تأملات في زيارة وارث (1-4)

«حركة الإصلاح الضرورة الدائمة»

بسم الله الرحمن الرحيم

حركة الإصلاح الضرورة الدائمة

تأملات في زيارة وارث  (1-4)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين .

نسوق هنا تأملات تستنطق زيارة وارث وتبحث في دلالاتها ، مقدمين تمهيدا تعريفيا بالزيارة ، لنمر سريعا على فلسفة الزيارة في مطلقها ، ومن ثم نبدأ بقراءة السياق العام للزيارة ومحطاتها ، وفيما بعد نبحث مطولا الوارثية في الزيارة حقيقتها وابعادها و فلسفتها الاجتماعية لنختم البحث باقتراح استراتيجيات تكفل ديمومة الحركة الاصلاحية واستمراريتها .

تمهيد

أطلق العلماء على نص الزيارة التي علمها الإمام الصادق عليه السلام صفوان الجمال وعرّفوها بـ " زيارة وارث " وذلك لابتداء السلام فيها بنداء " يا وارث " رغم ورود زيارات عديدة للإمام الحسين عليه السلام تبدأ بذات الألفاظ إلا أن شهرتها أو قوة اعتبارها قد يكون وراء اختصاصها بهذا الاسم .

وقد قسم العلماء الزيارات إلى زيارات جامعة يزار بها أي إمام أو جميع الأئمة عليهم السلام ، وزيارات غير جامعة ، والأخيرة قسموها إلى مخصوصة يزار بها في أوقات محددة كزيارة عاشوراء في يوم عاشوراء والى مطلقة يزار بها في أي وقت شاء الزائر ، وزيارة وارث من قسم الزيارات المطلقة للإمام الحسين عليه السلام التي يزار بها في أي وقت .

وكلمة الزيارة تعني الوفود على المزور للقائه ولذلك تتحقق الزيارة بمجرد بلوغك محل المقصود بالزيارة ، نعم من كمال الزيارة إلقاء التحية ، من هنا جاءت نصوص الزيارات المروية عن أهل بيت الطهارة عليهم السلام ، والتي عند التأمل فيها نجدها شكل آخر من أشكال الرثاء النثري أبدعها وصاغها الشارع المقدس بنصوص قمة في الإحكام ، فهي مليئة بعبارات الثناء والتمجيد وذكر الفضائل والمقامات السامية للمعصوم عليه السلام .

إن قراءة الزيارات المنصوصة تقوم بوظيفة إرساء وترسيخ جملة معتقدات وحقائق متصلة بأهل البيت عليهم السلام في قلوبنا كما وتضفي بعدا واعيا في هذه العلاقة من خلال تجلي المفاهيم من نصوصها ، من هنا جاءت الحاجة لفقه دلالات هذه النصوص المقدسة وتأمل حقائق عبائرها .


من فلسفة الزيارة

الزيارة شعيرة ورمز فماذا تعني في رمزيتها ؟

الزيارة تمثل شكلا من أشكال العرفان والشكر للمزور ، واعترافا بأهمية المَزور ودوره ، كما وتقوم الزيارة بتعميق الرابطة بالشخصية المَزورة وما تمثله من قيم ونهج ، وهي تعبير آخر للنصرة له ولنهجه حيث أن الزيارة ممارسة تعلي من القيمة الاجتماعية للمزور في المجتمع ، وتعزز رؤيته ونهجه في أوساط المجتمع ، مما يحقق بذلك امتدادا اجتماعيا لحركته وثقافته ، الأمر الذي يبقيها حية نابضة على مر السنين والأزمنة .

كما أن تشريع الزيارة يفيد بأن تلك الرحمة المتمثلة بأهل البيت عليهم السلام لازال فيضها لم ينقطع فبإمكان كل منا استنزال غيثها واستظلال فيئها من خلال زيارتهم بقصد مراقدهم الطاهرة عليهم السلام فهم " الرحمة الموصولة " لم تنقطع عنا بعد ، ولكن جهلها الجاهلون واهتدى إليها المؤمنون لذا ورد في زيارة أئمة البقيع عليهم السلام " لك المن بما وفقتني وعرفتني بما أقمتني عليه إذ صد عنه عبادك وجهلوا معرفته واستخفوا بحقه ومالوا إلى سواه ".

