السجون السريّة .. إلى متى ؟

 

 

من المحتمل أن هناك من لا يحب الصورة التي يبدو عليها، ويعتقد أنه ليس جديراً بالحب وأنه ليس محظوظاً وليس كفؤاً ولا ذكياً وغالباً ما تسيطر عليه النظرة السلبية لذاته حتى في أجمل الأوقات وأحلى المناسبات، كما يعتقد أنه أقل قيمة من الآخرين، والسبب في اعتقادي الذي يقف وراء ذلك هو جلد الذات، واحتقارها، وعدم الإلمام بمقوماتها والجهل بإمكانياتها، ليس ذلك فحسب، بل والإحجام عن التعاون معها، والنظر إليها من خلال نظارات بنية ورمادية، وليس من خلال نظارات وردية عملاً بقانون التفاؤل.

قد نكون قد تعلمنا إخفاء مشاعرنا الحقيقية تجاه أنفسنا عن طريق ارتداء الملابس الأنيقة، وتمشيط شعرنا جيداً، وتصميم المرزام بشكل لافت، والعيش في المنزل المناسب، والعمل في الوظيفة المرموقة، وغيره من المظاهر الخارجية البرّاقة. قد ندعم انجازاتنا بأن يكون في داخلنا سجن نقوم فيه بتعذيب أنفسنا دون رحمة، وأحياناً نعاقب أنفسنا أمام العالم كله وذلك عن طريق التصريح بأشياء تحط من قدْرنا، وأحياناً أخرى ندعوا الآخرين لمساعدتنا على كراهية أنفسنا، وذلك عندما نسمح لهم بأن يجعلونا نحس بالذنب أو أن يؤذوننا، ولكن أسوأ مظاهر العذاب التي تنبع من داخلنا نحنُ ومن عقولنا.

إننا نعيب على أنفسنا دائماً، ونحمِّلها فوق طاقتها، ونخلق شعوراً بالذنب لا أساس له، بالرغم من معرفتنا بأن الله سبحانه وتعالى أوصانا بالشفقة على أنفسنا وعدم تحميلها مالا تطيق بقوله عزّ وجل : ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة286. ولكن يجب هنا أن لا نخلط بين هذا الشعور المحبط، والشعور الحقيقي بالذنب الذي يحفزنا ويدفعنا لتغيير وضعنا نحو الأفضل، ويعلمنا دروساً قيِّمة ويقربنا من أنفسنا ويجعلنا نرتبط بعلاقة حميمة بها وبالآخرين.

أعتقد أننا دائماً ما نضع أنفسنا في مواقف معقّدة، أحياناً بحسن نية، وأحياناً كثيرة بجهل منا وسوء تدبير لأمورنا وإدارتنا لذاتنا، حيث لا نترك أمامنا خياراً سوى أن نشعر بالإستياء من أنفسنا، ونفكر في شيء ما ثم نخبر أنفسنا بأننا لا يجب أن نفكر بهذه الطريقة. وينتابنا شعورٌ ما ثم نقول لأنفسنا أنه لا يجب أن نشعر بهذه الطريقة أيضاً. وعندما نتخذ قراراً ونقوم بتنفيذه، نقول لأنفسنا لا يجب أن نتصرّف بهذه الطريقة الغير مسئولة، وليس هناك ما يمكن عمله لإصلاح هذه المواقف، فإننا لم نفعل شيئاً خطأ ولكننا قد تورطنا في شكلٍ من العقاب الذي يتسبب في أن نظل نشعر بالتوتر والحزن والإختناق، لقد وقعنا في شِراك أنفسنا.  

إننا نستطيع أن نجد وسائل لا نهائية لتعذيب أنفسنا في السجن السري الذي أنشأناه ببراعة وبسرعة قياسية في داخلنا : الإفراط في الطعام، التدخين بشراهة، مقارنة أنفسنا بالآخرين، إهمال احتياجاتنا، العيش في الذكريات المؤلمة، أو تخيُّل مشاهد مأساوية في المستقبل. إننا نُخيف أنفسنا ثم نتساءل : لماذا نشعر بالخوف ؟ إننا بهذه التصرفات الموجعة نبرهن بصورة مؤكدة بأننا لا نحب أنفسنا، ولن نسمح لها الحصول على ما هو جيد لحياتنا، وهذه إحدى المعضلات الكبيرة في تبديد السلام الداخلي للبشر. فهل نحن ندرك هذه الحقيقة في ذاتنا ؟

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فائق المرهون
[ القطيف - أم الحمام ]: 15 / 12 / 2011م - 3:21 م
الأستاذ العزيز / ابراهيم - سلمت أناملك
مرحبا بعودتك الجميلة ...
لعل تلك السجون المظلمة و الكئيبة ، قد أوقع فيها أغلب الناس أنفسهم من حيث يدرون أو لا يدرون !
فنتج عنها الكآبة و اليأس و الإحباط الداخلي ، إضافة للعوامل السياسية و الإقتصادية التي برع فيها شعوب العالم الثالث و أنظمته بامتياز .
مقالك يحتاج لإعادة القراءة مرة و مرة ، لأنه يمس كل واحد منا ، دعائي أن تمسك يده الحانية .
2
ابراهيم بن علي الشيخ
22 / 12 / 2011م - 9:00 ص
أخي الحبيب الأستاذ : فائق المرهون
إن كان من أوقع نفسه في السجن الداخلي يدري فتلك مصيبة ، وإن كان لا يدري فالمصيبة أعظم . أما أنت أيها الطير المغرد بسلام فأراك عصي على التقييد . دمت نبيلاً .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية