الإعلام بين رسالة الضمير و هيمنة الطاغوت

الإعلام "هو الوسيلة التي يتم عبرها نقل المعرفة و صياغة الأفكار و القيم و المفاهيم و نشرها في الأوساط"، و تكوين المواقف و الوعي الذاتي.

و للإعلام دور في تكوين المعرفة و الوعي الاجتماعي و في تغيير و تطوير المجتمع، و له دور أيضاً في تكوين المعارف لدى الناس ثم تحويلها إلى مواقف و سلوك و عادات يتبعها الناس في حياتهم اليومية.

و حرية الإعلام هي إمكانية إبلاغ الآخرين بالأخبار أو الآراء عبر الوسائل الإعلامية.

و كلما تمتع الإعلام بالاستقلالية كلما أصبح شريكا حقيقيا للسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وعمل على استمرارها ونجاحها من باب التكامل وليس من باب التبعية.  وهذا الدور قد يلعب به في جانب آخر و هو التحريض على الآخر أو النيل منه، عبر التركيز على سطور معينة في أي خبر، بهدف قلب الرأي العام أو توجيه السلطات نحو أمر قد تكون غافلة عنه.

و هنا أذكر أن الفقيه المغيب آية الله النمر(فك الله أسره) ذكر لي ماقامت به إحدى الشبكات الإخبارية من دور بارز في التحريض عليه بعد استضافته لزيارة أحد الأعلام للمنطقة وصياغتها خبر تحريضي تستهدفه شخصيا، و تستهدف تلك الشخصية، إلا أن سماحته تدارك الوضع عبر نشر صور لواجاهات تابعة لذلك التيار مما اضطرها لإعادة صياغة الخبر بطريقة أخرى.

الإعلام .. الشريك في بناء مجتمع حر:

وسائل الإعلام تمتلك القدرة على تغيير نظرة الناس إلى الحياة عامة و إلى العالم من حولهم من خلال تغيير مواقفهم و آرائهم تجاه القضايا و الأحداث، و بالتالي يتغير حكمهم عليها.

لذلك فإن لوسائل الإعلام دور كبير في التغيير المعرفي و الاجتماعي و لهذا فإن احتكار وسائل الإعلام بمصدر واحد نابع عن الفكر السلطوي المستبد يعطي نتائج خطيرة جداً في تكوين عقلية ذات لون واحد حيث يؤدي هذا التسلط إلى تقزيم معارف الإنسان فتصبح جزئية بعيدة عن الشمول والحاجة والضرورة، وعندما يعزل المتلقي نفسه أو يعزل بفعل الشرط الموضوعي، تضعف مناعته ويسهل إقناعه، وتتلاشى فعالية ديمقراطية المعرفة وغزارة المعلومات وتزيد هشاشتها وعدم جدواها.

لهذا تأتي ضرورة الحرية الإعلامية و المعلوماتية كشريك أساسي في بناء المجتمع الحر، لكونها الشريك الكبير في تكوين العقلية الفكرية المتحررة من القوالب الجاهزة و المعلومات ذات البعد و اللون الواحد و التي تُسير الإنسان حسب ماتشتهيه أهوائها و لا تفتح للعقل أفق و أبعاد للتفكير و التحليل و الاستنتاج ثم اتخاذ القرار بقناعه و دون تشويش.

حماية قانونية لحق مُغيب:

و للأمم المتحدة قرارا شهير برقم 59 الصادر في 14 ديسمبر 1946م حول الحرية الإعلامية الذي نص على أن :

"حرية تداول المعلومات من حقوق الإنسان الأساسية، وهي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لحمايته، وأن حرية الإعلام تتطلب بالضرورة ممن يتمتعون بمزاياها أن تتوافر لديهم الإرادة والقدرة على عدم إساءة استعماله، فالالتزام الأدبي بتقصي الحقائق من دون انحياز، ونشر المعلومات من دون تعمد، أمر يشكل أحد القواعد لحرية الإعلام ".

كما  جاء في الاتفاقية الأوروبية للحفاظ على حقوق الإنسان وحريته الأساسية لعام 1950م حيث نصت المادة العاشرة فيه على أن :

" لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير بما في ذلك حرية اعتناق الآراء، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت، وذلك من دون أي تدخل من السلطات العامة، ومن دون تقييد بالحدود الجغرافية".

و رغم هذه القوانين التي تنص على حرية الرأي و الإعلام و خلال بحثي لم أجد إلى الآن وجود حقيقي للحرية الإعلامية، أو مصداق واقعي لتطبيق تلك القوانين في العالم المتقدم أو المتأخر-إن صح الوصف-.

يقول الإعلامي فيصل قاسم[1] في مقال له بعنوان (خرافة الإعلام الحر) "ليس هناك إعلام حر لا في الدول "الديمقراطية" ولا في الأنظمة الاستبدادية. إنها خدعة كبيرة انطلت على الكثيرين. ولا أبالغ إذا قلت إن معظم وسائل الإعلام في الشرق والغرب هي وسائل إعلام عصبوية بامتياز إلا ما ندر".

و يذهب الكاتب في مقاله إلى نفي وجود (حرية إعلامية) مطبقة في واقعنا الحالي، حيث يثبت بأن الإعلام الحالي ما هو إلا بوق ينفخ به لأجل مصلحة أحزاب و شركات تجارية و حكومات.

و يضيف الكاتب "إن الحرية في وسائل الإعلام الغربية هي حرية البعد الواحد بمعنى أن يكون مسموحاً أن تقول كل شيء في اتجاه محدد ولكن غير مسموح لك أن تتكلم بحرية في مجالات محرمة. هل يستطيع أي صحفي أو كاتب غربي أن يخوض في مسألة الهولوكوست دون التعرض للمضايقة والسجن أحياناً؟".

لهذا تأتي ضرورة إنشاء إعلام مستقل قائم على أساس (التقوى) كما دعى إليه الفقيه المغيب في إحدى خطبه، يستمد دعمه الذاتي من نفسه أو من الشعوب الحرة المتعطشة أو المهتمة بالحفاظ على حريتها.

 و لعل أهم الأسباب التي تقف عائق في وجه الإعلام الحر الفضائي أو المكتوب هي المسألة الاقتصادية، لهذا يجب أن يكون توكيل هذا النوع من الإعلام إلى الشعوب من خلال الدعم المباشر، كما أن وجود وسائل إعلام مفتوحة أو شبكات التواصل عبر الإنترنت جعلت الأمر أكثر سهولة في تلقي المعلومة، او انها ساهمت في تنوع  مصادر المعلومة أكثر، و مع ذلك مازال إلى وقتنا هذا تحظى الوسائل الكبيرة كالإعلام الفضائي أو الصحف المطبوعة بشعبية أوسع من الباقي، كما أن الدول المستبدة دائماً ما تضع عوائق للوصول إلى المعلومة التي تفضح استبدادها أو تخالفها فتحاول حجبها دائماً، أو أنها تلجأ دائماً الى التشويش على الحقيقة عبر خلق شخصيات او أعداء وهميون من خلال ابواقها الإعلامية؛ و هذا بالضبط مايحصل في معظم العالم العربي و كل الدول التي يسيطر عليها عقلية الحزب الواحد و الحاكم الأوحد و القبيلة الوردية.

[1] فيصل القاسم هو إعلامي سوري-بريطاني عالمي الشهرة يحمل شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي وينشط في إجراء الحوارات السياسية.