عجباً أنه الإنسان !!

 


أشار عالم الحيوان النمساوي، ومؤسس علم سلوك الحيوان " لورنتس Lorentz" أن العدوان عند الذئاب لا يدوم مثلما يدوم عند الإنسان . فالذئاب تتقاتل بشراسة ، ولكن إذا تقاتل ذئبان ورأى أحدهما أنه مغلوب ولا محالة فإنه يقوم بحركات استرضائية وينتهي عندئذٍ القتال ، وليس من العادة أن يستمر القتال حتى الموت ولا أن يعدو الذئب المظفر على أنثى الذئب المغلوب وجرائه، والسبب في ذلك أن الذئب إنما يُقاتل فحسب، ولا يتحدث فيما بعد عن قتاله للذئاب الأخرى ولا حتى لنفسه ، كما أنه لا توجد لديه لغة مشحونة بالإنفعالات يستطيع بواسطتها أن يُبقي دوافعه العدوانية ناشطة فاعلة حتى بعد أن يكون السبب الذي يقف وراء العدوان قد إنقضى . 

وليس هذا ببعيد عن منطق الفيلسوف الشاعر، وشاعر الفلاسفة " أبو العلاء المعري " عندما قال : " عوى الذئبُ فاستأنستُ إلى الذئبِ إذ عوى .. وصوّتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ " كما أن   ما يحدث على الأرض في كافة أرجاء المعمورة ولا سيما في عالمنا العربي المأزوم بفكره المستشيط يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك تلك الرؤية الظلامية التشاؤمية، وذلك التحليل السسيولوجي الفطِن مع بالغ الأسف الممزوج بالأسى العميق .

نعم .. فمنذُ قتل " قابيل هابيل " تلوّثت نفوس نسل " آدم وحواء ( ع ) " بدم تلك الخطيئة الفادحة ، والجريمة النكراء، وقد سال دم " هابيل " المُستباح في بحور كل العالم فشربت منه الأنام فمكث في عروقهم إلى يوم يُبعثون، حتى أن أحد علماء الإجتماع ذهب في رؤيته لنشأة الدولة بأن الإنسان لا شيء يردعه عن الإعتداء السافر والمفتوح على كافة الإحتمالات على اخيه الإنسان وبالتالي لا بُد من وجود طرف ثالث يقوم بإدارة العلاقة بينهما ، وتحقيق نقطة التوازن في مسألة الحقوق والواجبات ، وإعانة المظلوم ، ورد الباغي ، ومن هنا كانت نشأة الدولة.

ولسنا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لكي نفتِّش عن حدث يُعزّز مصداقية ذلك السلوك العدواني المقيت في نفوس البشر إلاّ ما رحم ربي ، لأن أخبار إستباحة آدمية الإنسان من أخيه الإنسان باتت طبقاً رئيساً على موائدنا اليومية صبحاً وظهراً وعشاء ، وإن " الفظائع " التي تطالعنا بها وسائل الإعلام المختلفة المقروءة منها والمرئية، ووسائل التواصل الإجتماعي ، يندى لها الجبين ، وتُصيب كل صاحب لب بالرعب، والخشية، والحيرة، والدهشة، والإستنكار.

كنا نقول إنّ الوعي مرهونٌ بالعلم والمعرفة ، وإنّ التقدم في مجال التنمية المستدامة يؤدي حتماً للرفاهية الأمر الذي يخفّف من الضغوط على كاهل البشر ويجعلهم منشرحين متسامحين مسالمين، ولكن ليسوا بالضرورة ورعين . الحال على ما هو عليه إذا لم يكن أكثر سوءاً مما مضى . نعم لقد إزدادت روافد الوعي إنما لم تتغير نسبة الواعين إذا لم تكن قد تدحرجت نحو القاع ، وتحسنت حالة المعيشة ولكن لا تزال الأغلبية تعاني من ضغط وحصار أحزمة البؤس الفكري والإجتماعي ، وجهود تُبذل للتقدم في أساليب التربية والتعليم إلاّ من ذاتٍ أبوية متسلِّطة تصفعك من الميلاد إلى الميعاد، ومن مقعد الدراسة إلى لحظة التقاعد، فتكون من أسباب الرغبة الكامنة للإنتقام عندما تحين ساعة الصفر لدى ضعاف النفوس ، رُحماك ربي ... تحياتي .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فائق المرهون
[ القطيف - أم الحمام ]: 24 / 11 / 2011م - 4:28 ص
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
أجمل بهذا القلم الذي يجيد في فني التوظيف و الإسقاط ، ببراعة لافتة ، كما إن الإستشهاد الموافق لذات النص ، يعطي منحا جميلا مع دقة وصف الحال .
لعل روعة النص هي ما جعلت الذاكرة ترجع بي لكلمات جبران :
وَالعَدل في الأَرض يُبكي الجنّ لَو سَمِعوا
بِهِ وَيستَضحكُ الأَموات لَو نَظَروا
فقاتلُ الجسمِ مَقتولٌ بِفعلَتِهِ
وَقاتلُ الرُّوحِ لا تَدري بِهِ البَشَرُ .

مودة دائمة و سلام عطر .
2
ابراهيم بن علي الشيخ
26 / 11 / 2011م - 5:00 م
الأخ الحبيب الأستاذ : فائق المرهون
كم أنت لمّاح لما لم تلمحه الكلمات ، وكم أنت حريص على صون أبعاد المعنى ، وتعميق الهدف . دام تواصلك في محبة ووئام .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية