دعهُ فإنّهُ يتفلسَفْ !!


يضيق البعضُ بهم درعاً عندما يتحدثون في حضرتهم ، ويرغبون في رؤيتهم صامتين كالألواح المسنّدة ، ومُجمّدين إلاّ من طاعة أوامرهم التي لا تنتهي ، ثم يُتَّهمون ظلماً وجوراً بنقص الوعي وعدم القدرة على التعبير ، والخوف من الإفصاح عن الذات ، والخمول ، وعدم الرجولة ، والركون إلى الخنوع والإستسلام !! 

فكيف ينطقُ من شُلَّت حناجرهُ .. وكيف يمشي بعبء القيد ذو شللِ ( د. غ . القصيبي ) نعم نحنً لا نًدرك أو لا نريد أن ندرك حقاً بأننا السبب في نشأة هذه المأساة التعبيرية لدى الشباب والتي تتضايق منها صدورُ البعض، ومن العجَب العجاب أننا أول من يُعلِّم الطفل الكلام ، ثم عندما يكبر ويبدأ في الإعلان عن ذاته نتسابق لنيل شرف أول من يطالبه بالسكوت !! 

من هنا تنشأ أزمة التعبير لدى الشباب من حولنا ، فأمَّا الصمت المتدثر بالحذر والتجنب ، وأمّا التهور والإندفاع ، وكلاهما شرٌ منبوذ . لأن التعامل معهم بحاجة إلى أن يعتمد على الحجة والإقناع والمناقشة الموضوعية المُغلّفة بالمودة والثقة ، والإحترام المتبادل ، وليس على آليات التحقير والتقزيم ، والقهر والإلزام ، وثقافة الأخ الأكبر .  

لعلّ المرء يُصاب بالدهشة من حالة الإضطراب في التعبير لدى الشباب وهو يتصفّح وسائل التواصل الإجتماعي المعاصرة ، فهو أمام مشهدين لا ثالث لهما ، ففي المشهد الأول : ترى أن هناك من يستطيع أن يعبِّر عن مضمون فكره صراحة ، وأن يكون مقياس التعبير عنده هو المضمون " Content " بصرف النظر عمّن يوجه إليهم أو من هم الأشخاص الذين يسمعونه ، ويصبح التعبير المباشر هنا يمثل صدمة واقعيّة يقدمها الشباب من خلال معرفة الحقائق بصورة صريحة ، بحيث لا تستطيع أن تمتد إليها لمسات النفاق الإجتماعي فتًخفف من ضراوتها وتُهذب من صراحتها ودقّتها ، أو " وقاحتها " في نظر البعض . 

وفي المشهد الثاني : ترى الذي قد ركب موجة الرمزية في التعبير ، وما يُصاحبها من تأويلات قد لا ترتقي إلى مستوى الحقيقة ، أو تعبِّر عنها في وضوح وسفور ، بل قد تستخدم غمزات ، ونكات ، وتعليقات قد تكون مغرضة خوفاً من المصارحة أو المكاشفة .

ما هو المطلوب ؟ وكيف لنا أن نساعد الشباب من حولنا على أن يمتلك منصات التعبير الواعية والمسئولة ؟ وكيف لنا أن نحقق نقطة التوازن بين حقهم في الإفصاح عن الذات من جهة ، والإلتزام بآداب الحديث والمشاركة الإجتماعية من جهة أُخرى ؟ 

هذا كله بحاجة لإجابة شافية وافية لا تستوعبها المساحة المتبقية أمامي الآن ، ولكنني أعدكم بتناولها في مقال قادم بمشيئة الله تعالى ، والمهم الآن هو أن نستوعب هؤلاء الشباب بما هم عليه ، لا كما يجب أن يكونوا في عيوننا ، وأن لا نقذفهم بتهمة الفلسفة وندير لهم ظهورنا ، ثم نتهمهم أمّا بالعزلة والإنطواء ، أو بالفضول وقلة الإحترام . تحيّاتي .       

   

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية