمام المذهب صادق آل محمد مع أحد خواصه وهو هشام بن الحكم رضوان الله عليه ومما هو ثابت في مذهب الحق نعلم بيقين صادق حضور النبي صلى الله عليه وآله والمعصومين عليهم السلام في مجالس العزاء وهم المعزون وعلينا استحضار ذلك مما لا شبهة فيه و ما أردت الإشارة إليه في هذه السطور هو بعض الأوليات وشيء من الآداب في حضرة المعصومين عليهم السلام ، إننا وبحمدالله وفضله نحضر مجالس العزاء التي تقام والتي يحضرها المعصومين عليهم السلام ولكننا قد نغفل عن ذلك وقد يصدر منا بعض الأمور التي تنافي الأدب في حضورهم عليهم السلام ، إن مجلس الحسين عليه السلام ليس كأي مجلس يرتاده الناس إنه مجلس عظيم ببيت الحسين عليه السلام فالذي يقصد بيت الحسين عليه السلام الكريم فليتحاش أن يصدر منه ذنب في بيت الحسين عليه السلام من غيبة أو نميمة أو زور أو بهتان أو لمز أو همز أو غير ذلك وخصوصاً في حق ضيفٍ آخر في المجلس فالحسين عليه السلام لا يرض على ضيفه أن يهان وخصوصاً في بيته هذا مع كون العمل محرماً بالأصالة لا أنه طارئ في مجلس الحسين عليه السلام فقط فقد نكون مثل الزائر للإمام الرضا عليه السلام الذي رآه المجتهد في زمانه يطعن الإمام الرضا عليه السلام بسكين لصدور إحدى الكبائر منه وهو يطوف حول الضريح المقدس وهو ملامسة امرأة أجنبية فالابتعاد عن الذنوب وخصوصاً ما قد يتعلق بضيف الحسين عليه السلام ضروري جداً في مثل هذه المجالس التي تكون تحت نظر المعصومين عليهم السلام .

وعلى المرتاد لمجلس الحسين عليه السلام أن يستشعر أن الإنسان إذا قصد العظيم في بيته لا يرد فليكثر وليلح على الله في الطلب بحق الحسين وهو ببيته عليه السلام ويستشعر حضور المعصومين وتأمينهم على دعائه فهذه الأماكن من مضان استجابة الدعاء فمن المناسب أن يعلم أن جلوس الإنسان دون مجلسه تواضعاً مستحب وكذلك الجلوس على الأرض في أدنى المجلس إذا دخل لما ورد من أن من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل الله وملائكته يصلون عليه حتى يقوم (أصول الكافي)

وقد مر علينا كيف أن مجلس الإمام المعصوم عليه السلام صادق آل محمد كان في طرف المجلس فعلينا أن نستحضر التواضع ونبتعد عن مرض الوجاهة الاجتماعية وخصوصاً في حضرة المعصوم وفي بيت الإمام عليه السلام .
وقد ندب الشارع المقدس إلى القيام لرجل بسبب الدين وكذلك القيام لأولاد النبي صلى الله عليه وآله فعلينا أن ننوي بذلك القيام عملاً مستحباً في بيت الحسين عليه السلام وترك القيام لأحد لأمواله أو منصبه أو غير ذلك .
كما يجب علينا أن نكون مهمومين في مصاب الحسين عليه السلام فهو علينا أكثر من مصائبنا فقد ورد عن الصادق عليه السلام أنه قال : (نفس المهموم لظلمنا تسبيح , وهمه لنا عبادة , وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله ) (الأماني للطوسي )

وما يضرنا يا ترى لو استشعرنا عظم المصاب وتركنا أحاديث الدنيا التي تكره حتى في المساجد وكنا كالمصاب بمصيبة وما أعظمها من مصيبة وهي بحق مصيبتنا فعلينا البكاء جميعاً و الابتعاد عن رفع الرأس عند ذكر المصيبة خصوصاً فوضع الرأس والبكاء أو التباكي مما يثاب عليه بالجنة وقد يكون في بعض الموارد تحفيزاً لبعض المؤمنين على البكاء أيضاً فإذا كان كذلك كان المجلس في موجة حزن وبكاء وتباكي ورحمة يرحم الله بها أهل الأرض عامة وقد تكون وسيلة لبعض الناس لإظهار بكائه وصرخته ممن يستحيي من البكاء بصوت عالٍ أو أن يصرخ بالصرخة التي ترحّم عليها المعصوم عليه السلام وقال : (اللهم ارحم تلك الصرخة التي كانت من أجلنا )

وفي الختام أرجو من الله أن يأجرنا في مصيبتنا بأبي عبدالله الحسين ويجعلنا من السائرين على هداهم وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين