رسالة هابيل الآخيرة إلى قابيل !!

شقيقي الغالي : قابيل
 
 إنني أبعث لك بحبي وسلامي ، وشوقي وإحترامي ، وإقراري وإلتزامي بإخوتك التي أفتخر بها ما حييت ، فليس على هذا الكوكب الموحش المخيف من أخٍ لي سواك   أحملك يا شقيقي عشقاً وحناناً في داخلي أينما كنت وحيثما أسير، أشددُ بك أزري عندما لا أجد حولي ناصراً ولا معين ، وأشركُك في أمري حينما تتكالب علي الدنيا وتُطبق عليَّ بمخالبها التي لا ترحم فتُدمي جسدي النحيل الذي أراك تتربص به الدوائر رغم خوفه عليك .

 حاولت مراراً وتكراراً أن أجد لك مبرراً ، وأعثر لك عن عذرٍ يُبيح لك قتلي وسفك دمي وانتهاك حرمي ، والإمعان في تعذيبي والإستمتاع بألمي ، وحرماني من الإستفادة مثلك من هذا الوجود ، رغم ندرة موارده ليس لبخلٍ في بيئته أو خلل في طبيعته بل لسوءٍ في إستغلاله ، ووجود الطامعين الجشعين الناهبين لثرواته ، السارقين حتى كسرة الخبز من أفواه الجياع ، فلم أجد دافعاً لك لإرتكاب جريمتك غير غيرتك القاتلة ، ونفسك الرديئة القاحلة . ونيتك السوداء المائلة .    

 يؤسفني ( أيها الشقيق ) أن تنهار لديك المفاهيم أو تنقلبْ ، وتنعدم منك الأخلاق التي ستضبط إيقاع سلوك البشرية من بعدك وتضطربْ ، فتكون بذلك رمزاً للشر والقتل والخيانة والتدمير ، وأباً لكل قاتل ، ودم ٌ يجري في عروق أحفادك من بعدك على مدى الأجيال ملؤه الحقد والإنتقام . بدلاً من أن تكون مناراً للخير والمحبة والتسامح والسلام . 

 ستكون ( أيها الحبيب ) المسؤول الأول عن كل أفلام الرعب التي ستلقى هوى عند أحفادك . فالناس سيقفون في طوابير قلقة وسيتهافتون حتى الأطفال منهم على شراء ومشاهدة الأفلام المخيفة التي لن تسلم منها أفلام الكرتون أيضاً ، وستزداد شركات إنتاجها لتوفير المتعة الزائفة التي تدمر المشاعر ، وتمزق الأعصاب وتؤسس للدمار ، وسيبدون سعداء بهذا الزلزال النفسي . وسيعتادوا بملئ إرادتهم على أحداث العنف والقتل والتخريب وسيطلبون منها المزيد ، وستصبح خبزاً يومياً يلوكها أفراد العائلة السعيدة !!

حبيبي الغالي :

 ليس بوسعي أن أغيِّرَ بوصلة تفكيرك ، أو أن أملك زمام قرارك فأثنيك عن عزمك على إيذائي والنيل مني وتصفيتي ،لا لذنب إرتكبته ، أو عهد بدلته . إنما من أجل الفوز بلذة زائفة ، وإشباع غريزة شريرة راجفة . فيا أسفي على من غلب الهوى عقله ، وورَّث الآثام نسله . أتمنى له السلامة فأخشى عليه أن يحصد بفعلته الخزي والهوان والندامة .

 كأني بأحفادك يستنسخون أسلوبك المنحرف في بلوغ أهدافهم ، وإشباع رغباتهم التي لا قعر لها ولا ملة ، فيوظفون في هذا السبيل كل فكرة خبيثة ليتحول الحق باطلا ولينتصر من ليس جديرا لا بالإحترام ولا بالإنتصار . وكأني بهم يعتصمون بالباطل للإطاحة في كل زمان ومكان بكل مُحب ، مستقيم ، ملتزم مثلي . ويأنسون في محيطهم العائلي ، والمهني ، والإجتماعي بحالات الطلاق والإجهاض ، والتنافر والتباغض ، والتناحر ، ما دامت تصب في مصلحتهم التافهة ، وتحقق لهم أهدافهم الرخيصة . وتُشبع رغباتهم الشيطانية الخبيثة . 

