في ثقافة التقدير

 

كل شخص في هذا العالم مهما كانت درجة أهميته، ومكانته على السلّم الإجتماعي، يرغب أن يحظى بالتقدير، ويجانب الصواب من ينكر ذلك ويدّعي أنه من الزاهدين في عبارات الشكر والثناء، من هنا فعليك أن تُدرك أن الآخرين يعرفون قيمتهم الحقيقية، وأنهم بشر مثلك تماماً يشعرون بالعزّة لأن الباري عزّ وجل خلقهم بقدرته وميّزهم عن باقي المخلوقات.

يقول أحد الحكماء " سارع في تقديم الثناء لمن يستحقه " وهذا يتضمن التقدير والكياسة والمجاملة، ونحنُ نرى بصورة يومية سلوكيات تفتقر لهذه المهارة في العديد من الأفراد والأسر، بل وحتى المجتمعات، وكان الحكيم الصيني " كونفوشيوس " مُحقاً عندما قال :" الممارسات الأخلاقية تبدأ بصورة فردية من المنزل " فقد أصبح من المعتاد أن نسمع هذه العبارة " كل ما أفعلهُ ليس كافياً، فهو(أو هي) لا يقدر جهدي بل ويستكثر عليّ حتى كلمة شكراً. 

أعتقد إنّ أعمق الدوافع الإنسانية هو التوق إلى " تلقِّي التقدير " لكن في خضم الحياة اليومية – سواء في تفاعلاتنا الشخصية، أو في بيئة العمل – ننسى أن نعبِّر عن تقديرنا وامتنانا للأشخاص الذين قد جعلوا من نجاحنا إنجازاً ممكنناً !!

بعض الناس قد تعوّدوا على البحث عن أشياء سلبية ليتناولوها بالنقد والتجريح، بدلاً من التنقيب عن أشياء تستحق منهم الثناء والتقدير، لأنهم ربما لم يدركوا بعد أن إبداء التقدير لا يجعل الحياة أكثر إمتاعاً وسعادة فحسب، وإنما يبني روح التعاون والمشاركة، ويُعزّز الشعور بالنحن، ويوسِّع مساحة الذات المنفتحة بين الأفراد، ويجعلهم أكثر قابلية للتكيُّف عند تقلبات المزاج التي تنتاب شركاء الحياة من حولهم.

من الغريب حقاً أن تصادف من يعتقد أن تقديم الشكر والتقدير للآخرين مظهراً من مظاهر ضعف الشخصيّة، أو أنه مُدعاة لشعور الآخرين بالغرور، فهو يعتقد دائماً أن هؤلاء لا يستحقون الشكر ولا يحق لهم المطالبة بالتقدير لأنهم يقومون بذلك في إطار واجباتهم، وهذا فيه إجحافٌ كبير للآخرين، وبخسٌ لحقوقهم الإنسانية المُعتبرة، لأن الباري سبحانه وهو الغني عن عباده يقول : ( لإن شكرتم لأزيدنكم ) فكيف بهذا العبد الذليل ينزع للتعالي وعدم الإعتراف للناس بفضلهم وربما هؤلاء يكونوا من أقرب الناس إليه الذين يشاطرونه حياته اليومية لحظة بلحظة.

لا يجب الإسهاب والمبالغة في إبداء التقدير، لأن ذلك له آثاره السلبية على بعض الناس كما غياب التقدير تماماً، ولكن يكفي أن تُعبِّر بإخلاص عن إعجابك بما تم إنجازه من سلوك أو عمل، واعلم أنه لا يوجد على سطح الكرة الأرضية من يمُلَّ من تلقي عبارات الشكر المخلصة، والتقدير الصادق، لذا فإنك تظلم الطرف الآخر - دون أن تدري- بافتراضك أنه يُدرك ضمنياً تقديرك له وأنه ليس عليك التعبير عنه، بل على الآخرين أن يُدركوا حُسن مقصدك وسلامة نيتك، وطيب سريرتك، وهذا خلاف الواقع لطبيعة الإشباع النفسي للبشر. تحيّاتي.     

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية