محاكم الطاغوت فرض لـ(قانون الإستبداد) و تحدي (لقيّم السماء)

 

 

يتفق العقلاء على أهمية القانون لدوره في تنظيم مجالات الحياة لاسيما و أن الإنسان كائن يميل الى حب ذاته. و لوقف التصادم الإجتماعي الذي تنتجه حالة (الأنا) المترسبة في الإنسان جاءت الحاجة للقانون، و الذي يُعرف بأنه مجموعة القواعد المنظمة للسلوك فى نطاق نشاط انساني معين بل ولتنظيم العلاقات الانسانية بكافة انواعها واشكالها .

ومنذ نزول الانسان على الارض وبداء القانون في مراحله البسيطه بين الفرد والاخر والفرد والاسرة ثم الجماعة او بمعني اخر القبيلة واخري وقد ظهر دور القانون اكثر واكثر بين المجتمعات والشعوب والدول وتعدى ذلك لكل مجال ونطاق واتسع العمل والتفاعل به حتي انه اصبح عنصرا اساسي في جميع حياتنا اليوميه.

ورغم أن القانون هو الأداة الحاكمة في غالب مجتمعات البشرية اليوم إلا أنه لازال الإنسان في عالمنا الحاضر يئن ويتألّم نتيجة لذلك الظلم المتراكم عبر تجاوزات إخترقها الطغيان البشري ليعتدي على حريات الآخرين ويلتهم حقوقهم بإسم القانون.

فطواغيت العصر، و كثير من نظم الحاضر، تسير و فق فلسفة هيجل الإجتماعية في القانون حيث تقوم هذه الفلسفة على التفريق بين الحرية وإتباع الأهواء الفردية. وهكذا يفسر الحرية بالنظام، لأنها لا تتحقق إلا بالدولة، ويزعم أنه لا يمكن التفريق بأية صورة، بين القانون والدولة، وبين السياسة والأخلاق، ومن هنا يمكن للحكومة أن تفدي الفرد لمصلحة المجموع.

و حسب رأي المرجع المدرسي(دام ظله) فإن الفكرة العامة في نظرية هيجل هي بلورة روح الأمة، حيث يعتقد أن الحياة حركة تكاملية نحو الروّح المطلق، وأن كل أمّة تتفق حركتها مع تلك الحركة التكاملية العليا فإنها تتقدم وتتعالى على سائر الأمم، وحين تضعف حركة هذه الأمة تترك القيادة لغيرها.

و من نظرية هيجل الفلسفية نشأت أعتى الأنظمة الدكتاتورية كالـ(النازية، و الفاشية) و الأنظمة القبلية و يستند إلى تبريراتها معظم الأنظمة الشيوعية التي تحكم اليوم على الأرض كالنظام الكوبي و الصيني على سبيل المثال لا الحصر.

و رغم التبريرات التي قد تخلقها هذه الأنظمة الدكتاتورية في فرض قوانينها؛ إلا أنها تفضي في النهاية إلى هيكلة نظام دكتاتوري بحت يخدم الحزب أو القبيلة الحاكمة و تنتهي قوانينه بضمان إستئثاره بالسلطة تحت تبريرات الأمن و الإستقلال و التقدم على حساب حرية و كرامة و سعادة الإنسان.

و في الحقيقة أن السعادة والتقدم والنصر، لا تكون الا من حظّ الدول التي تخدم افراد الشعب وتعطيهم روح الكرامة والاستقلال وتنظّم طاقاتهم لتحقيق المبادئ السامية. و قد تدعي هذه الدولة أن القوانين و النظم التي تستمدها من الآيات السماوية و القوانين الإلهية لا الوضعية؛ لكن كل الواقع يكذبها، لكون قوانينها غالبا ما تنتهي لمصلحة النظام لا الفرد، و لسعادة الحزب و القبيلة الحاكمة لا المواطن، و لأن "الدولة" التسلطية الدكتاتورية تحتكم إلى "قانون" واحد فقط هو (الاحتكار الفعال للسلطة والثروة والقوة في المجتمع) و تقوم قوانينها على استغلال الدين كواجهة لتحكيم سلطاتها الاستبدادية المطلقة.

