تأملات في زيارة وارث

(2-4) حركة الإصلاح الضرورة الدائمة

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين .

الوارثية حقيقتها وأبعادها

الزيارة تبدأ بمقاطع تحيي فيها الحسين عليه السلام بصفته الوارث لميراث الأنبياء قائلة  " اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوح نَبِيِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ اِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَليمِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عيسى رُوحِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّد حَبيبِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلامُ،" [1]، فما هي حقيقة هذه الوارثية  التي نخاطب بها الحسين عليه السلام عند زيارته وتحيته ؟

حقيقة الوارثية

وارث اسم فاعل لـ ورث يرث إرثا ، والإرث هو الأمر القديم الذي توارثه الآخر عن الأول[2] ، فالإرث كلمة تشمل  في معناها الأمور المادية والمعنوية ، من هنا نرى أن الإمام الحسين عليه السلام وارث أولئك الأنبياء وراثة تعني انتقال ما كان لهم إليه عدا النبوة ، والوراثة هنا أكثر ظهورا في الأمور المعنوية منها في الأمور المادية .

هذه الحقيقة وهي الوراثة لسالف الأنبياء والأوصياء  تعد سنة إلهية في الأنبياء  قد تحدثت عنها آيات الكتاب الحكيم ، وتشغل اهتمام الأنبياء وتطلعهم إليها فالقرآن الكريم مثلا يحدثنا عن تطلع نبي الله زكريا على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام إلى وارث له يكون من صلبه قائلا عن لسانه : ﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً﴿5 يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴿6 [3] .

هذه الوراثة التي تدغدغ آمال الأنبياء في عطاء الله تعالى ليست الوراثة المادية ، إنما هو الاصطفاء والاجتباء ، فنصوص الزيارة تلك جاءت متكئة على هذه الحقيقة القرآنية والسنة الإلهية في أنبيائه ، لتقول لنا إن الإمام الحسين عليه السلام يمثل التجلي الأظهر لهذه الحقيقة ، وانه يمثل هذا الامتداد ، فهو الذي انتهت إليه مواريث الأنبياء والأوصياء فعنده الميراث الأعظم ، وبلسان هذه الحقيقة التي يتفاخر بها الأنبياء والأوصياء يقول إمامنا الرضا عليه السلام لأحد أصحابه عندما رزق بالإمام الجواد عليه السلام " إن الله قد وهب لي من يرثني ويرث آل داود " [4]، وهذه الوراثة إحدى هبات الله تعالى التي حبا بها بعض أنبيائه وأوصيائه ، فهم يستبشرون غاية الاستبشار عندما تأتيهم البشرى بها وإجابة سؤلهم فيها ، فها هو نبي الله زكريا عليه وعلى نبينا وآله افضل الصلاة والسلام  تصله البشرى (... أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ﴿39 [5]  بعد أن سأل ربه تعالى ولدا يرثه ويرث الانبياء من آل يعقوب بقوله ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً [6].

فالأنبياء يعلمون أن الله لن يترك رسالته بدون وارث من بعدهم يحمل أعباء الرسالة ومواريث الأنبياء ، فالأرض منذ  أن انزل الله تعالى آدم فيها لم تخلو من حجة قط ولن تخلوا حتى قيام يوم الدين وفي هذا المعنى أحاديث متواترة ، فمنها ما عن صدق بن صدقة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لن تخلو الأرض من حجة " ولكن هذه الحجة قد تكون ظاهرة أو مغمورة غير معروفة بحسب طبيعة الأدوار ، ولذا ورد أن أبا طالب عليه السلام كان وصيا من الأوصياء دفع للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله الوصايا ففي الكافي والبحار عن الإمام الكاظم عليه السلام " كان مستودعا للوصايا فدفعها إليه .." [7] أي إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله .

ننتهي هنا إلى أن الوراثة سنة إلهية وحقيقة ربانية في أنبيائه وأوصيائه  تؤكدها الآيات والروايات قد أودعها الله بنظام حكمته في أرضه لكن لا بمعنى الوراثة البشرية النَّسَبية وإنما الوراثة الإلهية الاجتبائية ، وارتكازا على هذه الحقيقة القرآنية جاءت تعابير الزيارة لتخبرنا بأن الحسين عليه السلام هو ذلك الوارث الذي انتهى إليه ميراث الأنبياء والأوصياء بدءا من نبي الله آدم ومرورا بأنبياء أولي العزم حيث نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين  وصولا إلى أبيه وأمه وأخيه كما صرحت بذلك  بعض زياراته عليه السلام ففيها " السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء السلام عليك يا وارث الحسن الزكي "  حتى انتهى إليه هذا الميراث .


 فما هي أبعاد هذه الوارثية ، لنعرف ما هو الميراث الذي وصل إمامنا الحسين عليه السلام من أنبياء الله عليهم السلام  ؟ 


أبعاد الوارثية (ميراث الأنبياء) :

الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام تتحدث عن جوانب عديدة من هذا الميراث الذي انتقل إلى الإمام عليه السلام نشير هنا إلى بعض منها  مستعينين بكتاب جنة الحوادث للشريف الكاشاني قدس سره (1262هـ - 1340 هـ) [8].

1. السجايا والأخلاق :

فعن محمد بن الحسين بن يزيد قال سمعت الرضا عليه السلام بخراسان وهو يقول : إنا أهل بيت ورثنا العفو من آل يعقوب ، وورثنا الشكر من آل داود  .." [9]، ولذا فالإمام في سلوكه يعكس لنا سلوك وسجايا الأنبياء عليهم السلام ، والى ذلك يشير النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في خطابه للأعرابي " يا عبد الله من أراد أن ينظر إلى آدم في جلالته  ، وإلى شيث في حكمته وإلى إدريس في نباهته ومهابته ، وإلى نوح في شكره لربه وعبادته ، وإلى إبراهيم في وفائه وخلته ، وإلى موسى في بغض كل عدو لله ومنابذته ، وإلى عيسى في حب كل مؤمن ومعاشرته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب " [10].

[1]) نفس المصدر
[2] ) تاج العروس – للزبيدي – ج3
[3] ) 5و6 / مريم
[4]) بصائر الدرجات لمحمد الصفار
[5]) 39 / آل عمران
[6]) 6/مريم
[7]) البحار ج17
[8] ) كتاب جنة الحوادث في شرح زيارة وارث – لآية الله حبيب الله شريف الكاشاني (1262هـ - 1340 هـ) .
[9]) الكافي للكليني / ج8
[10]( البحار / ج17