بالحب يُبنى الوطن

 

 

 

عندما يحب أحد شيئا ما فإن جملة من الآثار لا بد أن تظهر لتعبر في صيغ مختلفة عن هذا الحب.

حب المرء لذاته تظهر تجلياته في دفعه الشر عنها وجلبه الخير لها بحسب تشخيصه للخير والشر، وحبه للمال يظهر في حرصه على جمعه وكنزه، وحبه للشهرة والأضواء يظهر في بحثه عنها بكل ثمن، وحبه لزوجه وبنيه يظهر في كلمات المحبة التي يفيضها عليهم وفي سلوكياته المفعمة بالمودة والرحمة والعطف والحنان.

أما عندما يحب الإنسان وطنه فإن تجليات الحب ينبغي أن تظهر في علاقته بأرض الوطن وإنسان الوطن وثروات الوطن. فلا يمكن أن يدعي حب الوطن من يعبث ببيئته ويفسد بره وبحره وسماءه.

ولا يكون محبا للوطن من لا يحترم إنسانه ولا يقدر كفاءاته، أو يمارس التمييز ضد فئة منه على أساس مناطقي أو طائفي أو قبلي أو غيرها.

ولا يسكن حب الوطن قلبا لا يحرص على ثرواته، ولا يعبأ بحقوقها في الصيانة والتنمية والتوزيع العادل.

يتحدث الإمام علي عن تأثير الحب في تقدم الوطن ونهضته قائلا: "عُمِّرَتِ‏ الْبُلْدَانُ‏ بِحُبِّ الْأَوْطَانِ".

فالمحبون الحقيقيون للوطن هم من يساهمون في تعميره ورخائه ويسعون إلى رفعته في كل المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

المحبون للوطن هم المخلصون لأرضه وإنسانه وثرواته؛ يعشقون أرضه كل أرضه، ويتشرفون بخدمة إنسانه كل إنسانه، ويحافظون على ثرواته كلها باعتبارها أمانة لا طُعمة.

 لقد كان النبي عاشقا حقيقيا لمكة برغم أذى قريش له ولأصحابه، وبرغم محاولتهم اغتياله وإخراجه كما قال تعالى:﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) سورة الأنفال.

فعندما أراد الخروج من مكة التفت إليها التفاتة المحب مخاطبا إياها خطابا عاطفيا رقيقا: "اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّنِي أُحِبُّكِ وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ‏ أَخْرَجُونِي‏ عَنْكِ‏ لَمَا آثَرْتُ عَلَيْكِ بَلَداً، وَلَا ابْتَغَيْتُ عَلَيْكِ بَدَلًا، وَإِنِّي لَمُغْتَمٌّ عَلَى مُفَارَقَتِكِ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّدُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: سَنَرُدُّكَ إِلَى هَذَا الْبَلَدِ ظَافِراً غَانِماً سَالِماً قَادِراً قَاهِراً وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:‏﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى‏ مَعادٍ. يَعْنِي إِلَى مَكَّةَ غَانِماً ظَافِراً".

وهكذا عاد النبي إلى مكة على براق حبه ليفتحها آفاقا رحبة، مثابة للناس وأمنا، ولتكون هي قلب العالم وقبلته.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..

 

شاعر وأديب