السياق العام للزيارة

تبدأ الزيارة بالسلام مخاطبة الإمام عليه السلام بما يمثله من امتداد لحركة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام وما يحملوه من هموم وتطلعات بقول " اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ .." ، بعدها ينعطف نداء التحية بالإشارة  إلى البيت الذي ترعرع فيه والمدرسة التي صاغت شخصيته بقولها " اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ..." ثم يبدأ نداء التحية  يتحول إلى بيان تأييد بخطاب " اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ.." لتبدأ بالقيم التي انطلق منها وأحياها ومثّلها " قَدْ اَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ  و.." مشيدةً لتعلن بعدها التنديد و البراءة ممن قتلوا تلك القيم بجريمتهم والبراءة من طابور مؤيديهم بقولها " فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً.." عاطفة العبارة بفاء السببية .

ويترقى خطاب التأييد في الزيارة بالإفصاح عن تقدس الذات الحسينية وطهارتها فهي الحق والحق هي بقولها " اَشْهَدُ اَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الأصْلابِ الشّامِخَةِ، وَ .." ليسطر لنا الخطاب فيما بعد تجليات الذات الحسينية بكل أبعادها بقوله "وَاَشْهَدُ اَنَّكَ الإمامُ الْبَرُّ التَّقِيُّ .." ويأخذنا هذا التسلسل في الخطاب إلى تأكيد استمرارية نهج الحسين عليه السلام ومدرسته في العترة الطاهرة من ذريته  بقوله " وَاَشْهَدُ اَنَّ الأئِّمَةَ مِنْ وُلْدِكَ.. " باعتبارهم الامتداد الأصيل لنهضة الحسين عليه السلام وحركة الأنبياء ، وكونهم يمثلون الجهة المحورية لهذا الخط .

ويستوقفنا هنا الالتفات في الخطاب من خطاب المفرد إلى خطاب الجمع بقوله " اَنّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ وَ .." ليؤكد بأن أهل البيت عليهم السلام يمثلون نورا واحدا وان تعددت صور حركتهم في الأمة فناصر الحسين هو ناصر الحسن وناصر علي عليهم السلام وكذا ناصر الحسين هو ناصر الإمام المنتظر (عج) لذا الخطاب بعد تلك الإشارة يبرز ولاء الطاعة والتسليم لهم بما هم مجموع  ويعلن الحرب والبراءة لأعدائهم  كإحدى أهم معالم العلاقة التي تربطنا بهذا الخط وهذا البيت النبوي الطاهر لا نفرق بين احد منهم من هنا قال " وَقَلْبي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَاَمْري لأمْرِكُمْ مُتَّبِـعٌ ..".

وتأبى الزيارة إلا أن تُختَتم بما يتناسب والحدث الجلل والرزية العظمى من التفجع والندب حيث تأمرنا بالانكباب على القبر وتقبيله قائلين " بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي يَا .." لتؤكد بأن تلك الفاجعة حية في وجداننا تروي شجرة الولاء لخط الأنبياء وأهل بيت النبوة ، مبتهلين في ختامها إلى الله تعالى بأن يجعلنا في ذات الطريق معهم في نصرتهم ، مقتدين بهديهم في الدنيا ، وان يجعلنا معهم ومن المرحومين بشفاعتهم في الآخرة " اَسْألُ اللهَ بِالشَّأنِ الَّذي لَكَ عِنْدَهُ وَبِالْمحَلِّ الَّذي لَكَ لَدَيْهِ اَنْ يُصَلِيَّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ " .

    وفي آخر استعراضنا للسياق العام للزيارة نُلمح هنا و بإشارة سريعة إلى بعض المواضيع التي أبرزتها الزيارة و منها :

  1.  سنة الامتداد الرسالي
  2.   سمو التنشئة
  3. الذات المقدسة للحسين وتجلياتها
  4. استمرار مدرسة الحسين عليه السلام
  5. البراءة وإعلان الولاء والطاعة والنصرة