المجالس البلدية ... من الداخل

 


لا شك بأن إنطلاقة المجالس البلدية في بلادنا العزيزة هي خطوة بالإتجاه الصحيح، فهي تؤسس لمرحلة إشراك المواطن في صنع القرار، مع كل ما يشوبها من قصور.  وقد كنت ولازلت من المتحمسين لها ولإستمراريتها ولتعزيزها كتجربة رائدة.  ولهذا تابعت كل ما يتعلق بالمجالس البلدية وكتبت حولها ناقدا وفي نفس الوقت داعما.  في هذا المقال أود أن أتطرق للمجالس البلدية بعد مضي سنة واحدة من عضويتي في المجلس البلدي بمحافظة القطيف لدورته الثانية.

بعد دخولي للمجلس البلدي أصبحت الصورة مكتملة لدي، فقد عايشتها كمواطن شارك بصوته لإيصال 50% من أعضاء المجلس في دورته الأولى وله آمال وتطلعات يأمل أن تتحقق من خلال عضوية من أوصلهم للمجلس، والآن أعايشها كعضو منتخب بأصوات شريحة من المواطنين الذين منحوا أصواتهم لإيصالي للمجلس ولهم بطبيعة الحال آمال وتطلعات يأملون أن تتحقق من خلال عضويتي بالمجلس.

من خلال تجربتي خلال السنة الماضية وجدت أن المجلس البلدي في محافظة القطيف يعاني كثيرا لعدة عوامل ألخص أهمها فيما يأتي:
- ضعف صلاحيات أعضاء المجالس البلدية واقتصار دورهم على التقرير والرقابة.
- وجود البيروقراطية داخل أجهزة البلديات ما يتسبب في البطء الشديد في إتخاذ القرارات وتنفيذها.
- ضعف الجهاز التنفيذي لبلدية القطيف لنقص الكوادر الإدارية والتشغيلية من حيث العدد والكفاءة مقابل اتساع نطاق الإشراف بسب كثرة المدن والقرى والكثافة السكانية العالية بالمحافظة.
- عدم وجود الشفافية الكافية داخل أجهزة البلدية ما يعيق حصول أعضاء المجلس على المعلومات اللازمة للقيام بدوره كما ينبغي.
- ضعف البنية التحتية لعموم المحافظه مقابل ضعف كبير في الموازنة المعتمدة للمشاريع البلدية وسوء تنفيذ لأغلبها.
- وجود معوقات كثيرة للتنمية في المحافظة وشح في الأراضي نتيجة لتقليص الحدود الإدارية و وجود محجوزات «أرامكو السعودية» التي تغطي أغلب أرجاء المحافظة، إضافة الى منشئآت انتاج ونقل البترول والغاز والتي تشغل ما يقارب ثلث المساحة الإجمالية للمحافظة.
-  وجود الكثير من الأحياء القديمة والعشوائية، ما يجعل مشاريع المحافظة بحاجة ماسة لعناية أكبر من الجهات المسئولة من حيث التخطيط ورصد الميزانيات اللازمة.
- المعوقات أعلاه تسببت في نقص حاد في الأراضي اللازمة للمشاريع الحيوية ومنها السكنية والخدمية للمواطنين، ما أدى الى التمدد في البحر والرقعة الزراعية ما أدى الى الإضرار بالبيئة.

لم يفاجئني النقذ الشديد الذي ووجه به أعضاء المجلس في أول لقاءاته المفتوحة مع المواطنين، وهم يرون كيف أن محافظتهم تتراجع تنمويا سنة بعد أخرى بشكل كبير.  وقد اتسعت مساحة النقذ لتشمل في أغلبها جوانب خارج عمل المجلس البلدي، ألخص أهمها فيما يلي:

