حقائق وأرقام تكشف الخلل وزارة التربية تخالف أنظمتها... لدعم الطائفية

 

 

 

أصدرت وزارة التربية والتعليم، قبل نحو أربع سنوات، قراراً عاجلاً، باعتماد قواعد وإجراءات تكليف مديرات ووكيلات المدارس الحكومية والأهلية، وإنهاء التكليف في قطاع تعليم البنات. ومن الشروط "أن تكون المتقدمة ذات مؤهل جامعي، ويُستثنى من ذلك مديرات رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية في القرى والهجر التي يتعذر وجود الجامعيات بها، فيُكتفى بدبلوم الكليات المتوسطة، أو معهد إعداد المعلمات الثانوي". وهذا الشرط ينطبق أيضاً على الترشح لوظيفة وكيلة مدرسة.

الوزارة تشترط المؤهل الجامعي للمديرة والوكيلة... والمنصبان يمنحان لحاملات الدبلوم والمعهد من غير بنات القطيف

حين نقف عند هذا الشرط، لمعرفة مدى تطبيقه في واقع مدارس محافظة القطيف، التي وصل تعدادها هذا العام بعد عمليات دمجها إلى ما يقارب 113 مدرسة (ثانوي، متوسط، ابتدائي، رياض أطفال، مراكز تعليم الكبيرات ومحو الأمية)، نصدم كثيراً بالنتيجة، التي أرجو أن يعينني القارئ على تحملها، ويقاسمني بعض الألم الذي لا أشك أن يتفطر له قلب كل مواطن منصف عادل، فهذه المحافظة التي أشرت في مقال سابق تحت عنوان "القطيف حقوق مُغيبة في ظل تنمية غير مُتوازنة" إلى أن عدد سكانها يتجاوز نصف مليون نسمة، ويرجع تاريخها لأكثر من 5 آلاف سنة، وتضم أكثر من 14 مدينة وقرية، وتتربع على أكتاف الخليج العربي، بوابة السعودية على عدد من الدول، بما يعني كل هذا أنها ليست قرية أو هجرة، بل ولا حتى مدينة بسيطة تُقاس بغيرها من المدن، نجد أن 29 مدرسة من المدارس الابتدائية – من بين 40 مدرسة هو العدد الكلي لمدارس هذه المرحلة –، بها من المديرات والوكيلات (من غير بنات المحافظة اللاتي لم يتسنمن منذ تاريخ التعليم حتى اليوم أي من تلك الوظائف) 59 مديرة ووكيلة مؤهلهن العلمي "معهد معلمات"، (18 مديرة، 41 وكيلة). كما نجد أن هناك 9 مدارس أخرى متنوعة (روضة، ابتدائية، متوسطة، مركز محو أمية) بها 4 مديرات و5 وكيلات من حملة شهادة "الدبلوم"، أيضاً هناك إحدى المديرات في المرحلة الابتدائية تحمل شهادة الثانوية العامة!!، بالإضافة لمديرات مراكز محو الأمية التي لا يقل عددها عن 17 مركزاً؛ غالبية مديراتها بهذا المؤهل أيضاً!

وتشير هذه الإحصائيات إلى تجاوز جلي للضوابط التي وضعتها الوزارة. علماً بأن عدد المعلمات في المرحلة الابتدائية (فقط)، اللاتي يحملن المؤهل الجامعي من بنات القطيف لا يقل عن 850 معلمة، بنسبة تصل إلى أكثر من 90٪ من مجموعهن في هذه المرحلة، فضلاً عن كل من المعلمات من بنات مدينة سيهات وصفوى، اللتان لا تتبعان لمكتب التربية والتعليم في القطيف، هذا مع الإشارة إلى أن أكثر من 300 معلمة، يعملن في المراحل التعليمية الثلاث، وتنطبق عليهن شروط الترشح تقدمت عدة مرات بطلب الترشح لشغل هذه الوظائف، دون جدوى وغالبيتهن العظمى اجتزن بنجاح الاختبارات التحريرية، والمقابلات الشخصية.

 

مديرات ووكيلات يلتصقن بالكرسي لعقدين... رغم اشتراط الوزارة 4 إلى 8 سنوات

ومن بين ضوابط وإجراءات هذه الوظائف "أن تكلف على الوظائف المشار إليها (المديرات والوكيلات) لمدة أربع سنوات، ويجدد التكليف للمديرة والوكيلة للعمل في نفس المدرسة لمدة أربع سنوات أخرى، ولمرة واحدة فقط، حيث لا تبقى أي منهما في نفس المدرسة أكثر من ثمان سنوات".
والمتتبع لحال مديرات ووكيلات مدارس محافظة القطيف، يجد أن غالبيتهن تجاوز بقاءه عقدين من الزمان في نفس الموقع. وكم أشفق على أعصابهن التي تدور في فلك وجدران هيكل إسمنتي وإداري لا يتغير، وعلى عظامهن التي أظنها تكلست من طول مدة البقاء على الكراسي. ولا أعلم كم من المرات استبدلت مستودعات وزارة التربية والتعليم تلك الكراسي، التي دون شك هي الأخرى اهترئت، لكثرة الجلوس عليها!!
واستميح القارئ عذراً، في طرح نقطة ما كان بودي أن أضطر للتطرق إليها، أو الخوض فيها يوماً، لكننا نجد أنفسنا أحيانا ملزمين بمثل هذا الطرح سعياً للوصول إلى حالة التعافي من السقم الذي قد يُلم بنا، كما هو مبضع الجراح ينكأ به الجرح لإزالة الصديد منه، فعلى قدر ما به من ألم، إلا أنه هو العلاج الأنجع لذلك.

