حق المال

 

 

 

 

وَأمّا حَقُّ المَالِ، فَأَنْ لا تَأْخُذَهُ إلاّ مِنْ حِلِّهِ، ولا تُنْفِقَهُ إلاّ فِي حِلِّهِ، وَلا تُحَرِّفْهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ، ولا تَصْرِفَهُ عَنْ حَقَائِقِهِ، ولا تَجْعَلْهُ إذا كَانَ مِنَ اللَّهِ إلاّ إلَيهِ وَسَبَباً إلَى اللَّهِ. ولا تُؤثِرَ بهِ عَلَى نفْسِكَ مَنْ لَعَلَّهُ لا يَحْمَدُكَ، وَبالْحَرِيِّ أَنْ لا يُحْسـِنَ خِلافَتَهُ فِي تَرِكَتِكَ، ولا يَعْمَلُ فِيهِ بطَاعَةِ ربكَ فَتَكُونَ مُعِينًا لَهُ عَلَى ذلِكَ أَو بمَا أَحْدَثَ فِي مَالِكَ أَحْسَنَ نَظَرًا لِنَفْسِهِ، فَيَعْمَلَ بطَاعَةِ رَبهِ فَيَذْهَبَ بالْغَنِيمَةِ وتَبُوءَ بالإثمِ وَالْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ مَعَ التَّبعَةِ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.

المال عصب الحياة الاقتصادية، وارتفاع مستوى دخل الفرد في أي مجتمع من المجتمعات يمثل أحد مؤشرات النمو فيه. والسعي لتحصيل الثروات المادية مطلوب في الشريعة الإسلامية، بل المطلوب أن يكون أثرياء المسلمين أكثر قوة مادية من غيرهم تحقيقا لـ (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه).

البعض يظن خطأ أن المسلم ينبغي أن يعيش في حالة الكفاف، أو على خط الفقر، ويسمي ذلك زهدا. ولكننا عند مطالعة الكتاب والسنة سنخرج بنتيجة أن المال في الشرع الحنيف ليس بممدوح مطلقا أو مذموم مطلقا، بل الأمر مرتبط بمصادره وموارده. فإذا كانت مصادر اكتسابه مشروعة، وموارد صرفه وإنفاقه مشروعة أيضا؛ كان ممدوحا مندوبا إليه، والعكس بالعكس.

يقول تعالى ممتدحا المنفقين أموالهم في سبيله ومبشرا لهم:﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (274) البقرة.

ويقول عن الذين يكتنزون الثروات ويكدسونها:﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) التوبة.

وعن رسول الله : "من المروءة استصلاح المال". والمقصود من استصلاحه استثماره وإنماؤه بالطرق المشروعة.

وعن الإمام الصادق : لا خير فيمن لا يحب جمع المال من الحلال، فيكف به وجهه ويقضي به دينه.

وعنه أيضا: يقول إبليس لعنه الله: ما أعياني في ابن آدم فلن يعييني منه واحدة من ثلاث: أخذ مال من غير حله، أو منعه من حقه، أو وضعه في غير وجهه.

وفي هذا المقطع من رسالة الحقوق، يتحدث الإمام عن حق المال باعتبار أن الإنسان ليس مالكا حقيقيا له، فالمال مال الله، والإنسان مستخلف فيه مؤتمن عليه، كما قال تعالى في سورة النور: ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ.

حقوق المال كما وردت هنا يمكن أن نضعها في النقاط التالية:

  1. أن يتم تحصيله واكتسابه بالوسائل المشروعة. عن النبي : "من لم يُبالِ من أين اكتسب المال، لم يُبالِ الله من أين أدخله النار". لذا فإن من الضروري تحصيل ثقافة فقهية شرعية في هذا المجال حتى لا يقع الإنسان في الحرام من غير قصد، خصوصا في هذا الزمن الذي اختلط فيه الحابل بالنابل.
  2. أن يتم إنفاقه وفق الضوابط الشرعية. وهو ما عناه الإمام بقوله: ولا تُنْفِقَهُ إلاّ فِي حِلِّهِ، وَلا تُحَرِّفْهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ، ولا تَصْرِفَهُ عَنْ حَقَائِقِهِ. فقد ينفق الإنسان المال في محرم، كأن يشتري به المخدرات مثلا، وقد ينفقه على أمور تافهة حبا للمظاهر أو جريا مع العادات الاجتماعية السلبية، وقد يبدده يمينا وشمالا مبذرا هنا ومسرفا هناك.
    يقول الإمام علي : أَلاَ وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ، وَهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَضَعُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَيُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللهِ.
  3. أن يجعل الإنسان المال طريقا إلى الله تعالى ووسيلة لبلوغ رضاه. وذلك بأداء حقه المفترض فيه، وإنفاقه فيما يعود عليه بخير الدنيا والآخرة.
  4. أن لا ينتظر من ورثته التصرف في تركته، بل يكون كما قال الإمام علي : "يا ابن آدم، كن وصي نفسك في مالك، واعمل فيه ما تؤثر أن يُعمَل فيه من بعدك".

فالوارث إما أن يكون طالحا فتكون قد أعنته على ذلك، أو صالحا فيكون قد استفاد من مالك ما لم تستفده أنت، إذ حاز على الثواب والأجر، ولم تكسب سوى الحسرة والندامة وسوء الحساب.

شاعر وأديب