في مدرسة الفشل !!

من حقك عزيزي القارئ أن تسأل ناكراً ومستنكراً : عما إذا كان للفشل مدرسة ؟ بل وأيُّ مدرسة نجد فيها المتعة والمعرفة تلك التي يمكن أن يهديها إلينا الفشل ؟ الفشل لا يُولِّد إلاَّ الهمَّ ، والغمَّ ، والعزلة ، والهوان ، والفشل غالباً ما ترتبط به المشاعر السلبية كالخيبة والحزن والكآبة ، وشماتة من لا يريد لنا الخير والنجاح . وأي مدرسة تلك التي يمكن أن ننشدها- والحال كهذا - من وراء الفشل وارتداداته التي لا تنتهي ، وويلاته التي لا تنمحي !!
وهنا دعني أسأل : هل للحدث ( أي حدث كان ) أي معنى ؟ والجواب المنطقي حسب ( نظرية الحدث والمعنى ) هو : إن الحدث بحذ ذاته ليس له أي معنى غير المعنى الذي نعطيه إياه . فإن نحن أعطينا الحدث معنىَ إيجابياً حتى ولو كان الحدث يمثل – في المفهوم المادي- بالنسبة إلينا خسارة كبيرة مثل : فقد الأحباب أو الأعزاء ، أو المرض ، أو الخسارة في سوق الأسهم ، أو تعرضنا لخيانة من شخص ما وغيرها من الأحداث التي ربما تجتاح حياتنا وتهدد شعورنا بالأمن والسلام . كانت النتيجة حتماً ( إيجابية ) ، وفي المقابل لو نحن أعطينا الحدث معنىً سلبياً حتى ولو كان الحدث إيجابياً مثل : زيارة غير مرتقبة من شخص ما . أو إبتسامة الغرباء في وجوهنا . أو مكالمة هاتفية أو رسالة قصيرة ( ( SMS من شخص لا تربطنا به علاقة وثيقة . فإن النتيجة التي سيخلص إليها تفكيرنا – السلبي – هي بلا شك : نتيجة سلبية .
يا عزيزي : لك أن تجعل من الفشل أو- الأحداث السلبية - قمقماً تلِجِه ُولن يكون لك منه مخرج ، وبيدك أن تجعل منه سلماً لآفاق النجاح والتفوق والتحرر ، وأداة فاعلة للإنتصار على المشاعر السلبية والإنهزامية . ولو كان العالم العبقري            ( توماس ألفا أديسون ) قد نظر إلى ألـ ( 999 ) محاولة على أنها كانت محاولات فاشلة قبل أن ينجح في أن يهدي للبشرية ( المصباح الكهربائي ) إضافة إلى ما يقارب من ( 1093 ) إختراعاً آخر،لما خلد إسمه التاريخ ولأصبح في طي النسيان .

