الدب الروسي للعالم: نحن هنا!!

 

 

يبدو أن سياسة الدب الروسي في المنطقة تتماشى مع طبيعة الدب كحيوان أو متأثرة بصفاته وإن فارقتها أحياناً. قد خالف الدب الروسي ما يقوله علماء الحيوان عن الدببة. فعلى الرغم من أنه يُعرف عن الدببة شراستها النمطيّة، إلا أنها عادةً ما تكون حذرة عند أي مواجهة مع مصدر للخطر، حيث تُفضل غالبا أن تتراجع عوضا على أن تقاتل. بيد أننا نرى الدب الروسي في الملف السوري يستعد للوقوف مع النظام حتى لو تطلب منه ذلك المنازلة. الفيتو الروسي، تصريحات القيادات الروسية، وزيادة حم التواجد العسكري في المنطقة، جميعها، وبقدر ما تقوم على حذر الدببة المعتاد، ومع وجود خطوط رجعة لموسكو، إلا أنها تشي بمواقف آتية أبعد من الموقف السياسي والدبلوماسي الحالي، لأن قراءة روسيا لما يجري في المنطقة، بخاصة بعد التجربة الليبية، أن دورها في العالم يتعرض لضربات قد تكون في واحدة منها الضربة القاضية.

تتفق سياسة موسكو في هذه الفترة مع طبيعة الدب القطبي المعروف بأنه صياد مختلس، فهو يصطاد عن طريق التسلل والتربص، وعادة لا يشعر طريدته بوجوده إلا بعد أن يهاجمها. اليوم، جاءت اللحظة المناسبة لتشمر موسكو عن ساعديها وتصطادها وتقول للعالم أجمع: "نحن هنا"، وهو الأمر الذي يرجح استمرار مواقف موسكو بالتحالف مع دمشق، وبصلابة أشد في المرحلة القادمة. يؤكد ذلك ما ألمح إليه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في مقابلة مع صحيفة "نيويوركر" الأميركية، بأن ما يجري قد يكون مقدمة لحرب عالمية ثالثة، حيث قال: لقد اعتقدنا أن الرئيس حافظ الأسد قد نفى جميع الأغبياء خارج بلاده ولكن لحسن حظنا ما يزال هناك 3 ملايين منهم، هل تعتقدون أننا أقمنا الثورات في تونس وليبيا ومصر لعيون العرب؟ (يضحك ساخراً)، وبعدها يقول: كل ذلك لأجل عيني إيران وسورية، لقد حاولت مع الرئيس حافظ الأسد وأنا أعترف أنه الشخص الوحيد الذي هزمني وقهرني في حياتي كلّها. ويتابع كيسنجر: إن (ثورة سورية) أصبحت ومنذ آب 2011 حرباً عالمية ثالثة باردة، ولكنها ستسخن بعد عدة شهور هنا.

الشعور الروسي بخسارة أصدقائه، لاسيما بعد استخدام الغرب لمجلس الأمن في الحرب على ليبيا، ربما دفعه أيضاً لاتخاذ مواقف متصلبة تجاه الملف السوري، وقد وصف عالم الحيوان المختص بدراسة الدببة، نيكيتا أوفسيانيكوف، الذكور منها بأنها تمتلك صداقات متطورة للغاية، وموسكو تعتبر سوريا من أهم أصدقائها في العالم العربي. هنا، يوضح كيسنجر نقطة مهمة في هذه العلاقة قائلاً: سورية في نفس الوقت مركز المسيحية- الأرثوذكسية- العالمية ولا بد من تدمير مئات البنى العمرانية المسيحية وتهجير المسيحيين منها وهنا لب الصراع مع موسكو، فروسيا وأوروبا الشرقية تدين بالأرثوذكسية وهي تابعة دينياً لسورية وهذا سر من أسرار روسيا وسورية، بالتالي، مضيفاً:(فإخواننا العرب) لو رشوا روسيا بكل نفطهم لن يستطيعوا فعل شيء!!.

لذا تأتي التدريبات العسكرية المشتركة بين روسيا وسورية في سياق طبيعة الدببة التي تقوم الذكور اليافعة منها باللعب مع بعضها عن طريق التظاهر بالقتال مما يساعد على شحذ مهاراتها وتطويرها لتستخدمها عندما ستتقاتل مع الذكور الأخرى للحصول على حقوق التناسل في مواسم التزاوج اللاحقة في حياتها، وهو أمر يشابه حاجة الروس للبقاء في المنطقة.

يقظة الدب الروسي لا تقوم على ثوابت مبدئية أو مصالح اقتصادية مع سورية أو العرب، وإن كان لها تأثير، وإنما تقوم على رؤية إستراتيجية للصراع في العالم. ما عادت روسيا تتقبل أو تتحمل الجولة الأخيرة لأمريكا والغرب في تثبيت الأحادية القطبية في العالم من خلال الربيع العربي، وبتوافق غربي مع الإسلاميين الجدد، حتى لو قبلت الحكومات العربية بذلك وسوقت له. لذا استخدمت الفيتو في مجلس الأمن وستستميت لتحافظ على وجودها ضمن عالم متعدد الأقطاب، وقد التقت معها الصين في هذا المسار.

كاتب وباحث