- شعور بعض المواطنين بأن التنمية البلدية غير متوازنه وان بعض القرى والأحياء مهمشة وأن الخدمات البلدية فيها تتراجع، فعلى سبيل المثال بلدة الجش التي حضيت بافتتاح أول فرع لبلدية محافظة القطيف، قبل نحو 36 عاما، أصبحت الآن بدون فرع للبلدية بعد تهديم مبنى الفرع.
- الإستمرار في دفن البحر والتوسع على حساب الرقعة الزراعية مع ما له من آثار بيئية سيئة.
- التباطئ الشديد في تنفيذ وصيانة المشاريع وفي حل كثير من القضايا كاستراحات الأوجام.
- تهالك كثير من مداخل المحافظة بسبب القدم والتباطئ في تحسينها نتيجة لتداخل الصلاحيات فيها بين البلدية و وزارة النقل.
- تهالك أسواق الخضار ناهيك عن صغرها وكونها لا تلائم النمو السكاني في المحافظة وعدم السعي الجاد لتطويرها.
- إقتصار أغلب مشاريع المحافظة على السفلته والإناره والأرصفه ونقص المشاريع الحيوية.
- عدم حل قضية الحدود الادارية ناهيك عن وجود حاجة ماسة لتوسيعها لحل مشكلة النقص في الأراضي اللازمة لأقامة المشاريع الحيوية، وتعثر هذه المشاريع نتيجة لذلك مثل الجامعات والمستشفيات ومشروع خادم الحرمين الشريفين للإسكان العام.  وقد بلغ الوضع سوءا بحيث تجد بعض القرى مثل التوبي بدون مباني مدرسية بسبب النقص الحاد في الأراضي.
- الغلاء الفاحش في الأراضي السكنية نتيجة لضيق مساحة المحافظة مقارنة بالكثافة السكانية العالية بها والبطء الشديد في تطوير المخططات المعتمدة الحكومية منها والخاصة.
- عدم التحرك الجاد لإيجاد حلول عاجلة لشح الأراضي وضرورة توجيه النمو في الأراضي الصحراوية غرب وشمال المحافظة، وكذلك إيجاد الأراضي اللازمة لتوفير منح لتوزيعها على المحتاجين من سكان المحافظة.

إنتقاذ المواطنين للمجلس شيء إيجابي فهو يحفز الأعضاء بلا شك في بدل المزيد من الجهد لتحقيق الآمال والأهداف المرجوه، ولكنه بالطبع ليس كافيا.  لقد سعى المجلس وعمل بصمت طوال سنة كاملة، وما تم وضعه من استراتيجيات وما اتخذ من قرارات وما تم من زيارات للمسئولين والجهات الحكومية الأخرى كلها كانت تتحدث عما تحدث به المواطنون، فالهدف واحد.  المواطنين بلا شك يريدون أن يرون إنجازا ملموسا على الأرض ولكن طبيعة المشاريع لا يجعل ذلك ممكنا في فترة قصيرة.  فالعمر الزمني لأي مشروع لا يقل عن خمس سنوات من ظهوره كفكرة الى إنجازه مرورا بعدة مراحل من التخطيط والاعتماد والتصميم ثم التنفيذ.  فالتنمية العمرانية عملية تراكمية مرتبطة بعامل الزمن، ومتى ما كانت هناك خطة واضحة المعالم مدعومة بالإمكانات اللازمة، فإن التنمية في العادة تسير في الإتجاه السليم.

أعضاء المجلس البلدي بحاجة أكبر للدعم المعنوي والمساندة من المواطنين بحيث يكون صوتهم مسموعا بشكل أكبر.  إنهم بحاجة الى الطاقات الوطنية الفاعلة لدعم جهد المجلس بجهد موازي آخر لتحقيق الأهداف والتنمية المطلوبة.

أمام المجلس المزيد من العمل مع الجهات المعنية للخروج بنتائج نهائية، وأجدني متفائل بأن محافظة القطيف ستحضى بمزيد من العناية في السنوات القادمة وهذا ما لمسته من خلال اللقاءات مع كبار المسئولين ومنهم سمو الأمير الدكتور منصور بن متعب وزير الشئون البلدية والقروية.  لقد أبدى سمو الأمير تفهمه لما تعانيه المحافظة من معوقات وأكد دعمه لتسريع الحلول للقضايا العالقة وتسريع التنمية العمرانية ومنها قضية شح الأراضي وتطوير المخططات الحكومية والسماح بالتمدد العمودي ما يشمل تعميم الدور الثالث في الأحياء السكنية كحاجة ملحة للمواطنين وتوفير الامكانيات اللازمة لبلدية المحافظة ما يشمل تدعيم الهيكل الاداري وتعزيز الميزانية.  كما آمل أن يتم تسريع إعتماد اللائحة الجديدة للمجالس البلدية متمنيا أن تعكس تغييرا ايجابيا في أوضاعها.