  لقد عُرِّفَ النجاح بتعريفات كثيرة ومتنوعة بتنوع أفكار ومهارات واتجاهات من عرفها ، ومن هذه التعريفات تعريف ( ونستون تشرشل ) :
فيقول : ( النجاح هو القدرة على الانتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقد حماسك) ، ويعرفه آخر بقوله : النجاح أن تحقق ما تصبو إليه ، وآخر بقوله : النجاح أن لا يعيقك  عائق عن هدفك ، وأياً كان التعريف فإن النجاح يظل حالة من الرضى يصل إليها المرء بعد جهدٍ وبعد تخطي عوائق الفشل ، فلن تصل إلى النجاح ما لم تأخذ الفشل طريقاً وسلما إلى ذاك النجاح .
 ولتعزيز ذلك المفهوم الإيجابي للفشل . دعني أخبرك عن قصة عجيبة غريبة لشخص ( ليس من المعصومين ) عاش معنا على هذا الكوكب الجميل الذي يأنس بوجودك أيها الإنسان عليه ، وقد أوكل إليك الخالق عزَّ وجل مسئولية إعماره وتشييده ، وإختارك – في حال صلاحك - لتكون الوريث الوحيد له فيه . قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) سورة الأنبياء . ذلك الشخص لم يكن متشائماً ، إنما كان له منظوره الخاص للفشل ، إليك قاطرة الأحداث المريرة التي ألمَّت به ( وهزمها بإمتياز ) :
• فشل في التجارة وعمره 24 سنة .
• وفشل مرة أخرى وخسر كل أمواله وعمره31 سنة .
• ثم حاول مرة ثالثة وعمره 34 سنة وفشـل .
• وأصيب بانهيار عصبي عندما فقد حبيبته وعمره 36 سنة .
•  فاتجه إلى المجال السياسي وعمره 38 سنة ففشل في دخول       الكونجرس الأمريكي .
• فحاول ولكنه فشل في الترشح مرة ثانية وعمره 40 سنة .
• ولم يحالفه الحظ في المرة الثالثة أيضاً وعمره 42 سنة .
• وفي المرة الرابعة كذلك وعمره 46 سنة .
• وواصل في الجولة الخامسة وعمره 48 سنة ولم يحالفه التوفيق .
• ثم فشل أن يكون نائباً للرئيس وعمره 50 سنة .
• وآخيراً أختير رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وعمره 52 سنة .
    هل عرفت من هو ذلك الرجل العصامي العنيد وصاحب الإرادة الفولاذية التي لا تُقهر : إنه ( إبراهام لنكن(   الملقب بمحرر العبيد  والقائل : من حق كل شخص في أمريكا أن ينتقل من كوخه الصغير إلى البيت الأبيض .
 إذاً : لماذا يستعجل البعض النجاح ؟ وتضيق الدنيا في عينيه بمجرد مصادفته لأول عقبة في طريقه لا سيما (أحبابنا بعض الشباب الحلوين )
• يتقدم أحدهم لخطبة فتاة ما ، ولا تتم الموافقة عليه . فيفقد الثقة في نفسه ويسوَّد الكون أمامه ويُصاب ( بالعمى الإنفعالي ) ولا يُحسن تقدير الموقف ( فينتقم لنفسه ) ويُسارع لخطبة فتاة أُخرى لا تنسجم معه على الإطلاق وتكون النتيجة أكره الحلال عند الله !!  
• بعد طول إنتظار يأتي الفرج بالحصول على وظيفة ما ، ويستبشر الجميع خيراً بهذا النبأ السار . يباشر عمله . تصادفه بعض معوقات الإتصال أو عدم عدالة الرئيس . أو عدم الإنسجام مع بيئة العمل فيبدأ في التبرم والتذمر والتضجر فيفقد الإستمتاع بالعمل وتسوء معاملته ، وتقل إنتاجيته ، ويحاول الإنتقال من هذا ( الجحيم ) لجحيم آخر مجهول دون أن يُكلف نفسه عناء البحث عن الأرضية المشتركة مع ذلك الرئيس أو الزملاء في بيئة العمل ( وكيف يكسب اللعبة الخاسرة ) !!
• يصادف أحدهم صعوبة في التفاهم مع صديق ما ، فيبدأ في إصدار حكمه النهائي على ذلك الصديق ، ويُقسم أن لا عودة عن قرار القطيعة والإبتعاد ، ويتدخل ( أولاد الحلال ) لتوسيع رقعة الخلاف بينهما ، ويتمادى في القطيعة دون أن يسأل نفسه ولو لمرة واحدة بأنه ربما كان سبب في غياب التفاهم بدلاً من الشعور بأنه الضحية وإن البادي أظلم ، ويعزز قرار الإنفصال !! 
• بإرادة ورغبة منه في خدمة المجتمع ( تقرُّباً إلى الله تعالى ) ينخرط أحدهم في خدمة مؤسسة إجتماعية ما ، أو لجنة ما ، ويبدأ عمله الإجتماعي بنشاط وإندفاع منقطع النظير ، يذوب في أداء الواجبات والمهام التي يتطلبها مركزه في تلك المؤسسة أو اللجنة ،
 ويصبح همه الأول هو : كيف يتمكن من تحقيق أقصى درجات الإبداع والتميز في خدمته الإجتماعية . ثم لا يلبث أن ينطوي على نفسه ، ويقدم إستقالته ، وتبؤ كل محاولات الخيِّرين معه بالفشل لثنيه عن قراره ، لا لشيء إلاَّ لأنه فقد الصبر وضعُفت لديه إرادة التغيير ، وتسلل الشعور بالفشل إلى نفسه ، ولربما ظن أن هناك من يتعمد إفشاله ( وتطفيشه ) بل وحرمانه من خدمة المجتمع !!
 أيها الأحبة : نحن بشر لنا طاقة وقدرة على التحمل . هذا صحيح . ولكن كل ذلك يعتمد بشكل مباشر على الطريقة التي ننظر بها إلى الأمور     وكيف نقوم بتوجيه ( بوصلة تفكيرنا ) عندما تصادفنا بعض المنغصات أو الأحداث التي ربما لم نحسب لها أي حساب . كما يعتمد أيضاً على كيفية تفعيلنا ( لقانون التوقع ) في مسيرتنا الحياتية .
  تأكدوا أيها الأحبة : أنه لا يوجد هناك فشل في الحياة ، إنما هناك نتائج تختلف في مستوياتها بناءً على مقدماتها . أرجوكم ( إشطبوا ) كلمة ( فشل ، أو فاشل ) من قاموسكم وسترون النتائج المبهرة لكم ولمن حولكم . تحياتي وأمنياتي لكم بالتوفيق والسداد .  

