التفكر مفتاح السعادة


 
عن الإمام علي قال: (لا عبادة كالتفكر في صنعة الله عزَّ وجلَّ) .

لكي نؤمن بالله بصدقٍ ويقين يجب أن نتفكر ونتدبر ولا تكون عبادتنا كمن قال الله عنهم: ﴿ِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ .

لابد أن تكون العبادة والطاعة لله عن علم ومعرفة ويقين ودراية بالتفاصيل وإلمام بالأحكام ولا نكتفي بما تعلمناه من آبائنا الكرام يحفظهم الله من أسس ولا نصلي كما تعلمناه وإن كان صحيحًا دون أن نعرف الصلاة ومعناها وقيمتها ورابطتها برب الصلاة وعلى من نصلي ولمن نصلي ونتوجه أثناء الصلاة؟. 

ولكي نعرف لِم خلقنا الله يجب علينا أن نتفكر بجد وإخلاص ونتأمل في أنفسنا، لأن التفكير والتأمل منجيان من الجهل والضلالة وباب للصواب والحكمة وهما الطريقان لمعرفة العلوم الجديدة والمجهولة والوصول إلى الحقيقة الوجودية ومعرفة الهدف من الوجود كما كان الهدف لصناعة جهاز الهاتف النقال والسيارة والكمبيوتر، لكن الإنسان يغفل ويتجاهل عن هذا النوع العظيم من التفكير والتأمل، يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .

عن أبي عبدالله قال: (تفكُّر ساعة خير من عبادة سنة، قال الله: "إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ") .

ولولا التفكر والبحث عن الحقيقة الغيبية والمجهول لما تمكن الإنسان بعلمه وتفكيره من الصعود على سطح القمر ولما أخرج نفسه من اللا علم إلى العلم والمعرفة والاكتشاف، ولو لم يتفكر ويتأمل العلماء لما اكتشف أديسن الكهرباء وأجهزتها، ولا اكتشفت السيارات وأمثالها، ولا الطائرات ونظيراتها، ولا شرب الإنسان الماء البارد في الصيف، ولا تحدث من في المشرق مع من في المغرب عبر الهاتف والتلفاز والأقمار الصناعية، وبالتفكير واستخدام العقل استطاع الإنسان أن يشيد المباني العملاقة والعمارات الشامخة التي يزيد ارتفاعها على مائة طابق أو ألف متر وحل بتفكيره وعلمه للبشرية أزمات السكن وآوى آلاف البشر وسيارتهم وممتلكاتهم ومكاتبهم وأسواقهم في قطعة أرض لا تتجاوز ثلاثة آلاف متر مربع.

عن أمير المؤمنين علي  قال: (رحم الله امرأ تفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر). وعنه   قال: (فكر ساعة قصيرة خير من عبادة طويلة) .

فبالتفكير المنظم والهادف والباحث عن الجوهرة الحقيقية نعرف كيف نعبد الله الذي خلقنا لعبادته وطاعته وهو الحكيم العليم؟، وبالتفكير نعلم القيمة الحقيقية للعبادة ولم فرضها الله علينا؟، وما فوائدها وعوائدها إلينا؟، لكي نلتصق بها ونطبقها ونذوب فيها بنفس راضية قانعة مطمئنة، وبالتفكير يدفع المؤمن مما يكتسبه بجهده من المال للزكاة، ويحج الحاج لبيت الله الحرام على ما فيه من البذل من المال والمشقة وإضاعة للوقت والغربة والتعب والمخاطر في أرض جرداء قاحلة شديدة الحرارة ويخلع فيها ملابسه الفخمة ليلبس ثيابًا قد لا تحميه من حرارة الشمس ولا تكنه من برودة الشتاء ويقصر شعوره ويهرول بين الصفا والمروة وأركان البيت ويتنقل في الزحام ولعله يتعرض للكثير من المخاطر والأضرار أو يموت وهو مطمئن لفعله ومسلم لرب البيت الحرام ولو تمكن الحاج لحج في كل عام، وبالتفكير نعلم علم اليقين لم نحن نطيع الله ونعبده ونصلي إليه، ولا ينبغي منا أن نعصيه ونرتكب نهيه، وبالتفكير ندفع من أموالنا للفقراء والمساكين بنفس راضية وقانعة، وبالتفكير يصدق الإنسان ولا يكذب، وبه يُسلم على غيره ويحييه وهو في غنى عنه، وبه يفعل الخير ويجيب السائل ويرشد الخاطئ وينصح ابنه للدراسة ويمنعه عن السرقة، فبالعقل والتفكير تميز الإنسان على سائر المخلوقات وبما أنه عاقل ومخير في فعله فرضت عليه الطاعة والعبادة ولم تفرض على الحيوان الذي ليس له عقل.

يقول تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا .

عن عبدالله بن سنان، قال: سألت أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق ، فقلت: (الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ فقال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الله عزَّ وجلَّ ركب في الملائكةِ عقلاً بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم) .

وكما أن (إسحاق نيوتن) مكتشف الجاذبية اكتشفها بالتأمل والتفكير عبر سقوط الفاكهة من الشجرة كان بإمكانه أن يتوصل إلى معرفة الله ووجوده عبر فطرته التي فطره الله عليها وأعطاه الهداية لأن يتوصل إلى سبب خلقه من التراب وتكوينه من النطفة من قبل خالقه والهدف من وجوده في الحياة وتمييزه بالعقل دون غيره من المخلوقات الذي اكتشف به الجاذبية ولو تفكر أكثر لأصبح عبدًا مطيعًا مخلصًا وفيًا، وبالتأمل وبالتفكير كان عليه أن يعبد الله ويشكره على معرفته علم الجاذبية والذي هداه الله إليه ولمعرفته، هذه هي العبادة التي يطلبها الله أن تتقدم بالشكر لمن أعطاك العقل وعلمك كيف تتفكر وهداك للتأمل وأعطاك الفهم الذي تميز به السقوط من العلو، والمطلوب منا التفكر والتأمل والتدبر واستخدام العقل في تركيبة مخلوقات الخالق العجيبة والعظيمة لا في كيفية سقوطها ولكي تعرف قيمة الشيء يجب أن تعرف خالقه ولم خلقه فلو وضعت التفاحة التي خلقت للأكل أمام الراديو هل يستفيد منها.

فإذا كنت في طريقك للسفر وسألت رجل المطار عن موعد إقلاع الطائرة وأجابك على سؤالك قدمت له الشكر وهو لم يقدم لك شيئا، وإذا قدم لك صديقك كأسا من الماء تقدم له الشكر، وإذا أعطاك البقال حاجتك تشكره وأنت قد دفعت له الثمن، فالله أولى بالشكر والحمد والعبادة لأنه هو من أعطاك كل ما تملك وهيأ لك الحياة، يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ .

عن الإمام  قال: (التفكر في آلاء الله نعم العبادة) .

وعنه  قال: (التفكر في ملكوت السماوات والأرض عبادة المخلصين) .

وعليك أن تبدأ التفكير بنفسك وروحك الخفية التي بين جنبيك ومن سواها وأخفاها، ومن الذي يقبضها إذا حان حينها، ومن يحفظها، ومن ألهمها هذه المعارف والعلوم، يقول تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا .

ومن ركب هذا الجسم العظيم الذي يحتوي على أكثر من (10 تريليونات) خلية حية وكل خلية تقوم بواجبها وعملها دون كلل، ومنها من يحمل الأكسجين ومنها من يحمل الماء والأملاح والمعادن ومنها من يطلق الطاقة والنشاط ومنها من هو متخصص في إبقائك على قيد الحياة وكل خلية لها عمر محدد إذا انتهى واجبها تخرج من الخدمة بطريقة حكيمة دون أن يختل النظام ويأتي من ينوب عنها، ولو دخلت خلية مكان خلية أخرى لفسد الجسم وأصيب بالعطل والمرض والإعياء، ولا يقتصر علمك وتأملك على شيء بسيط من العلوم مخلوقة كما خلقت أنت في هذا الكون قبل أن تخلق وتبقى بعد فنائك، يقول تعالى:﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .

وبنفس الطريقة التي توصل بها ما سماه اكتشافا جديدا وهو علم قائم بذاته منذ أن خلق الله تلك التفاحة قبل أن يكتشفها (إسحاق نيوتن) وبعد ما اكتشفها عبر التفكر والتأمل كان بإمكانه وبنفس التأمل والتفكر الذي دله على سقوط تلك التفاحة من تلك الشجرة بسبب عوامل الجاذبية أن يستدل على وجود الله رب الجاذبية وخالقها ومسقط التفاحة وماسكها ويدل غيره من الغافلين على وجود الخالق الحكيم لتلك الشجرة والتفاحة والذي ركبها بطريقة حكيمة دقيقة يعجز البشر مجتمعين أن يأتوا بمثلها في قيمتها الغذائية من السكريات والبروتين والمواد الدهنية والأحماض العضوية والأملاح المعدنية والبوتاسيوم والكالسيوم والصوديوم وفوائدها على القلب وعلى إذابة الشحوم وتنشيط الأمعاء وتفتيت الحصاة في الكلى وإطفائها للحرارة وذهابها بالحمى في الجسم، ولو تأمل الرفيق (إسحاق نيوتن) قليلاً لأضاف لاكتشافه معلومة ليست بجديدة أثمن مما أعلنه على أن كل مخلوق يدل على وجود خالق له، وكل مخلوق يجب أن يطيع من خلقه، وإن العلم الذي توصل إليه هو صفر من العلوم والمعارف ولو جاء بعلمه ومعارفه إلى علم آخر لفشل وبان جهله، يقول العليم الحكيم: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. ويقول عز ذكره: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .

ويقول الذي علم بالقلم:﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ.

ويقول الله تعالى: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ .

وعن أبي عبدالله   قال: (أطعموا محموميكم التفاح فما من شيء أنفع من التفاح) وعنه   قال: (لو يعلم الناس ما في التفاح ما داووا مرضاهم إلا به) .