إذ نرى وباء القبلية متفشياً بشكل سافر، في جهاز رسمي حيوي، حيث نجد أن من بين موظفات مكتب التربية والتعليم بمحافظة القطيف، البالغ عددهن 166 موظفة، هناك ما تقارب نسبته 14٪ من قبيلة واحدة فقط (من دون احتساب أفخاذ هذه القبيلة الكُثر). وتتوزع النسبة الباقية على أكثر من 120 قبيلة وعائلة!. هذه القبيلة المحترمة تحتكر أيضاً ما تتجاوز نسبته ٢٠٪ من مجموع عدد مديرات ووكيلات المدارس في هذه المحافظة، و45% من مجموع مديرات مراكز تعليم الكبيرات!

وحين نواصل التقصي لبعض ما استتر، يقفز تساؤل تجاوز مساحات واسعة من الحيرة والريبة: ترى ما سر وضع عمود في "بيان أحوال الموظفات" الشهري المرفق باستمارة المسح المدرسية، تحت عنوان     "د/ خ" (اختصار لداخلي وخارجي)، والذي يحدد مقر إقامة منسوبات المدرسة، وفيما إن كانت كل منهن من بنات القطيف، أو من خارجها؟ والذي طالما لجأت إليه الإدارة كمعين لها، وحاشا لله أن أشير من طرف خفي إلى أنه يستخدم لتسهيل عملية الترشيح والتكليف لتلك الوظائف محور حديثنا، لكن إن كانت له أهداف إيجابية غائبة عنا؛ فلماذا لا نرى أثراً لهذا العمود في بيانات منسوبات مدارس المحافظات الأخرى، غير القطيف؟! سواءً في الشرقية، أو غيرها، أو في مدارس البنين أيضاً!.

"القبلية" تتحكم في توزيع المناصب... والقطيفيات محرومات منها.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل سيبقى ملف ترشح بنات القطيف لوظيفة مديرة مدرسة، ووكيلة، ومشرفة تربوية (التي لن تتبوأها طالما لم تتبوأ ما قبلها)، مُغلقاً، ومحفوظاً في الأدراج التي تنضح منها رائحة الإجراءات غير النظامية، والتمييز المقيت، والإقصاء السافر؟

ثم ماذا عن كل تلك التجاوزات؟ هل هي مُمنهجة ومقصودة؟
ومن المسئول عنها؟ وما قانونيتها؟ وهل يعلم بها، وبالتالي يدرك حجم مخاطرها، ولي الأمر؟
وهل من أمل بإصلاحها؟ وهل يؤثم الساكت عنها؟ ألا تُعد المطالبة بها حق مشروع؟
وهل نسمح لأمراض الطائفية والمناطقية أن تخنق الوطن، وتستشري في أوصاله؟
ألا تستحق القطيف بعض الإنصاف في نيل حقوقها؟

هل من علاقة بين "داخلي وخارجي" في بيان أحوال الموظفات، واستبعاد بنات القطيف من الترشيح؟

أضع تساؤلاتي جميعها بين يدي ولي الأمر، وبين أيدي مسئولي وزارة التربية والتعليم، في الرياض، وممثليها هنا، وبين أيدي أصحاب الحق أيضاً، علّ جواباً انتظرناه عقوداً يأتينا بكامل الحق – وليس بعضه – فالحقوق غير قابلة للتجزئة، ولا للمساومة عليها. كما أن التسويف غير مقبول، والوعود المؤجلة لم تعد مُجدية اليوم، وكذلك غض الطرف عن أية تجاوزات يقوم بها البعض، أو دعمهم بطرق غير مباشرة لا يولد إلا دماراً قاسياً، وإن تأخر مجيئه. ولا زلت إلى اليوم ومنذ ما يقارب عقد من الزمن، وتحديداً يوم السبت، 26 من شهر شوال لعام 1424هـ، أسترجع بين الفينة والأخرى ما قاله وزير التربية والتعليم (حينئذٍ) الدكتور محمد الرشيد، رداً على مداخلتي معه في لقاء أقيم في مدارس السعد الأهلية بالخبر، بخصوص الاستفسار عن سبب استثناء المعلمات بنات محافظة القطيف من الترشيح للوظائف الإدارية تلك، حيث قال: "إن الوزارة لا ترتضي هذا الاستثناء، وإن موقع الموظفة يقاس بكفاءتها، وإنها ستعمل على إعطاء كل ذي حقٍ حقه، فكلنا (على حد قوله) سكان بيتِ واحد". ولا أحسب الكفاءة والإخلاص وحب الوطن غائبة عن منسوبات التربية والتعليم من بنات محافظة القطيف.

يا أرباب العقول من المسئولين، أصلحوا الوضع، أصلحكم الله.