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 6
1
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 10 / 6 / 2009م - 6:55 م
استاذي العزيز ابو على انا اغبطك لاختيارك هذا الموضوع الموفق جدا و اتفق معاك في كل مفصلياته و لكن الا تعتقد ان الفشل نتيجة لمقدمات تستحق ان تثار فالفشل حصاد لسنين من الزراعه. انا اعتقد ان هناك عوامل تلعب دورا كبيرا في بلورة هذه النتيجه كالتربيه و التعليم و ما ادراك ما التعليم فبذلا من ان نستخدم كلمة عمليه فاشله نستبدلها بكلمة عمليه غير ناجحه فالفشل مختلف تماما في النظره المستقبليه عن عدم النجاح فكلاهما لهما نتيجه واحده و لكن احداهما لها مفهوما سلبيا و الاخرى لها مفهوما ايجابيا. و من هذه العوامل ثقافة المجتمع و طريقة نظرته للاحدات و كذلك طريقة نظرة الشخص نفسه المتبلوره من خلال ثقافته الذاتيه فكل هذه العوامل تلعب دورا كبيرا في النتيجه. فنحن محتاجين لتظافر كل هذه المقدمات لبناء نمادج تمتلك اراده

---------------------

تكمله لما سبق : نعم تمتلك اراده واثقه من نفسها لا تستلم من اول تجربه بل تعتبرها كبوة جواد تعيد ترتيب اوراقها تنقد الذات حتى تصل الى اسلوب افضل مبني على التعلم من التجارب السابقه لتحقيق نجاحات مستقبليه, و في الاخير انا اؤكد ما كنت اكده في تعليقاتي السابقه نحن محتاجين لاعادة بناء الانسان من جديد يجب ان تتظافر كل هذه المقدمات مبتدأ بالتعليم لان التعليم هو من يبني العقول مهم ان تكون المدخلات دقيقه و مدروسه تهدف لبناء انسان قادر حتى تكون المخرجات فاعلة تمتلك نضج و اراده و رؤى واضحه. و في هذه العجاله لا يسعني الا ان اقدم لك امتناني و اعتزازي بك كعقل نير نسير على هداك الذي لا يشوبه شائبه فبارك الله فيك.
2
ابراهيم علي الشيخ
[ أم الحمام - القطيف ]: 11 / 6 / 2009م - 4:14 ص
عزيزي الناشط الإلكتروني : المستقل
سلام عاطر ... وشكر وافر
ها أنت تُخجل البنان مجددا بمستوى وعيك الراقي الذي ينقب عن الأسباب والعلل ويصف الدواء كخبير بالشأن الإجتماعي متحرراً من أي ضغوط . فيتجدد إعجابي بفكرك - دون معرفتك - وهذا يؤصل للموضوعية . أشكرك جزيلا على تواصلك العلمي الذي أتطلع إلى إستمراره ليمثل إضافة قيمة لكل مقال أكتبه ، وأهنئك لثقافتك الغير أحادية
وتقبل تحياتي .
3
حسين مهدي
[ أم الحمام - القطيف ]: 11 / 6 / 2009م - 8:43 م
الاستاذ/ إبراهيم الشيخ .. السلام عليكم ورحمة الله .. تحية لمقامكم السامي ..
حزناً على وجودك هنا بين الأكوام .. مقامكم / قصدي مقالتكم الرائعة مقامها إيلاف . . الحياة .. الشرق الأوسط .. صحيفة الوطن .. و الإ فلا ..
4
ابراهيم علي الشيخ
[ أم الحمام - القطيف ]: 12 / 6 / 2009م - 5:27 ص
الأخ الفاضل / حسين مهدي
شكراً على مشاعرك الطيبة نحو شخصي المتواضع ، وما عبر عنه تعليقك ( ضمناً ) بأن ( حمامة الحي لا تُطرب ) أتفق معك في بعضه ، ولكنني صاحب رسالة تهدف إلى ترسيخ الوعي الشامل في المحيط الذي أعيش بين ظهرانيه وأتقاسم معه الفرح والألم ولن أُقدم نفسي على رسالتي . وهذا لا يمنع بطبيعة الحال أن يمتد نشاطي إلى الأقنية الإعلامية التي ذكرتها في تعليقك . شكرا لك مرة أُخرى وما عدمتك فأنا محتاج إلى دعمك . تحياتي .
5
كريمي
[ ام الحمام الغاليه ]: 13 / 6 / 2009م - 5:52 م
شكرا لك استاذنا العزيز على هذا المقال الاكثر من رائع..جميل جميل

ان الثقافه الانهزاميه متغلغله في دماءنا نحن الشباب وقد يعود احدى اسبابها الى التربيه والمجتمع الذي نتعايشه فيه
فما ان تصعب على الشاب سواء في دراسته او حياته معضله الا وانكب على نفسه بالوم والشتم قبل الاخرين واصفا نفسه بالفشل .
استاذنا ذكرتني باحد الاباء دائما يصف ابنه (ماتفهم ..اطرم ...فاشل))
وللي احدى الاصدقاء دائما يكرر في اي مشكله ( مستحيل يكون هناك حل )

شكرا لك استاذنا ابو علي مقالك رائع
6
ابراهيم علي الشيخ
[ أم الحمام - القطيف ]: 14 / 6 / 2009م - 12:50 م
الأخ الكريم / كريمي
أشكرك على تفاعلك مع ما أكتب ، وجلد الذات يتحول مع التكرار إلى عادة سيئة تتسبب في تكريس الفشل . وكما ذكرت في تعليقك ربما يساهم المحيطين بالإنسان في توليد الفشل . حفظك الله ناجحا ومنتجا . ولك تحياتي
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية