مجتمع المؤسسات المنعشة 21

 

 

 

تقول النكتة:

أبو قال لولده : لو رسبت بالاختبار أنا ماني أبوك ولا أنت ولدي >:/

رجع الولد من الاختبار قال له أبوه : هاه كيف الاختبار ؟

قال الولد : من معي يا الطيب ‹☺›؟!

كثيرا ما نرسل رسائل خاطئة لأحبابنا تقول: إن حبنا لكم مشروط بأداء معين أو صفات محددة. قد لا نقصد ذلك تماما، لكن الرسالة الخاطئة تكون قد وصلت وأدت مفعولها.

عندما تصاب المرأة بمرض عضال مثلا فيتركها الزوج تصارع آلامها بعد أن أخذ زهرة شبابها، سنكتشف أن حبه كان حبا مشروطا، وإن ادعى غير ذلك.

وعندما ينهار الرجل مفلسا مع انهيار مؤشر الأسهم، فلا يجد امرأة تنعشه، بل تزيده (تفطيسا)، سنعلم أن حبها له كان حبا مرتبطا بالأخضرَين: الدولار والجواز.

هل جربنا الحب غير المشروط الذي يعني أن نحب الآخرين كما هم عليه، لا كما نريدهم أن يكونوا. نحبهم لأنهم أهل للحب؟. إذا لم نفعل فقد أضعنا الكثير من الوقت والجهد في علاقاتنا الأسرية والاجتماعية دون أن نفلح في إيصال رسائلنا الإيجابية للآخرين بفعالية فائقة، ودون أن نتمكن من إحداث التغيير أو الإنعاش المطلوب في الآخرين ممن حولنا كما يجب.

لكي نفهم الحب غير المشروط يمكننا أن نمثل له بحب الأم لابنها أو بنتها مثلا، حيث يخلو من أي شرط، فهو حب للحب. ومن أمثلته أيضا أن تقوم برعاية أحد لا ترجو منه شيئا أبدا، مريض في حالة غيبوبة مثلا. إنه الحب الذي وصفه الله تعالى بقوله: «إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً». وهو الحب اليعقوبي الذي أفاضه على أبنائه رغم كل ما فعلوه به، وقد كانوا في واقع الحال يشعرون بحبه لهم حين قالوا: «لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى‏ أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ » فاعتراضهم كان على الحب الزائد لأخيهم، لا عدم حبه لهم.

الحب غير المشروط يحدث عندما نتمكن من الفصل بين الفرد وسلوكه، فقد يكون سلوكه غير محبوب عندنا، كأن يكون غير مجتهد في دراسته، ولكنه كفرد يحظى بالحب منا، وبالتالي نكسب ثقته ونستطيع مساعدته في التغيير نحو الأفضل.

الحب غير المشروط مفتاح أساسي من مفاتيح الإنعاش والانتعاش في مؤسساتنا الاجتماعية كلها، بدءا من الأسرة وانتهاء بأكبرها، حيث يسود قبول الآخر ومحاولة فهمه بعمق وعدم إطلاق الأحكام المتسرعة عليه.
 لنتأمل في قصة صندوق القبلات. تقول القصة:

إن رجلا عاقب ابنته ذات الثلاث سنوات لإتلافها أوراق تغليف الهدايا حيث كانت حالته المادية ليست جيدة. ولذلك ازداد غضبه عندما حاولت طفلته تزيين علبة صغيرة كانت بين يديها. وفي الصّباح أحضرت تلك الطفلة تلك العلبة الصغيرة لأبيها وهي تقول :هذه هديتك يا أبي!.

 تلعثم، عَجِز عن النطق.. توقفت ردة الفعل لديه . فهذه طفلته التي عاقبها ليلة أمس لإتلافها ورق تغليف الهدايا تقدم تلك العلبة الصغيرة هدية له اليوم. أخذ الهدية منها وهو لا يزال يلوم نفسه على فعلته تلك ولكنه بمجرد أن فتحها استشاط غضباً ثانيةً . لقد كانت تلك العلبة فارغة وصاح في ابنته:ألا تعرفين ..؟ عندما تُعطينَ شخصاً ما هدية فالمفروض أن يكون بداخلها شيء. نظرت إليه ابنته والعبرة تكاد تخنقها والدموع تتساقط تباعاً من تلك العينين الصغيرتين، وقالت: إنها ليست فارغة فقد نفخت فيها كل ما لديّ من قُبُلات  منذ ليلة البارحة وهي لكَ كلّها مرةً أُخرى.

تلعثم .. عَجِز عن النطق .. توقفت ردة الفعل لديه. ولم يجد بُداً من أن يحتضنها بقوّة وهو يطلب أن تغفر له كل ذلك. وبعد وقت قصير توفّى الله طفلته تلك معه في حادث وقد أبقى والدها " صندوق القُبُلات " ذلك بجوار رأسه لعدة سنوات. ولأنّه أصبح معاقاً بعد ذلك الحادث : فهو يأخذ " صندوق القُبُلات " ويفتحه ويأخذ " قُبلَةً " خياليّة منه ولكنه يحسّها ويتذكّر طفلته تلك وما كانت تحمله من حب غير مشروط.

لا أريد أن أكون كئيبا كالمسلسلات الخليجية التي تُشعرك أن الدموع أرخص من الأندومي، رغم أنها دموع من نوع خاص لا تمس المكياج بسوء أبدا، ولكني أردت من خلال القصة ترسيخ مفهوم أن نحب بلا شروط.

شاعر وأديب