إعجاز المعارضة وعجز الموالاة

حسين منصور الحرز *

عند بدء الإنتخابات اللبنانية سألني أحدهم قائلاً ما هي: توقعاتك لنتائج الإنتخابات اللبنانية فأجبته قائلاً سوف تحصل المعارضة على 45% من مقاعد المجلس النيابي فأجابني هل تعرف ما تقول فأجبته إن حصلت المعارضة على هذه النسبة فهو انتصار لها في ظل الهجمة العربية والدولية ضد المقاومة وضد حزب الله بالخصوص ، فلا أحد يستطيع أن يتجاوز الظروف المحيطة به أو يستقل من شأنها، نعم بالإمكان التقليل من فاعليتها ومدى تأثيرها وهذا هو الإعجاز الذي أمكن تحقيقه في الانتخابات.

لم تكن المعركة الإنتخابية فوزاً للموالاة بل عجزٌ فهي لم تستطع تغيير المعادلة السابقة والتي حاولت الموالاة تغييرها عبر ضخ المزيد من الحروب الطائفية والدولية المشبعة بالمال الإنتخابي لكنها لم تحظى بما كانت تأمله وبقيت الأمور على ما هي عليه قبل انتخابات عام 2009 م.

إن تمسك المعارضة وفوزها بمقاعدها السابقة وإن اختلفت في بعض المناطق عن غيرها وفي مثل هذه الظروف الصعبة والمعقدة لهو إعجاز منقطع النظير ينبغي النظر إليه والإستفادة منه كتجربة واعدة استطاعت أن تُرسخ أقدامها أمام جحافل الحرب الإعلامية والتي زادت بوتيرة مرتفعة من بعد حرب تموز ولم تزل تتصاعد حتى يوم الإنتخاب والذي كشر فيه البعض عن انيابه وأسماها معركة وجود.

وهنا لا بد لنا من تعريف البعض ممن لم يعرف طبيعة الواقع اللبناني بأن حجم المقاعد الانتخابية في مجلس النواب اللبناني لا يعني حجم الطائفة ونسبتها في السكان بالنسبة لباقي الطوائف في لبنان ، ففي الإحصاء لكتاب حقائق العالم التابع لوكالة الاستخبارات الأمريكية فإنه يقدر عدد المسيحيين بـ 39% بينما تمثيلهم في مجلس النواب هو بنسبة 50% وهكذا العكس بالنسبة لبقية الطوائف التي نسبها في المجلس النيابي أقل من نسبتها الحقيقية في الشارع اللبناني.

أن نسبة الطوائف في لبنان ليست بحجم عددها ونسبة وجودها في المجتمع اللبناني وإنما بناء على التوافق الذي جعل مقاعد المسلمين تتساوي مع عدد مقاعد المسيحيين وجعل من بعض الطوائف تُمثل بأقل من المقاعد الحقيقية التي يجب أن تُمثل بها في البرلمان اللبناني، لذا ينبغي التنويه بوجوب وجود حالة من التوافق واعتراف الطوائف لبعضها البعض في بلدٍ لا يمكن ان يتحقق الإستقرار فيه إلا عبر التوافق والتفاهم بين مختلف قيادة طوائفه.

لهذا نقول إن بلداً مثل لبنان في موقعه وتنوع طوائفه لا يٌمكن له أن يُحكم إلا بالتراضي والتفاهم وأن مبدأ المقاومة الذي تستند عليه المعارضة في عدم القبول بنزع سلاح حزب الله هو موقف مشروع ما دام هناك عدوٌ يقف على حدود لبنان ويحاول أن يسيطر عليه مرة بقوة السلاح ومرة أخرى بعملائه الذين يبثهم بين ظهراني ذلك الشعب الذي قاسى وعانى نتيجة جواره مع هذا الكيان الغاصب ونتيجة لتنوع الطوائف فيه فقد حاول تجنيد عملاء له من شتى الطوائف كي يتسنى له اللعب دون رقيب أو حسيب يُحسب له حساب.

