تأملات في زيارة وارث

(3-4) حركة الإصلاح الضرورة الدائمة

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين .


1. العلم والحجة :

عن المفضل بن يسار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :"إن العلم الذي هبط مع آدم لم يرفع ، وان العلم يتوارث وما يموت منا علم حتى يخلفه من أهله من يعلم علمه أو ما شاء الله " [1].

وعن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : كتب أبو الحسن الرضا رسالة وأقرأنيها قال : قال علي بن الحسين عليهما السلام : إن محمدا صلى الله عليه وآله كان أمين الله في أرضه ، فلما قبض محمد صلى الله عليه وآله كنا أهل البيت ورثته ونحن أمناء الله في أرضه .. إلى أن قال .. نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أولى العزم من الرسل " [2] .


1. روح القُدُس :

وهي روح  بها يؤيد الله أنبياءه ويسددهم ، فعن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن علم العالم فقال : " يا جابر في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح : روح القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة ، فبروح القدس يا جابر علمنا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ، ثم قال يا جابر إن هذه الأرواح يصيبها الحدثان إلا أن روح القدس لا يلهو ولا يلعب " [3] .

وفي حديث آخر " وأيدهم بروح منه فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين ، وبروح القدس علموا جميع الأشياء ، وبروح الإيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا .." [4] .

وعن عمار أو غيره قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : فبما تحكمون إذا حكمتم ، فقال بحكم الله وحكم داود وحكم محمد صلى الله عليه وآله ، فإذا ورد علينا ما ليس في كتاب علي تلقانا روح القدس وألهمنا الله إلهاما " بصائر الدرجات ، وعن الباقر عليه السلام أن " الأوصياء محدثون يحدثهم روح القدس " [5] .

وفي حديث للإمام الرضا عليه السلام " وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتقل روح القدس فصار في الإمام .." [6] .

1. مختصات عينية للأنبياء :

في رواية طويلة عن الإمام الصادق عليه السلام يقول : " وأن عندي لسيف رسول الله صلى الله عليه وآله ودرعه ولامته ومغفره ، فان كانا صادقين فما علامة في درعه ، وأن عندي لراية رسول الله صلى الله عليه وآله المغلبة ، وأن عندي ألواح موسى وعصاه ، وأن عندي خاتم سليمان بن داود ، وأن عندي الطست الذي يقرب بها موسى القربان ، وأن عندي الاسم الذي كان إذا أراد رسول الله أن يضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة ، وأن عندي التابوت التي جاءت بها الملائكة تحمله ..." [7] .

وأضيف هنا على ما ذكره الشريف الكاشاني قدس سره ميراثا آخر من ميراث الأنبياء عليهم السلام وهو :

1. المسؤولية الإصلاحية :

تمر المجتمعات بمنعطفات تحرفها عن فطرتها السليمة إلى حيث سبل التيه والضلال  ،مما يوقعها في شقاء وبؤس لا تهتدي كيف تعيش في هذه الحياة الدنيا ، فأوجبت رحمة الله تعالى ولطفه بعباده أن يبعث اليهم الرسل والأنبياء ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [8] فكانت السنة الإلهية التي لم تنقطع عن البشر قط بعث الأنبياء والرسل على تعاقب الدهور وتوالي السنين في حركة إصلاحية مستديمة توارثها الأنبياء والأوصياء نبي بعد نبي ووصي بعد وصي ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا [9]يتعاقبون واحد تلو الآخر ،لاستنقاذ البشرية من تيه جهلها وضلال أهوائها ، حتى بلغ عدد الأنبياء والرسل فقط  مائة وأربعة وعشرون الف نبي ومرسل ناهيك عن الأوصياء ، وقد جاء عن إمامنا الصادق عليه السلام ( لم تخلو الأرض منذ كانت من حجة  عالم يحيي فيها ما يميتون من الحق )[10] .

لقد كان الهدف والدور الأساس في بعث الأنبياء هو الإصلاح ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ [11] ، وقد سئل إمامنا الباقر عليه السلام عن سبب وعلة حاجة الناس إلى نبي أو إمام فأجاب عليه السلام مبينا الهدف الإصلاحي من بعث الرسل وتنصيب الأوصياء قائلا ( لبقاء العالم على صلاحه )[12] .

هذا الدور الرسالي والمسؤولية الإصلاحية لاشك أنها تتطلب نوعيات خاصة تحمل القدرة والكفاءة والأهلية لتحمل ثقل هذه المسؤولية وهذا الدور ، فكان أن اجتبى الله تعالى من عباده واصطفى منهم أنبياء ورسل وأوصياء يتوارثون  المسؤولية الإصلاحية أمة بعد أمة وجيل بعد جيل للأخذ بالمجتمع البشري إلى مراتب الرقي والتقدم ، وفي دعاء الندبة يوضح الإمام (عج) هذه الحقيقة متحدثا عن الانبياء عليهم السلام بقوله (وَكُلٌّ شَرَعْتَ لَهُ شَريعَةً، وَنَهَجْتَ لَهُ مِنْهاجاً، وَتَخَيَّرْتَ لَهُ اَوْصِياءَ، مُسْتَحْفِظاً بَعْدَ مُسْتَحْفِظ مِنْ مُدَّةٍ اِلى مُدَّةٍ، اِقامَةً لِدينِكَ، وَحُجَّةً عَلى عِبادِكَ، وَلِئَلّا يَزُولَ الْحَقُّ عَنْ مَقَرِّهِ وَيَغْلِبَ الْباطِلُ عَلى اَهْلِهِ)[13] وبهذا المفهوم  تواتر[14] الحديث المأثور ( العلماء ورثة الأنبياء)[15] ، وقد فسر الشيخ النائيني العلماء في هذا الحديث بالأئمة عليهم السلام قائلا : ( المراد من العلماء فيه هم الأئمة عليهم السلام )[16] .

فمن الميراث الذي ورثه الإمام الحسين عليه السلام من الأنبياء هو الدور والمسؤولية الإصلاحية ، ولذا جاء على لسانه عليه السلام معللا سبب خروجه وثورته ( وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي )[17] .

[1]) بصائر الدرجات لمحمد الصفار
[2]( بصائر الدرجات لمحمد الصفار
[3]( بصائر الدرجات لمحمد الصفار
[4]( بصائر الدرجات لمحمد الصفار
[5]( بصائر الدرجات لمحمد الصفار
[6]( بصائر الدرجات لمحمد الصفار
[7]) بصائر الدرجات لمحمد الصفار
[8] ) 107 / الأنبياء
[9] ) 44/المؤمنون
[10] ) ميزان الحكمة – للري شهري – ج1
[11] ) 88/هود
[12] ) ميزان الحكمة – للري شهري – ج1
[13] ) مفاتيح الجنان – للشيخ عباس القمي – دعاء الندبة
[14] ) راجع في تواتر الحديث مستند الشيعة – للمحقق النراقي
[15] ) الوسائل – للحر العاملي – كتاب القضاء – باب 8- حديث 2
[16] ) منية الطالب – تقرير بحث النائيني – للخوانساري – ج2
[17] ) بحار الأنوار – للمجلسي – ج44