و يذهب الإمام الشيرازي الراحل الى" أن الحاجة إلى القانون لا تتوقف على عملية احتياج الإنسان إلى المجتمع ولا للضبط الاجتماعي فقط «فالقانون إنما نشأ من احتياجات الإنسان الجسدية والروحية، وأصول الاحتياجات الجسدية المستدعية لوضع القانون المَسْكن والملبس والمركب والطعام ونحوها.. كما أن أصول الاحتياجات الروحية عشرة أيضاً: الإيمان والفضيلة والعلم والتقوى والتقدّم والأمن والاستقلال والحرية والمساواة والعدالة"[1]»

و هنا يرفض الإمام الشيرازي أن تكون الحاجة للقانون في الحاجات المادية وتنظيم العلاقات الاجتماعية، والحال أن الحاجة إلى القانون هي أعم من ذلك، و يعتبر أن القانون يتكون مع الإنسان فهو متأصّل معه وذاتي، على خلاف أولئك الذين يرون القانون بأنه عرضي يوضع لكبح جماح الإنسان وضبطه اجتماعياً باعتبار أنه شرير وأناني بطبيعته التكوينية.

و يرى المرجع المدرسي أن القانون وعاء القيم، والقيم غاية القانون، و يرفض أن يفصل بحث القانون عن القيّم، و يعني المدرسي بـ(القيّم) القيّم السماوية و الأخلاقية التي يتفق حولها البشر كـ(الحرية، و الكرامة، و العدالة)، و قد يرى البعض أن القيّم التي يذهب إليها المدرسي قد تتعارض مع بعضها، لكنه يرى أن التعارض يأتي غالباً من سوء التطبيق و يصل في بعض الأحيان بسبب اختلاط المفاهيم، وتداخل الثقافات؛ وإمتزاج الإيديولوجيات بعضها بالبعض الآخر.

و من هنا لا قدسية و لا إحترام لأي قانون ظالم و غير عادل، و كما يقول مارتن لوثر كينج في رسالته المشهورة بـ (رسالة من سجن برمنجهام)[2] أن هناك "نوعان من القوانين: عادلة وظالمة. سأكون أول شخص بدعم الإمتثال للقوانين العادلة. الشخص ليس لديه فقط مسئولية قانونية ولكن مسئولية أخلاقية ان يطيع القوانين العادلة. وعلى النقيض لدية مسئولية أخلاقية أن يرفض القوانين الجائرة. ينبغي أن أتفق مع القديس أوغسطين أن " القانون الجائر ليس قانونا أبدا"، و يفصل كينج في معرفة القانون العادل من الجائر: "  القانون العادل نظام من صناعة الإنسان يتوافق مع القانون الأخلاقي أو القانون الإلهي. القانون الجائر نظام لا ينسجم مع القانون الأخلاقي. بتعبير القديس توماس الأكويني: القانون الجائر قانون انساني غير متجذر في القانون الأبدي والقانون الطبيعي. أي قانون يرفع من قيمة شخصية الإنسان عادل. أي قانون يحُط من شخصية الإنسان جائر".

و لايفرق كينج هنا بين أن يكون القانون موافق لرأي الأغلبية أم مخالف لها، فيعتبر أن كل قانون جائر مشرع من قبل الأغلبية على حساب كرامة و حرية الأقلية قانون مرفوض، فكل القوانين التي تقيد فئة معينة لإنتماءها العرقي او الديني او السياسي، بينما تحظى الأكثرية بصلاحيته هو قانون جائر مرفوض، فالحرية قيمة من حق الجميع التمتع بها سواء كانوا أكثرية أم أقلية، ونقيس على ضوءه الكثير من القوانين التي توضع لصالح الأكثرية على حساب الأقليات، فكلها قوانين جائرة مرفوضة. و كل المحاكم التي تصدر أحكامها على هذا الضوء هي محاكم باطلة و مرفوضة و لابد من تحديها و رفضها.

[1] مرتضى معاش، الحاجة إلى القانون
[2] رسالة من سجن برمنجهام، مارتن لوثر كينج، ترجمة مطر النجيدي