إن حق المقاومة هو أمرٌ مشروع لأبناء القرى الجنوبية اللبنانية الذين يقفون بجوار الحدود مع فلسطين المحتلة فهم الذين احتُلت أراضيهم وذاقوا مرارة سقوط بلداتهم في يده وهم الذين يعانون ولازالوا من الألغام التي تركتها في أراضيهم ولا زالت ولم تزل تحصدُ أرواح أبناءهم، كما أن أولئك الجنوبيين هم الذين خاضوا النضال أكثر من 30 سنة في سبيل الحرية والاستقلال والكرامة لبلدهم لذلك فإن أي استفتاء على سلاح المقاومة اللبنانية يجب أن يراعي بالدرجة الأولى أولئك الجنوبيين ويجب أن يؤخذ رأيهم في الحسبان.

إن من الظلم الذي لا يغتفر هو أنك لا تحمي بلدك وتعارض من يقدمون له هذه الحماية من أبناء هذا الشعب ، فعندما تطلب منهم أن يلقوا السلاح ويصبحوا مكشوفين أمام العدو الإسرائيلي الذي لم يراعي طيلة نشوء دويلته أي مواثيق أو عهود دوليه. لذلك لا بد أن تقدم البديل وهو الدولة القوية القادرة على توفير الحماية لأبناء تلك القرى الحدودية كما لأبناء بيروت وباقي المناطق اللبنانية وأيضاً الحماية لإفراد تلك المقاومة من الملاحقات التي قد يقوم بها هذا الكيان تجاههم.
 
إن الذين لم يصطلوا بنيران ذلك العدو وبقوا في بروجهم العاجية في بيروت وغيرها دون أن يكون لهم نصيب في مواجهة وطرد ذلك العدو هم الذين يطالبون اليوم بتجريد المقاومة من سلاحها وبقاءها عرضةً لأي هجمة إسرائيلية مقبلة ولا أعلم بأي وجه وأي حق وبماذا سوف يواجه أولئك أي عدوان إسرائيلي جديد على بلدهم هل عبر الأمم المتحدة التي قراراتها لم تزل حبرٌ على ورق لم تنفذ إسرائيل حتى أحقر وأصغر قراراتها أم الدول العربية التي عجزت عن منع صدام عن احتلال الكويت وساعدت في احتلال العراق من قبل أمريكا.

الأمر الأخر الذي لا ينبغي إغفاله هو وجود أراضيٍ لبنانية لا تزال تحت سيطرة العدو الإسرائيلي ولم يسلمها للبنان بعد. كما أنه لا زال ينتهك المجال الجوي للبنان بشكل شبه يومي دون أن نرى من يرفع عقيرته من الموالاة أو أنصارها في الداخل والخارج أو من الدول العربية التي تتسارع لعقد الاتفاقيات وطرح مشاريع السلام مع العدو من يُنكر مثل هذا الاعتداء أو يرمز لها وكأنهم لا ينتمون لهذا البلد أو للعرب بالنسبة لمن هم خارج لبنان وهم لا يتكلمون عن إسرائيل في لبنان إلا من باب المزايدات الانتخابية.

لقد سبق لإسرائيل أن دخلت بيروت في 15/9/1982م ولم يتجاوز الموقف العربي والدولي مستوى إدانة الغزو ولم يقم برد فعل يتناسب مع العدوان على دولة عضو في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ولم تقم الجامعة العربية التي قد ولدت مؤودة وهي لم تزل كذلك، وأصبح الفرد العربي لا يعول عليها في هز أو لمز أونقضٍ أو إبرام وليت أنهم يتركون من يتولى المواجهة دون الانتقاص والتقسيط فهم كما قال المثل المصري (ليتهم سكتوا).

لقد سجل جمهور المقاومة موقفاً فريداً في تعاطيه مع قيادة المقاومة اللبنانية التي سجلت لها أكبر حضور في انتخاب قياداتها أمام مشروع الهيمنة على كل مقدرات لبنان وخيراته، فلو نظرنا لإعداد الناخبين لبعض نواب المعارضة التي تجاوزت في بعض المناطق عدد الـ 50000 ـخمسين ألف صوت لكثير من نواب الجنوب لعرفنا أن في الجنوب عدد لا يُستهان به من الجمهور اللبناني في حضوره وتماسكه وتصويته للمقاومة بشتى أطيافه وفصائله كي يقول لكل السياسيين أحذروا من المساس بالمقاومة التي نعرفها وتعرفنا لا كأنتم.

إن ما حدث في لبنان هو انتصار كبير للمعارضة في وجه محاولة التطويق التي حاول الآخرون حصار المعارضة من خلالها فلقد أبدل جمهور المقاومة المعادلة وجعل الصراع في لبنان يتخذ منحنىً صعباً لا يُمكن للموالاة أن تتجاوزه وخصوصا عندما فشلت كل محاولات إبعاد جمهور المقاومة عن قيادته اللبنانية بكل أطيافها أو محاولة الآخر تسقيطها وإسقاطها عبر مختلف الوسائل والحجج وعبر المال الانتخابي الذي لا ينبغي إغفال دوره في إمالة الرؤوس وجعلها تتمايل سُكرة من حجم المبالغ التي أعطيت لكثير من الناخبين الذين يتوافقون مع توجهات الموالاة أو من الطرف الآخر الذي يعيش حالة الحاجة الماسة والتي حاولت الموالاة استغلالها في عملية إسقاط المعارضة عبر فتح خزائنه وخزائن داعميه في تسييل المال في أيدي أولئك الناخبين.

وكما واجهت المقاومة أولئك المتخاذلين في بداية نشوئها وانطلاقتها هاهي تواجههم اليوم وهي أشد قوة وأمضى شكيمة وليس من السهل بل العسير على أولئك أن يستطيعوا المساس بها أو محاولة الوقوف بوجهها فهي قد تجاوزت مرحلة الفطام ووصلة إلى مرحلة البلوغ مما يجعلها رقماً صعباً في أي معادلة جديدة لا يُمكن تجاوزها.

لقد أمسى عون أكثر قوة مما مضى ولقد نقل ميشيل عون العنصر المسيحي في لبنان من عنصر مستغرب إلى عنصر عروبي في توجهه لمناصرة المقاومة وحزب الله وفي مواجهته لإسرائيل وذلك لأول مرة يدخل مسيحيو لبنان في مواجهة المشروع الصهيوامريكي وفي الوقت نفسه أصبح فيه العرب يتنادون ويجنحون للتفاوض والتخاذل أمام إسرائيل لكن جزاء عون من العرب أن حاربوه وحاولوا إسقاطه بشتى الطرق وذلك عبر الدعم الإعلامي والمادي الذي قدموه لمناوئيه ومعارضيه.

 لكنه تجاوز أولئك واستطاع أن يتجاوز كل تلك العقبات والقيادات اللبنانية التاريخية المسيحية بعقلياتها الطائفية والإقصائية بل لقد ربح في هذه الانتخابات أكثر من سابقتها فبعد أن كان لديه 16 صوت في المجلس النيابي السابق أصبح لديه 21 صوتاً يمثلون الجيل المسيحي الشاب الذي يعول عليه في رسم خارطة لبنان الحديث

قد يبدو لنا الأمر في الصورة وكما نراها نحن وهو فوز الموالاة وانهزام أو انكفاء معارضة ، إن حجم المعركة المنتخبة كان ولا يزال أكبر مما نتصور وأعقد مما نعتقد من حيث الانتماءات والموالاة خارج حدود الوطن اللبناني الذي لم ولن يكون بعيد عن تدخلات الآخر كما هو شأن كل الدول التي تعيش ضمن محيط يؤثر ويتأثر بما المحيط الجغرافيا الذي يعايشه ويتعايش معه.

لقد حوربت المعارضة محاربة شديدة على أكثر من صعيد وعلى عدة مستويات تتمثل فيما يلي:

1- الظروف الدولية: التي تدعم كل موقف تخاذلي يفاوض ويساوم من أجل التنازل عن الحقوق العربية فأمريكا ومن وراءها دول أوربا وغيرها من الدول التي تسير في الفلك الأمركسرائيلية هي الداعم الرئيسي لفريق السلطة في لبنان وذلك لخوفها من وجود سلطة تتفق مع المعارضة في برنامجها للمقاومة ضد الهيمنة الأمركسرائيلية.

2- الظروف العربية: والتي لا زالت تسير ضمن المخطط الأمريكي في إخماد كل صوت ديمقراطي في العالم العربي وذلك كي يتسنى لها تسويق المشروع الصهيوني في تكريس الواقع الانهزامي والتخاذلي والذي أصبح يقاتل ويناضل من أجل سحق كل معارضة أو صوت يرفع عقيرته في سبيل مواجهة العدو الإسرائيلي بل وصلت الدرجة به أن يتحالف مع العدو الإسرائيلي في سحق وتدمير هذا الصوت النضالي في الأمة العربية وما حرب تموز وحرب غزة إلا مثالا واضحاً لتك المحاولات.

3- الظروف المحلية: إن الواقع والفسيفساء اللبنانية المتناقضة في توجهاتها ومصالحها قد توافقت فيما بينها على إسقاط مشروع المعارضة:

أ- الزعامات الدينية في لبنان وموقفها ، فلم يكن أي موقف داعم للمقاومة طيلة سنوات نضالها تجاه العدو الإسرائيلي من مثل الزعيم المسيحي نصر الله صفير والذي ما فتى يهاجم ويتهجم على حزب الله والقيادات المسيحية المناصرة والداعمة له كمقاومة ضد إسرائيل، بل إنه استغل الساعات الأخيرة قبل الانتخاب في التحذير من حزب الله كما كان وفي حديث سابق لمجلة المسيرة اللبنانية من فوز حزب الله وحلفائه في الانتخابات قائلا "إذا انتقل الوزن إلى 8 آذار أو 14 آذار لم يعد لهم وزن فان هناك أخطاء سيكون لها وزنها التاريخي على المصير الوطني ، هذه الشخصية الدينية المسيحية لم نرى لها أي تصريح ضد إسرائيل طيلة سنوات المقاومة لكنها هنا تحذر من حزب الله.

ب- مفتى الجمهورية والذي أصبح مفتياً للبلاط بدل أن يكون مفتياً للشعب وأن يكون ممثلاً لكل السنة وكل المسلمين أصبح ممثلاً للموالاة بل أنبرى يحذر ويتكلم باسم السنة في مواجهة الشيعة وأن الشيعة يحاولون السيطرة على بيروت السنية وكان لموقفه الداعم للموالاة هو الذي أبقاها ووقاها من السقوط في مواجهة المعارضة بعد حرب تموز.

جـ - الزعامات التقليدية مثل الأحزاب اللبنانية التقليدية والتي خاضت الحرب اللبنانية والتي بعضها كان ممثل لإسرائيل في لبنان كرئيس الهيئة التنفيذية لحزب القوات اللبنانية سمير جعجع والذي اتهم بتفجير كنيسة سيدة الحياة وحوكم بتهمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي ورئيس حزب الوطنيين الأحرار داني شمعون، كما اتهم باغتيال النائب طووني فرنجية ابن الرئيس سليمان فرنجية وعائلته في إهدن وهو ما سمي لاحقاً بمجزرة إهدن. وحكمت المحكمة عليه بالإعدام وتمت تخفيف الحكم من قبل رئيس الجمهورية إلياس الهراوي إلى السجن مدى الحياة.

ووليد جنبلاط صاحب المواقف المتناقضة من اليمين إلى الشمال والذي يغير ولائه بين عشية وضحاها والقيادات التي كانت تعمل ضمن لعبة الشطرنج السورية ، لكنها رأت بأن الوقت قد حان كي تُغير ولائها حسب أصول اللاعبين الجديد فالدور السوري أصبح في خبر كان وأمسى بعدما كان مقبول عربياً أصبح مرفوض من دول الاعتدال العربية التي أصبحت تتناغم مع الموقف الأورامريكي والأمركسرائيلي.

أمام كل هذه الظروف التي حاطت وشابت العملية الإنتخابية لا يسعنا إلا أن نصف ما تحقق من نتائج في الإنتخابت اللبنانية إلا بالقول والوصف بالإعجاز للمعارضة والعجز عند الموالاة.

شاعر وأديب