أحبوا أبناءكم


 

 

ربما يعترض البعض على عنوان المقال باعتبار أن حب الوالدين لأبنائهما أمر فطري، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) آل عمران: 14

والجواب أننا نرى الأمر كذلك أيضا، ولكن حديثنا عن مفردات الحب الخارجية التي تجسد المشاعر الداخلية أصدق تمثيل. فما ننطوي عليه من مشاعر تجاه الآخر لا يحدث أثرا ما لم يكن له شواهد في الخارج تكشف عنه وتشير إليه. وهذا يفسر لنا ما يشعر به بعض الأبناء من فراغ عاطفي قد يؤدي بالبعض إلى الوقوع في الفخاخ المنصوبة من قبل المتربصين المتصيدين (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ) الشعراء: 152، والذين يلعبون بعواطف الآخرين ويستغلون هذا الفراغ كمنفذ لتحقيق مآربهم الشريرة. وكم من فتى أو فتاة وقع أو وقعت ضحية ذلك.

لذا تأتي الروايات الشريفة للتأكيد على ضرورة إظهار الحب في صوره المختلفة للأبناء كي يشعروا به فعلا. فَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :‏ أَحِبُّوا الصِّبْيَانَ‏ وَارْحَمُوهُمْ وَإِذَا وَعَدْتُمُوهُمْ شَيْئاً فَفُوا لَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ إِلَّا أَنَّكُمْ تَرْزُقُونَهُمْ.

ويبلغ حب الأطفال مرتبة سامية بين الأعمال ليكون أفضلها. فعن الإمام الصادق : قَالَ قَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ :‏ يَا رَبِّ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: حُبُ‏ الْأَطْفَالِ‏ فَإِنِّي فَطَرْتُهُمْ عَلَى تَوْحِيدِي فَإِنْ أَمَتُّهُمْ أَدْخَلْتُهُمْ بِرَحْمَتِي جَنَّتِي.

أما أساليب إظهار الحب فتعدد، وإن كان من بينها مشتركات كتقبيل الولد مثلا، وقد وعد الله على ذلك الخير الكثير. فعن رسول الله : مَنْ‏ قَبَّلَ‏ وَلَدَهُ‏ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ حَسَنَةً وَمَنْ فَرَّحَهُ فَرَّحَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ دُعِيَ بِالْأَبَوَيْنِ فَيُكْسَيَانِ حُلَّتَيْنِ يُضِي‏ءُ مِنْ نُورِهِمَا وُجُوهُ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

بل إن شدة الحب تكون سببا للرحمة، وهو ما يجعلنا نتنافس في درجات حبنا لأبنائنا. فَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَرْحَمُ الْعَبْدَ لِشِدَّةِ حُبِّهِ‏ لِوَلَدِهِ.

ولعل الحديث التالي يبين لنا المصير المنتظر لأولئك الجفاة الغلاظ الذين يبخلون حتى بقبلة يبذلونها للطفل. فعن الإمام الصادق ،  قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ مَا قَبَّلْتُ‏ صَبِيّاً قَطُّ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ عِنْدِي أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.

ولما قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ فَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْأَوْلَادِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَالَ مَا عَلَيَ‏ إِنْ‏ نَزَعَ‏ اللَّهُ‏ الرَّحْمَةَ مِنْكَ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا.

بقي أن نشير إلى أمر هام جدا، وهو أن حب الأبناء كلما كان على أساس من حب الله تعالى كان أسمى وأنقى وأبقى. يقول العلامة المجلسي في بحار الأنوار: قد حققنا في بعض كتبنا أن محبة المقربين لأولادهم وأقربائهم وأحبائهم ليست من جهة الدواعي النفسانية والشهوات البشرية ، بل تجردوا عن جميع ذلك ، وأخلصوا حبهم وودهم وإرادتهم لله ، فهم ما يحبون سوى الله تعالى ، وحبهم لغيره تعالى إنما يرجع إلى حبهم له ، ولذا لم يحب يعقوب عليه السلام من سائر أولاده مثل ما أحب يوسف عليه السلام وهم لجهلهم بسبب حبه له نسبوه إلى الضلال وقالوا : نحن عصبة ونحن أحق بأن نكون محبوبين له ، لأنا أقوياء على تمشية ما يريده من أمور الدنيا ، ففرط حبه ليوسف إنما كان لحب الله تعالى له واصطفائه إياه ، ومحبوب المحبوب محبوب ، فإفراطه في حب يوسف لا ينافي خلوص حبه لربه ، ولا يخل بعلو قدره ومنزلته عند سيده.

ما أجمل أن نحب أبناءنا لله وفي الله، وأن نظهر ذلك الحب لهم كي يزدادوا تعلقا وحبا لله تعالى.

نسأل الله تعالى أن يرزق الجميع واحدا واحدا ذرية طيبة، وأن يوفقه لحبهم أشد الحب، إنه سميع الدعاء.

دمتم بحب .. جمعة مباركة .. أحبكم جميعا..

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
حبيب الحبيب
29 / 9 / 2012م - 7:33 م
الأستاذ المحب : بدر الشبيب
موضوع غاية في الأهمية لا سيما ونحن نعيش زمن التفتيت المتعمد للأسرة ، وتهديد كيانها بوسائل شتى ، والحب ( غير المشروط ) هو السبيل الوحيد - كما ذكرتم - لضمان استمرار تدفق الولاء المتبادل بين أعضاء العائلة ، ولنا في تفانيك في خدمة عائلتك ، وحبك العميق لهم نموذجاً حياً وحاضراً بدليل .

وفقك الباري لإرضاعنا من ينبوع حبك المشاع للناس .
شاعر وأديب