هكذا أدلى الشعب برأيه

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين

في ملحمة وطنية آسرة قل نظيرها في العمل الوطني المشترك أبرزت متانة اللحمة الوطنية وأكدت المصير المشترك ، تآزرت إرادات الشعب بكافة شرائحه وأطيافه وباتساع جغرافيته ، وتعاضدت على ممارسة حقها في مقاطعة الانتخابات البلدية والتي بلغت نسبتها في أقرب التقادير 90-95% ، ليعبر الشعب بذلك عن رأيه الصريح بما لا يدع مجالا للشك حول نظام المجالس البلدية ، وعن حقه في مشاركة حقيقية (لا زائفة) في صناعة القرار بما يمس حاضره ومستقبله .

لقد تواترت الأخبار وتناقلتها وكالات الأنباء ورصدتها الشبكات الخبرية عن ذلك الضعف الكبير في مستوى المشاركة الشعبية لهذه الانتخابات ، ففي بعض الدوائر لم يصوت إلا خمسين من أصل "1228" ناخبا مسجلا ، وفي شهادة لقناة الجزيرة عن احد المراكز الانتخابية التي زارتها لم يتجاوز التصويت فيه نسبة 3%  من عدد الناخبين المسجلين.

المقاطعة شكلت الخبر الأبرز في المشهد الانتخابي حيث المقاطعة العريضة  لمختلف شرائح المجتمع وأطيافه من شمال الوطن إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه مرورا بوسطه  لهذه الانتخابات ، مما جعلها الحدث الوطني الأبرز ، إذ أظهر عمق التوافقات وترابط المصالح والهموم المشتركة بين الناس ، كما أبرز حدث المقاطعة مساحة التعاون والتضامن الممكنة ، فالمقاطعة موقف وطني توحدت عليه كافة الشرائح والأطياف ، يمثل رسالة عالية المضامين تستوجب من الجهات المعنية الإنصات إليها جيدا.

هذه المقاطعة أوضحت مدى اتساع معارضة الناس  لتزييف إرادتها عبر مجالس بلدية مكفوفة اليد في صلاحياتها معتبرة الشعب بنظامها قاصراً بحاجة للقيمومة عليه عبر تعيين نصف الأعضاء ، كما أن هذه المقاطعة جاءت لتؤكد إصرار الشعب وتمسكه بحقه في المشاركة بصناعة القرار في ما يمس حاضره ومستقبله ، وتطلعه للمشاركة فيما هو أعلى من مجرد مجلس بلدي ، فلا زال الناس وهم ينظرون لمن حولهم من الشعوب يتطلعون للمشاركة الحقيقية في صناعة القرار على مستوى رسم سياسة الوطن الداخلية والخارجية عبر حياة دستورية تحفظ لهم حقوقهم وتمكنهم من المشاركة في صناعة القرار  والإدلاء برأيهم وانتخاب من يمثلونهم في رسم سياسات الوطن.

كما أن هذه المقاطعة إنما تؤسس لممارسة حضارية سلمية يعبر الشعب  بكل فئاته وشرائحه من خلالها عن مواقفه تجاه قضاياه المصيرية ، وكان الأجدر  بدعاة الحقوق والحراك المطلبي مساندة هذا الخيار الشعبي السلمي ، فبعد أن سدت على الشعب المنافذ والسبل الطبيعية للتعبير عن رأيه كانت المقاطعة أبلغ تعبير، فها هو اليوم ينتخب لنفسه أسلوبا حضاريا  وممارسة سلمية  منتهزا فرصة الانتخابات البلدية ليعبر بمقاطعته لها وبكل وضوح وجلاء عن احتجاجه وغضبه ورفضه لسياسات الإقصاء لرأي الناس ، وسياسات التعامل معهم كقصر لا يعون مصالحهم ولا يملكون القدرة على حفظها وصيانتها.

الشعب بهذه الممارسة السلمية والحضارية قد انتخب منهجه السلمي الذي صعب على بعض النخبة استيعابه فضلا عن تبنيه والدعوة إليه ، هذا المنهج الذي لاشك سيتكرر ليعبّر الشعب من خلاله عن رأيه في القضايا  التي تمس واقعه الحياتي والسياسي ، ولا توجد رسالة أوضح وأصرح وأصدح من المقاطعة كي تسمعها الجهات الرسمية، إذ لازال صداها يتردد في مواقع الأخبار  ووكالات الأنباء ، الأمر الذي يتطلب من الجهات المعنية أن تصغي إلى هذه الرسالة جيدا بقلب وعقل متفتحين ، وتستجيب لمعطياتها وتطلعات أهلها ، بدلا من التعنت وسياسة الصمم واللا اكتراث تجاه هذه النداءات والرسائل الشعبية ، هذا اذا ما أردنا أن نرسي بسفينة الوطن إلى شاطئ التقدم والازدهار ومواكبة التطور البشري .

     فالمقاطعة أضحت رسالة واضحة لكل من له قلب أو القى السمع ، وهكذا ادلى الشعب برأيه .. فهل من مستمع ؟