في الجبة شيخ ناقد أم ناقد شيخ؟

نحن بالفعل أمام ظاهرة تستحق الوقوف عندها والإشادة بإنجازاتها، وذلك من منطلق حاجتنا لمثل صاحبها، فهو شخص يجمع بين الحوزة والجامعة، فبالإضافة لدراسته الحوزوية التي تنمي عند طالب العلم التفكير النقدي حصل على شهادة الماجستير في النقد الأدبي الحديث عن رسالته المتميزة: شعرية القلق عند بدر شاكر السياب.
عندما تقرأ كتابه ( ثقافة الإسلام وثقافة المسلمين: الاتصال والتقاطع أم الانفصال والقطيعة ) فأنت تقرأ شيخا مشتغلا بالنقد الثقافي يكتب في الثابت والمتحول والتعارض بين العقل والنقل ويدعو إلى ثقافة حية يحدد مواصفاتها ويحاول أن يستقصي أسباب فشل بعض الأطروحات الثقافية في مجتمعنا، كما يناقش موضوعة التنوع المعرفي مشرحا أسباب عقلية البعد الواحد والتي تتمثل كما يراها في فقر البيئة وانعدام الحوار والتعامل مع الواقع على أنه كتلة واحدة والميل إلى التبسيط والرؤية النصفية والانغلاق والقناعات الراسخة والميول والرغبات والقصور والتقصير في الاطلاع، داعيا في نهاية المطاف إلى الثقافة الغائبة، ثقافة الحياة، الثقافة العملية الميدانية التي تنبسط على شتى مجالات الحياة، وتساير حاملها في كل شؤونه، في نومه ويقظته، في حركاته وسكناته.
وعندما تقرأ كتابه (شعرية القلق عند بدر شاكر السياب ) فأنت تقرأ ناقدا أدبيا مشتغلا بالنقد التحليلي لنصوص السياب، سابرا أغوار المفردات والتركيبات، ومنهمكا باستنباط الجماليات في الشكل والمعنى. يدرس دوافع القلق عند السياب الذاتي منها والموضوعي، كما يتصيد أثر هذا القلق في مفردة السياب وجملته أو جمله. وسيستوقفك دون أدنى شك أثر القلق في الصورة الشعرية حيث يتناول مجموعة من الفنيات الحديثة لتشكيل الصورة بلغ عددها 22، تدل على عمق استيعابه لموضوع الدراسة، نذكر من هذه المجموعة التمثيل والتجسيد والتشخيص والتجريد والمعادل الموضوعي وتكثيف الصور والحركة وتراسل الحواس ومزج المتناقضات والمفارقة التصويرية والمونولوج الداخلي والرمز والتناص.
وعندما تشاهد المقابلة التي أجريت معه في قناة الكوثر الفضائية برنامج نسيج المرايا في حلقة بعنوان ( الغزل العرفاني عند الإمام الخميني ) فأنت تشاهد الشيخ والناقد معا، يتحدث الناقد عن تفرد اللغة الشعرية عند الإمام الخميني وابتكاره للخيالات واستخدامه الرموز الصوفية من أشخاص وعبارات وغير ذلك، ويتحدث الشيخ عن التفسيرات والتأويلات في الشعر العرفاني وضرورة قراءته من داخل منظومته لا من خارج سياقاته.
وفي كل ما سبق تستطيع أن تحيط بما يتميز به هذا الشيخ الناقد أو الناقد الشيخ من عقلية منفتحة على العلم والمعرفة، تلمح ذلك بصورة خاصة في المصادر المتعددة والمتنوعة في كلا كتابيه.
إن مجتمعنا في لحظته الراهنة يعيش حالة من الحراك الثقافي العام، تشهد على ذلك الإصدارات المتنوعة من كتب ومجلات ومواقع على الشبكة العنكبوتية، كما تشهد على ذلك المؤسسات التي تعنى بالشأن الثقافي من منتديات ومراكز وغيرها، ولست هنا بصدد سردها فهي واضحة لكل مهتم ومتابع.
 ما ينقصنا  هو الحالة النقدية الواعية التي تستطيع أن تتعامل مع المنتج الثقافي من خلال رؤية إبداعية تكشف جمالياته وتعيد تخليقه ليكتشف المبدع ما لم يكن في حسبانه من تحليقات في الفضاءات البعيدة أو ارتكاسات في الأماكن السحيقة، وهذا بالضبط ما يجيده شيخنا الناقد أو ناقدنا الشيخ.
أرجو أن نقرأ الشيخ علي علي آل موسى وأن يحظى في وطنه بما يستحقه من مكانة رغم تواضعه الجم الذي يلمسه كل من تعامل معه.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 21 / 6 / 2009م - 1:23 م
الاستاذ الفاضل نعم اتفق معاك بأن المزج بين الدراسه الحوزويه و الدراسه الجامعيه يعطي تميزا لصاحبه حيث يتسع الفكر و يصبح اكثر انفتاحا على ثقافة الاخرين ليس احادي التفكير و لدينا من النمادج تستحق الاشاده بها كالشيخ و الدكتور الفضلي و الدكتور ابراهيم الجعفري و كل من تخرج من كلية اصول الفقه للشيخ المظفر لهم بصماتهم المميزه و كذلك كما ذكرت من تجربة الشيخ علي علي الموسى .نعم هذا التميز يثري الفكر و المجتمعات محتاجه لهذه النمادج لكي ترقى بفكر المجتمع تخلق ثقافه واعيه تنفتح على الاخرين تخلق سجالات فكريه لديها القدره ان تستوعب من يختلف معها في الرؤى و أنا من مؤيدي التلاقح الفكري مع الاختلاف في الرؤى فخلاف الرأي لا يفسد للود قضيه متمنيا النجاح لهذا المنبر و ان يكون شعاره مجتمعي فوق خطي و دمت عزيزا
2
بدر الشبيب
[ أم الحمام - القطيف ]: 21 / 6 / 2009م - 4:09 م
الأخ العزيز المستقل
شكرا لك على تعليقك الجميل.
نحن نحتاج بالفعل نماذج من مثل الشيخ المطهري والدكتور بهشتي وغيرهما ممن ذكرت.
شاعر وأديب