 ( قابيل ) : يا من أناديه حباً ملئ فمي ، فيزرع الهوان في كرمي . ها أنت قد عُُميَتْ بصيرتك ، وأصررت على إرتكاب حماقتك ، دون وازعٍ من ضمير ، أو خشية من عقاب . ترى في قتلي شجاعة ورجولة ، وأرى فيه شهادة وبطولة . وأنا هنا أحاول جاهداً أن أشعل شهامة الأحرار في دمك ، فأراك ( يا قدري ) في التخطيط لقتلي منهمك . وأرى من خلفك أئمة الشر والدمار يدفعون بك ( حيث تريد ) لسوء المنقلب وبئس المصير  .

 حبيبي : سيسقط دمي بسببك في كل أنهار العالم ، وسيغرف منه كل الناس وسيلتقي مع دمك الشرير السائر دون وعي في عروقهم ، وسأتحمل مسئولية تصفيته من نزعة الشر والخراب ، وحتماً سيرفض معظمهم ضرورة لإشباع غرائزهم ، وسأبقى رمزا للخير والأمانة والإلتزام ، وستبقى رمزاً للشر والدمار والإنهزام . ولن تنفع معك جهود كل ( لجان المناصحة ) ولو إجتمعتْ أجمعين . رفقاً بي حبيبي قابيل . والسلام . ً     

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 10
1
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 17 / 6 / 2009م - 3:10 م
حبيبي و استاذي ابوعلي التحليق هو طبعك فعندما ينساب قلمك بمداد من عقلك تجف كل الاقلام كأن لا مداد لها و لا عقل يرشدها احتراما و تقديرا لعقلك و قلمك الفريد من نوعه .هاهيا الدنيا تتأرجح بين قابيل و هابيل فها هو ابراهيم و نمرود و موسى و فرعون و محمد و ابا سفيان و الحسين و يزيد في كل زمان و مكان هناك هابيل و قابيل .و لكن السؤال ما الذي جعل من هابيل هابيل و من قابيل قابيل هل الجانب الوراثي ام التربيه ام اصحاب السوء ام الاحقاد و الحسد و الغيره ام حب السلطه و عندما نضع ايدينا على السبب هل بالامكان علاجه و تحويل قابيل الى هابيل و على العكس لو توفر هناك من الاجواء السلبيه لهابيل هل يتحول الى قابيل ام يبقى قابيل قابيل و هابيل هابيل و لو تأملنا قليلا لوجدنا لكل منهما سلاح خاص يتناسب مع دوافعه الداخليه

---------------------

تكمله لما سبق : نعم لكل منهم سلاح يتناسب مع دوافعه و مدى فهمه للاخر و لك مثال من واقعنا المعاصر لو رجعنا قليلا لنهاية السبعينات عندما تصارع هابيل ايران مع قابيلها امر هابيل العظيم انصاره و اعوانه ان يقابلوا ترسانة جنود قابيل بسلاح فتاك الا هو الورد فما اسرع ان حقق نتاجه و الحق الهزيمة في نفوس جنود قابيل فلنتعلم من هذا الدرس العظيم الذي يعكس عظمة هابيل و ما يمتلكه من روح عاليه و فهم للاخر . و اخيرا و ليس بأخر يا ابا علي فنحى بعطاءك نستلهم الوعي و من روحك نستلهم العطاء فها أنت هابيل بفكرك و تسامحك و عطاءك تصنع مدرسة كل من يتخرج منها هابيل يصارع قابيل فلك حبي و احترامي فسر و نحن على دربك سائرون .
2
ابراهيم بن علي الشيخ
[ أم الحمام - القطيف ]: 17 / 6 / 2009م - 6:04 م
الأخ الفاضل والقلم العادل / المستقل
هكذا أنت كأرض عذراء تحتضن قطرات المطر فتنبت ورداً وريحانا فتفوح شذى لكل بقاع الأرض ينقله صدق المشاعر وينثره عمق المعنى . أقرؤك لحنا شذيا يهدي لكلماتي روحاً تتغلغل في ذات الوجدان . تخجلني بإطرائك الكريم فأزداد شعوراً بالمسئولية . فلك مودتي ومحبتي .
3
عبدالله
[ أم الحمام - القطيف ]: 17 / 6 / 2009م - 8:27 م
هذا حال الدنيا يا أستاذ ابراهيم


