نعيماً أيها المتمرِّدون

 

 

 

مما لاشك فيه أن لا أحد يرغب في التعامل مع الأشخاص المتمردين بأي شكل كان ، لأنهم بصريح العبارة من العوامل المتسببة في الشعور بالصداع والدوران ونشأة حالة من الإرتباك الشديد أينما حُّلوا, كما أنهم يساهمون بعنادهم وقيامهم بالتغريد خارج السرب في حدوث التفكك الإجتماعي وتشتيت فرص تحقيق الأهداف والتشجيع على التسيب وعدم الإنضباط . 

وبالرغم أن كلمة التمرد عادة ما تثير عند سامعها تصوراً سلبياً لأنها تعني العصيان والخروج على الطاعة ، وركب موجة العناد الطفولي والتحدي المقيت، وشق عصا الجماعة، وتهديد الشعور بالنحن، والقيام بنسف جسور التواصل والتفاهم مع الآخرين، فإنها في ميدان التغيير والتطوير تمثل أداة هامة من أدوات الإنسلاخ المدروس والمُخطّط من القوالب القديمة فكرياً وعملياً، والرفض الواعي لكل ما هو مدعاة للتخلف والإنحطاط في كافة المجالات.

ولتقريب الصورة تبرز هنا بجدارة " سمكة السّلَمُون " التي تتصف بالمقاومة والعناد والسير في عكس إتجاه التيار ، ولكنها في الوقت ذاته دائبة الحركة ومُبدعة وفعالة وتتميز بذكاء قلّ نظيره، ولديها قابلية كبيرة للتعامل مع المستجدات ، والتكيف مع الظروف القاسية والتغيرات المفاجئة التي تصادفها اثناء رحلتها الطويلة والشاقة في أعماق البحار ما بين عذبة ومالحة والتي تستمر لأكثر من أربع سنوات تقريباً دون شعورها بالملل أو الكلل .

من هنا فإنه لا يمكن أن يتحقق ما نصبوا إليه إذا نحن إلتزمنا بـ " الإستاتيكا " واتصفت حركتنا بالثبات والتشابه والجمود ، كما لا يمكن أن ينطلق التجديد والتطوير أبداً من التمسك براية الوضع القائم وكأنه قدراً مُسلطاً علينا في بيئة العمل ،  لأن النتائج ترتبط حتماً بالمقدمات ، وإن المخرجات ماهي إلاّ تعبيراً واضحاً ومنطقياً عن المدخلات ، وإننا إذا تعودنا أن نقوم بما تعودنا القيام به دائماً فسنحصل على نفس النتائج لا محالة. 

إذاً فإن التغيير الناجح – في رأيي المتواضع – يحتاج قبل القيام بحالة التمرد الإيجابي على      ما هو قائم في بيئة العمل إلى تغيير ثقافي إبتداءً ، وإلاّ سيكون التمرد والحال كهذا ما هو إلاّ حركة عبثية ليس لها أي معنى أو مدلولات ، وسيرتد على العملية الإدارية بشكل عكسي في صورة هزّات شديدة من عدم الثقة وإشاعة جوٍ من عدم الشعور بالطمأنينة والإرتياح الأمر الذي يؤدي إلى ظهور نوبات من القلق المشوب بالحذر في كافة الأجزاء المكونة للنسق الإداري العام .

إنّ التحول الإداري نحو التطوير والتحديث ضرورة مُلِّحة لمواكبة منجزات الفكر الإنساني المعاصرة والمتلاحقة دون توقف ، ولكن أن يتحول التمرد إلى حالة من الشطط والتشرذم في التخطيط ، ومحاولة القفز الدائم إلى مشروع تطويري جديد دون إتمام وتقييم المشاريع القديمة التي تم إنجازها لهو معضلة كبرى في الفكر الإداري بلا جدال ، كما أن اتخاذ سياسة حرق المراحل فيما يتم تنفيذه من مشاريع تطويرية يؤدي بالنتيجة إلى غياب الجودة وتراكم الخبرات السلبية أو الهامشيّة إن صحّ التعبير، ولكن إذا كان التطوير منهجياً ومدروساً، وملتزماً بهدف، ومتمرداً بمسئولية، فهنيئاً لكم أيها المتمردون على أنفسكم بضمير. تحيّاتي.        

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية