الربيع العربي والربيع الأوروبي

 

 

 

 

فاز مرشح اليسار فرانسوا هولاند يوم الأحد الماضي في سباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية ، ليكسر احتكار اليمين لقصر الإيليزيه خلال السنوات 17 الماضية ،بدى هذا الخبر عادياً ، ولم نرى ذلك الاهتمام الكبير على مستوى المواطن العربي الذي لم يكن قادراً على تذوق طعم الديمقراطية المتقدمة التي لم يسبق له أن جربها.

ما بين اليمين واليسار ، الوسط واليسار المتطرف واليمين المتطرف ، ضاع المتابع العربي في هذه الديمقراطية الواسعة التي استطاعت أن توفر التعايش لأكبر جالية إسلامية في أوروبا جنباً إلى جنب مع اليهود والمسيحيين الكاثوليك و والبروتستانت ، والملحدين أيضاً  ، في مجتمع يبلغ تعداد سكانه ما يقارب 65 مليون نسمة 7% منهم مسلمون وفقاً لإحصاءات غير رسمية حيث تمنع الدولة هناك تعداد المواطنين حسب انتمائهم العرقي أو الديني أو الفلسفي ،  لقد انصهر الناس في مجتمع يمثل المدنية في أرقى صورها .

حينما ترشح ليونيل جوسبان زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي ضد جاك شيراك في الانتخابات الرئاسية عام 2002 حاول أحد الإعلاميين في لقاء معه أن يشير إلى أصله البروتستانتي فقطع عليه جوسبان الحديث فوراً وقال له : " نحن نعيش في ظل نظام جمهوري ، وبالتالي فلا مبرر لملاحظتك " ، واليوم لم نسمع أن أحد الفرنسيين سأل فرانسوا هولاند عن طائفته إن كان كاثوليكياً أو بروتستانتياً فلا تمييز طائفي في هذه البلاد التي يتحدث المفكرون فيها عن عصر ما بعد الحداثة ، في الوقت الذي ما يزال المفكرون في بلادنا العربية يأملون أن يكون الربيع العربي هو بداية بذرة التنوير الخاصة بنا والتي تتناسب مع متبنياتنا الفكرية لتجعل الإنسان في هذه البلدان يتصالح مع نفسه ومع الآخرين ويرسخ قيم العدل والتسامح والمساواة والمشاركة الشعبية والتداول السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثروة والقضاء على الفساد  التي يحاول مفكرونا اليوم الاستدلال عليها من خلال إعادة قراءة تراثنا مرة أخرى بصورة تتجاوز حالة الفشل التي نعيشها وتتناسب مع متبنياتنا الدينية والفكرية.

لقد انتقلت السلطة في فرنسا خلال يوم واحد فقط من اليمين إلى اليسار بعد أن تم إحصاء أكثر من 50 مليون صوت يمثلون 80% من الشعب الفرنسي الذي شارك في هذا العرس الديمقراطي ، بينما حاولت بعض الأنظمة العربية تقليد هذه الديمقراطيات الحديثة دون توفير الأسس المماثلة فتمخضت تجاربهم عن تحويل حكم الفرد  الواحد إلى حكم الحزب الواحد ، فصار المستبدون في العالم العربي يتباهون أمام شعوبهم بديمقراطيات زائفة لم تحقق أياً من أهدافها التي تحولت إلى مجرد نصوص جامدة في دساتير تستخدم من أجل البهرجة الإعلامية .

إذا كان الربيع العربي قد أطاح بعرش أربعة روؤساء ويوشك أن يفعل ذلك مع اثنين آخرين ، فإن أوروبا أيضاً عاشت ربيعها هي الأخرى ولكن على الطريقة الديمقراطية فالأزمة المالية العالمية التي اندلعت في أمريكا وأوروبا في عام 2007 ، أثارت استياء بالغ لدى المواطنين الأوروبيين على ساستهم وتجلى ذلك بصورة واضحة في الاحتجاجات الضخمة التي خرجت في كل من اليونان واسبانيا وايطاليا والتي مكنت المعارضين والمنتخبين من إسقاط حكومات تلك البلدان الثلاثة وكان أشهرهم على الإطلاق رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني الذي ظل في هذا المنصب لمدة 17 عاماً لكن إرادة الشعب كانت أقوى منه ، واليوم يرحل معهم ساركوزي أيضاً في ظروف مشابهه .

على الرغم من الأحداث السياسية الحافلة في القارة العجوز ، إلا أننا لم نسمع عن اعتقالات في صفوف المعارضين ولم نرى قمعاً بالأسلحة النارية للمتظاهرين  ولم يضطر أحد إلى إراقة دم الآخر ، وربما لم يسمع الكثير منا عن خسارة رئيس وزراء أوروبي لمنصبه أو يهتم به كثيراً ، فدولة مثل بلجيكا اطلق الناشطون فيها العام الماضي ثورة " البطاطا المقلية " الساخرة نظراً لمرور 249 يوم دون استطاعة الانتخابات الأخيرة تشكيل حكومة تمارس مهامها ، وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف الحياة في دولة المؤسسات التي تستطيع التكفل بالأمر ، بينما تعجز البلدان العربية عن حل قضايا تافهه لمدة عقود طويلة ، فشتان بين الربيع العربي والربيع الأوروبي.

معلم حاسب