واذا نظرنا الى حال العالم نجد قصة هابيل وقابيل تتجدد

وعلى سبيل المثال
فأفريقيا -هابيل- يموتون من الجوع بينما دول العالم المتقدم-قابيل- تمتلك اسلحة بإمكانها
تدمير العالم.

ما جاع فقير الا بما متع به غني
4
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 17 / 6 / 2009م - 10:48 م
شكرا على ثناءك الجميل و اطراءك العذب متمنيا نقدك البناء لمداخلتي المتواضعه لتقويم مابها من اعوجاج على المستوى المعلوماتي و الفكري و دمت تاجا على رؤس الاحباب.
5
ابراهيم بن علي الشيخ
[ أم الحمام - القطيف ]: 18 / 6 / 2009م - 3:40 ص
الأخ الفاضل / عبدالله
قابيل وهابيل هما نموذجان يملآن كل شبر من المعمورة المهم أن لا نشعر بالضعف لو كنا من نموذج ( هابيل ) أما قابيل فإن ( قانون الدفع ) الإجتماعي كفيل بالإقتصاص منه ورد كيده إلى نحره . وتقبل تحياتي وشكري على مشاركتك القيمة .
6
ابراهيم بن علي الشيخ
[ أم الحمام - القطيف ]: 18 / 6 / 2009م - 3:47 ص
عزيزي / المستقل
أنا من ينتظر منك ومن سواك من القراء الكرام النقد والتصويب لكي أنمو واتطور ، وثنائي على قلمك الرصين إستدعته الموضوعية في التعامل مع المعلقين على ما أكتب . فأنتم من يشحن فكري بالرؤى ، ويملأ قلمي بالمداد . شكراً لك لأدبك الجم ولا حرمني الله من أمثالك .
7
النور
18 / 6 / 2009م - 8:19 ص
أبوعلي أحسنت وأجدت. مقال أكثرمن قيم وأسلوب غايه في الروعه.
8
ابراهيم بن علي الشيخ
[ أم الحمام - القطيف ]: 19 / 6 / 2009م - 3:43 ص
أيها النور : وفقك الله وزادك نوراً وبسطه
أشكرك على تفاعلك مع المقال ، ومتابعتك لما أكتب وتقبل خالص تحياتي .
9
منى مفتاح
[ البحرين - الدراز ]: 23 / 6 / 2009م - 1:47 م
الأستاذ الفاضل إبراهيم
هكذا عودتنا.. تنساب الكلمات من قلمك انسيابا.. قلم يحمل في جعبته حبر كلمات تخطها يد فنان في إدارة العبارات..
لتنتج صحيفة تجبر الفرد على تعلم الجديد
10
إبراهيم بن علي الشيخ
[ أم الحمام - القطيف ]: 23 / 6 / 2009م - 1:56 م
الأخت الفاضلة : الأستاذه : منى مفتاح
سلام عاطر .....
أشكرك على تعليقك الأنيق كأناقة فكرك وإتساع أفقك . شرفت بمداخلتك اللطيفة . (ولكم جميعاً ) تحياتي
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية