100يوم على أحداث البقيع،فأين القضية؟

أكثر من 100 يوم مضت على أحداث البقيع المؤلمة والدامية، فهل أصبحت هذه الحادثة في طي النسيان؟ وهل أغلقنا هذا الملف وما تبعه من مصارحات بشأن التأكيد والتذكير بالمطالبة بالحقوق المشروعة لكل مواطن وبمساواة أبناء هذه الطائفة مع بقية شركائهم في هذا الوطن الواحد؟ وهل وعينا أصلا لما حققته تلك الأحداث من ثمار وما كنا –ولا نزال إذا تداركنا الموقف- مقبلين عليه من تغيير يصب في هذا الاتجاه؟ كيف يمكن أن نستفيد من ثمار هذه الأحداث لنحقق ما نطالب به من حقوق؟ هذه الأسئلة وغيرها تطرأ في البال عند إلقاء نظرة سريعة على الأحداث بعد 100 يوم من حدوثها.

هذه ليست دعوة لتوتير العلاقات مع أي جهة فهذا ما لا يريده أحد، ولكن لا يمكننا قبول أن تمر هذه الأحداث ولا يحدث تغيير جذري، فالقضية ليست قضية أحداث البقيع، بل القضية تكمن في مسبباتها وما أعقبها.

لقد دفعنا في هذه الأحداث ثمنا باهظاً جداً حيث انتهكت حرمة المقدسات، وكونت مجموعات أشبه ما تكون بالميليشيات العلنية المسلحة التي استهدفت الزوار على الهوية واعتدت عليهم بالسلاح، جنبا إلى جنب مع الميليشيات الإعلامية التي نذرت نفسها للتكتم على الحدث قدر المستطاع وتشويه ما يتسرب من معلومات لإسباغ الشرعية على كل ما يفعل بالضحية جزاء على أعمالها "غير المقبولة"! وهذا الثمن لا بد له من مقابل مقبول جزئيًا على الأقل.

#00b050 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi" lang=AR-SA>ماذا جنينا من كل هذه الأحداث المريرة؟

1)     أبرز ما أنجبته هذه الأحداث هو علو الصوت الحقوقي والمطالب بتحقيق المساواة بين كافة المواطنين والمذاهب في هذا الوطن بما يتوافق مع ما أعلنه الملك يوم توليه العرش. ولعل أبرز ما ميز مطالبات مرحلة ما بعد أحداث البقيع هو صراحتها مع المسؤولين حول كل القضايا العالقة منذ سنوات طوال والتي ربما لم تكن الظروف مواتية لبحثها بهذه الصراحة قبل الأحداث [1] هذه الصراحة والإلحاح في المطالبات دفعت المسؤولين لتقديم تطمينات شفوية وأخرى عملية –سنعرض بعضها لاحقا- لامتصاص الأزمة.

2)     جذب انتباه المنظمات الحقوقية الوطنية والعالمية ووسائل الإعلام العالمية، وخصوصاً الصحف العالمية والقنوات الفضائية [2] التي يصل بثها لمئات الملايين من البشر حول العالم، وبالتحديد القنوات الناطقة باللغة العربية حول قضية كفاحنا من أجل المساواة بين أبناء الوطن الواحد وهذا ما كان صعبا جدا قبل أحداث البقيع الدامية.

3)     دعم شيعي غير مسبوق للمطالب الرئيسية لأبناء الطائفة ابتداء من أعلى الهرم وهم كبار مراجع الدين الكرام والعلماء الأعلام في عدة بلدان الإسلامية ووصولا للمؤسسات والمنظمات الحقوقية والتعاطف الشعبي العام.

4)      مؤشرات قوية تبعث على التفاؤل بالنسبة لتماسك الصف الشيعي الداخلي إزاء قضاياه المركزية والذي كاد اختلاف التوجهات في كيفية الوصول إليها يفقدنا الإيمان بوجود هكذا تماسك على أرض الواقع أو يجعل تطبيقه عمليًا من سابع المستحيلات. ولعل أهم هذه المؤشرات وأكثرها وضوحا هو الوفد الشيعي الكبير والموحد من رجالات المدينة المنورة والأحساء والقطيف حيث كان محط ارتياح كبير جدًا لا ينكره أحد، على الرغم من وجود الجدل حول أهمية ما أنجزه، إلا  أني أعتقد أن تكوين هذا الوفد بحد ذاته هو إنجاز كبير من عدة نواحي. كما كان هناك ارتصاص شعبي عام وتذويب الخلافات أو التغاضي عن بعض المؤاخذات لصالح القضية الأساس.

#00b050 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi" lang=AR-SA>ماذا بعد ردات الفعل السريعة؟

تعامل البعض مع الأحداث وكأنها حدث عابر يتفاعل معه الناس لفترة قصيرة من الزمن ثم يطوى في صفحات التاريخ دون متابعة أهم المطالب التي أحياها من جديد، له ثلاثة احتمالات:

الأول: عدم الالتفات لقوة الموقف، والاقتراب من استحقاق بعض المطالب المهمة لما مثلته تلك الأحداث من هزة منبهة على خطورة ومأساوية درجة انعدام المساواة. وفي تقديري أن أحداث البقيع جعلت الطائفة في أقوى موقف لها منذ 15 عامًا من جهة الاقتراب من نيل بعض حقوقها الطبيعية والعادلة.

فالقرار الملكي الذي كان يهدف لتوجيه رسالة إيجابية من خلال الإفراج عن المعتقلين ووقف ملاحقة المطلوبين ومعالجة من يحتاج المعالجة دليل على استشعار الدولة لهذه المسألة. وكذلك تنظيم خروج الحملات من المدينة المنورة وتأمين طريقها بسيارات الأمن، والحوار الجدي والصريح مع مساعد وزير الداخلية، والدورات التدريبية التي أقيمت للعاملين في الحرم النبوي والبقيع، وتخفيف الاستفزازات لحدها الأدنى في زيارة عطلة الفصل الدراسي الثاني -قبل شهر من الآن-، كلها إشارات واضحة تدل على أننا قريبون جدًا من استحقاق بعض مطالبنا العادلة إذا استمرت نفس تلك الجهود بالنسبة لهذه المطالب لفترة مناسبة من الزمن بعد الأحداث. ولكن لنتذكر بأن هذه الفرصة ستضيع للأبد إن توقفنا عن المطالبة، فمن المعروف أن المفاوَض يراهن على انخفاض حماسة الطرف الآخر بمرور الوقت لتقليل مستوى مطالبه، فيعطيه أشياء بسيطة في البداية لكسب الوقت ثم ينتظر إلى أن تصل حماسته لمطالبه لأقل مستوى ممكن –إن لم ينسى أكثرها أصلاً- ليقرر هل يلبيها أم لا. فهل نعي هذا أم نتوقف عن المطالبة ونضيع الفرصة مكتفين بما حصلنا عليه –رضا أو يأسا- ويغلق الملف لأجل غير مسمى؟

 في نظري أننا نستطيع أن نحقق أكثر مما تحقق بكثير إذا واصلنا العمل عبر كافة الوسائل المشروعة واستفدنا من النقاط الأربع التي ذكرناها في النقطة السابقة، لأننا أصبحنا أكثر قوة بعد هذه الأحداث التي أريد بها خنقنا، وكما هي المقولة: الضربة التي لا تقتلك تجعلك أكثر قوة.

الثاني: أن تركيزنا قد تشتت بسبب بعض الأحداث التي حصلت بعد أحداث البقيع. ولعله من أهم المشوشات التي حصلت بعد الأحداث هو الحملة التحريضية والتكفيرية التي أصبحت أشد ضراوة بعد أحداث البقيع، حيث انصب جهد القنوات الفضائية المتطرفة و"مجاهدوا" الانترنت ومشائخ الفتنة على التفرغ للعمل ضد الشيعة وما تصريحات الكلباني ومقالات المنيع إلا مثالا بسيطا على هذه الهجمة الشرسة.

الثالث: إغلاق الملف أو عدم التركيز عليه طمعًا في إغلاق الطرف الآخر له. إذا كنا نفكر هكذا فنحن مخطئون ومخطئون كثيراً، فما عهدناه من المتشددين هو أنه عندما يشعرون بأن الضحية علا صوتها واقتربت من نيل بعض حقوقها، فإنهم يعملون على التنكيل بها أكثر وسلب حقوقها الأخرى، وذلك إضافة لعناوين أخرى لقائمة الحقوق المصادرة لتقديمها للضحية في المستقبل في حالة الاضطرار لإسكاتها بشيء ما من جهة، وإمعانا في إذلالها لئلا تسول لها نفسها التفكير في استرجاع ما سلب منها لأنها ستخسر ما تبقى من جهة أخرى.

وهذا ما حدث بالفعل في قضية البقيع حيث أرادوا استعطاف الدولة وإرهابها من الشيعة لتقف في صفهم فوجهوا الاتهامات بأن هذا العمل منظم ومخطط له مسبقا ومرتبط بجهات خارجية وقوى إقليمية وينبغي التشديد على الشيعة أكثر في هذه الأماكن وحتى في مناطقهم واستخدام السلاح في وجوههم لأنهم لا يفهمون إلا هذه اللغة!! كما شنوا الحملات المغرضة والمتواصلة حتى اليوم ضد الشيعة لكسب الرأي العام ضدهم وسلب المزيد من حقوقهم. فهل نعينهم على تحقيق مبتغاهم ونوقف المطالبة، أم نتجاوز المشوشات المقصودة وغير المقصودة والتفكير بهذه الطريقة؟

#00b050 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi" lang=AR-SA>ماذا سنفعل لحفظ استحقاقات أحداث البقيع؟ #00b050 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi" dir=ltr>

1)     مواصلة العمل لتحقيق المطالب الرئيسية المقدمة منذ أمد بعيد، بكل الوسائل المشروعة من التواصل مع المسؤولين الكبار في الدولة -لأن طبيعة منصبهم تعطيهم فهما أدق للقضية الشيعية وصلاحيات أكبر للاستجابة العملية-، والإعلام، وتبيين أحقية المطالب لأبناء الوطن عمومًا وتبيين أنها طبيعية ولا تستلزم أي تخوف منها، وتثبيتها في أذهان أبناء الطائفة. وكذلك استمرار التواصل مع المنظمات الحقوقية المحلية والدولية لتعريفها بهذه المطالب وتحديث معلوماتها باستمرار. كما أن من الضروري استمرار التواصل مع المتعاطفين من عامة أبناء الوطن ومن قادة ومؤسسات وأبناء الطائفة في الخارج.

2)     التركيز على قضية تقنين صلاحيات "هيئة الأمر بالمعروف" وخصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع غير المنتمين للنهج السلفي، والحرص على عدم انتهاكها للقوانين والأنظمة، ومعاقبة المخالفين من أفرادها.

3)     المطالبة الجدية بسن قوانين تحمي من لا ينتمي للنهج السلفي وتجرم أي تجاوز على حقوقه، وأي تحريض أو تكفير لا يصب في مصلحة الاستقرار الأمني في البلاد وخارجها، أو على الأقل تعاقب على الاعتداء الجسدي حيث أطلق العنان للمتشددين ليخوضوا في دماء الشيعة ويعتدوا عليهم بالعصي والحجارة والأدوات الحادة والسكاكين في حادثة البقيع دون أدنى عقوبة، وهذا ما لا نستطيع نسيانه أبدًا ما لم توضع مثل هذه القوانين وتطبق بحزم.

4)     تثبيت ملف أوضاع الأماكن المقدسة -وخصوصا في المدينة المنورة- في لائحة المطالب لأنها مقدسة لجميع المسلمين ولكل مسلم الحق في ممارسة شعائره الدينية فيها فهي ليست حكرًا على السلفيين فقط وليست ملكا لهم.

5)     زيادة أعداد الزائرين لهذه الأماكن في الزيارات الرئيسية مع الالتزام الشديد بالأنظمة التي يحاول المتشددون استمالة الدولة ضد الشيعة بالتذرع بها ليحصلوا على صلاحيات أكبر واستعداء الدولة أكثر ضد هؤلاء المواطنين.

والحل الأشمل الذي يمثل مفتاح الحل لكل المشاكل المزمنة هو السماح بالتمثيل السياسي لهذه الطائفة بما يتناسب مع كفاءاتها لتتساوى في ذلك مع بقية أبناء الوطن ويتمكن ممثلوها من إيصال صوتها في مختلف القضايا والدوائر الرسمية في البلاد مما يخلق جوا من الثقة والاحترام بينها وبين الدولة. 

وأخيرا، أتمنى أن تكون هذه السطور أعطت فكرة سريعة عن كيفية العمل الاستراتيجي ليكون تحركنا المطلبي فعلا مؤثرا يوصلنا لمبتغانا وليس رد فعل طارئ نستهلك فيه جهودا عظيمة ثم سرعان ما نفتر وننسى عندما نكون على مرمى حجر من تحقيق أهدافنا لنضيع بذلك الفرصة. لم تفت الفرصة بعد بالنسبة لأحداث البقيع وما أعقبها من تحركات، ولكن إذا لم نلتفت سريعًا ونجدد نشاطنا ومساعينا ونسمع صوتنا المطالب فسوف تفوت هذه الفرصة وتصبح غصة يجني ثمارها التيار المتشدد وربما لعقود طويلة من الزمن.

 

[1] ذكر الشيخ محمد العباد في كلمته المفصلة حول اللقاء بين الوفد الشيعي والمسؤولين في الرياض بعض هذه القضايا

[2] حيث كانت هناك تغطيات إعلامية من قنوات عديدة ومنها: البي بي سي(العربية)، الحوار، العالم، المنار، أهل البيت وغيرها ومن جرائد عالمية كذلك.