الباترينة العارية

 

 

يقولون أن اللغة هي مرآة الفكر، وأن الإنسان مخبوء تحت طي لسانه، من هنا فإن المرء لا يُعرف حتى يتكلّم، فكم من إنسان زانه المظهر رونقاً وجمالاً حيث كنت تحسبه أشمطاً مفوهاً حكيماً مُقنِعاً، فإذا ما بدأ بالحديث أرغمك على تغيير وجهة نظرك إلى الجهة المعاكسة تماماً، وقد أصبت بصدمة حادة نتيجة للبون الشاسع بين ذلك المظهر الأنيق، وتلك الأفكار الهزيلة التي لا تتناسب البته مع الإنطباع الأولي الذي تركته " الباترينة " في مخيلتك.

من المثير للدهشة ذلك الإهتمام الشديد بالمظهر والحرص على أن يبدو في عيون الآخرين كما يجب، وربما يعود ذلك لإعتقاد " البعض " بأن الشكل العام هو أول رسالة إتصال غير لفظي بينهم وبين الآخرين، وبناءً عليه تتوقف عملية القبول أو الرفض، وبالرغم أنه لا يجب التقليل من هذا الإعتقاد، إلاّ أن الإعتماد عليه بالمُطلق يُعدُّ خطأ فادحاً في جانب تسويق الذات وبناء العلاقات الإجتماعية، والتلاقح الفكري، وتدوير الخبرات والأفكار الإيجابية.

وفي المقابل تجد هناك من ينحو لتثقيف نفسه ويجتهد من أجل الإرتقاء بها فكرياً، ويصرف الكثير من المال على شراء الكتب والإصدارات الحديثة، ومتابعة كافة الأنشطة الثقافية والبرامج التلفزيونية الجادة، والحوارات الفاعلة، والمنتديات التفاعلية، ولكن إذا ما رأيته حسبته من آخر الصعاليك للحالة الرثّة التي هو عليها، وبالرغم من الإحترام الكبير الذي يجب أن يحظى به هذا الصنف من الناس لأن " الجوهر أهم من المظهر " فإنّ هذه المقولة يعتقد البعض بأن زمنها قد ولّى، لأن اليوم هو " عصر التكامل بين المظهر والجوهر " ولا يُمكن إعطاء الأولوية لأحدهما على حساب الآخر، لأنهما وجهان لعملة واحدة وهي " الشخصيّة " .

ربما أصابتك الحيرة نحو أي فريق تسير، وربما أنت تميل إلى الإلتزام بجانب دون آخر، وربما تكون من المؤمنين بأهمية الجمع بين الحسنيين لإعتقادك بأن " الحامل للأفضل أفضل " وقد لا تقع هذه الأمور إطلاقاً ضمن إهتماماتك ولا تشكِّل أي قيمة على سلّم أولوياتك، ومهما كان موقفك فإنه " يُحترم بالتأكيد " لأنك الوحيد الذي يملك زمام أمرك، وكنة شخصيتك ومقامك، ولا يجب بتاتاً على من يرى في نفسه الكفاية أن يُعطي لذاته الأرجحيّة على الآخرين " فكم من فتى خلتهُ جاهلاً .... ويأتيك بالأمر من فِصِّهِ " ولذا يجب توخِّي الحذر قبل إطلاق الأحكام.

بيد أنّ مالا يُختلف بشأنه بين عموم الناس بأنه يجب الإعتناء بالمظهر دون تكلُّف، كما الإعتناء بالجوهر تماماً، ولكن في الوقت ذاته يتحتم على كلا الطرفين " أتباع المظهر، وأنصار الجوهر" أن يستوعب كلٌ منهما الآخر لأنهما جزءاً من نسيج المجتمع، ولا فضل لأحدهما على الآخر إلاّ بالتقوى. وإنّ أي محاولة يقوم بها أحدهما لإزدراء الآخر يعتبر سلوكاً غير ناضج ويورث البغضاء والكراهية، ويؤدي إلى توكيد الذات بطريقة بلهاء بإمتياز. تحياتي. 

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية