هل أنت إمَّعة .. !!

من المنطق والمعقول ، والدال على بلوغ الرشد ، وتحقيق النضج العاطفي والإجتماعي أن يستأنس الإنسان برأي غيره من الذين يعتقد أنهم يملكون الدراية والعلم  والخبرة والمعرفة حتى يستطيع أن يتخذ قراراً مكتمل الأركان ، وصائباً للهدف الذي يسعى إلى تحقيقه . فكما يقول إمام المتقين  ( عليه السلام ) : من خيار الناس من جمع عقول الناس إلى عقله . أو كما يقول الشاعر :
وإن باب أمرٍ عليك إلتوى    فشاور لبيباً ولا تُعصهِ

إذاً فالمشورة هي منطق الحكمة ، ولا يمكن لأي إنسان مهما بلغت رجاحة عقله ، واستوى عرش  سلطانه أن يستغني عن مبدأ الإستشارة ، من هنا نرى إن من أعمدة أنظمة الحكم والإدارة مجالس الشورى ، أو البرلمانات ، وما في حكمها ، بل نجد أيضاً   ( المستشار الخاص للشئون الإقتصادية ، أو الثقافية ، أو  التعليمية ، وغيرها ... كل هذا من أجل تعزيز مسألة إتخاذ القرار بحيث يتم ضمان تأديته لمفاعيله التي تصب في خدمة الصالح العام .
 
هذا على صعيد إدارة شئون البلاد والعباد ، أما إذا جنحنا بالحديث لنتناول أهمية الإستشارة على المستوى الفردي فهي لا تقل أهمية عن سابقتها وإن ضاقت دائرة أهميتها ، وصغُر حجم تأثير نتائجها لأن القرار في هذه الحالة لا يتصل بالصالح العام بل يتخذ طابعاً فردياً يقع بكامل ثقله على كاهل صاحبه ومن له علاقة بالآثار المترتبة عليه وفقاً لدرجة القرب أو البعد من مركز إتخاذ القرار الذي إتخذه هذا أو ذاك  .
 
إلى هنا والمسألة تبدو في سياقها الطبيعي الذي لا يعكس خللاً البته في نظام تفكير الفرد ولا يُهدد صيرورته الإجتماعية لا سيما إذا ما أحسن إختيار المُستشار الذي تتناسب إمكانياته العلمية والعملية مع الموضوع المحدد المرغوب أخذ الإستشارة بشأنه

إنما ما يُؤسَف له هو أن نرى نفراً من الناس وقد ذابوا في قرارات سواهم  سواء فيما يتعلق بحياتهم الشخصية والعائلية ، أو ما يتصل بالمواقف الإجتماعية ، الأمر الذي يجعلهم فاقدي القدرة على تدبير وإدارة شئون حياتهم  وبالتالي لا قرار لهم إلاَّ ما يراه غيرهم من الذين أوكلوا إليهم مسؤولية حياتهم وما تتطلبها من قرارات متفاوتة في العمق والمجال والتأثير .

هؤلاء الناس قد حرموا أنفسهم ومن حولهم من الذين يقعون في دائرة مسؤوليتهم من الفائدة الكبرى التي تنطوي عليها ( نظرية المحاولة والخطأ ) عندما قرروا – بعلم أو من غير علم – الله وحده يعلم ، أن يغرقوا أنفسهم في ( فقه التبعية ) ويستحسنوا إدمان أن يكونوا تابعين غير فاعلين في الأحداث والوقائع التي يتعرضون إليها ، أو التي تخص المجتمع ككل .

ربما فضَّل المرء أن يساير الآخرين في أمرٍ ما حتى لا يشق عصا الجماعة إذا لم يترتب على تلك المسايرة إرتكاب محرم أو الإتيان بمحظور ، ولكنه في الحقيقة يحتفظ  لنفسه برأيه الشخصي ولو سألته عن ذلك لأجابك إجابة الخبير الغزير المطلع على بواطن الأمور ناهيك عن ظاهرها ، إنما أن يذوب المرء في قميص الآخرين ( ويكون إمعة ) من الذين وصفهم الإمام علي ( عليه السلام ) بـ : ( الهمج الرعاع ) فتلك مسألة تحتاج إلى مراجعة جادة من قبل هؤلاء البعض . فالعقل مرآة الفكر . وهو كغيره من عضلات الجسم تنمو وتكبر من خلال التدريب والتمرين المستمرين ، وليس يُلام المرء بعد إجتهاده وإعمال فكره من أجل البحث والدراسة والإستنتاج . المهم أن لا ييأس أو يشعر بالإحباط لو أنه لم يوفق مرة وأُخرى ، الأهم أن يتخذ من تلك المحاولات فرصاً للتحسين والتطوير في نمط التفكير أو إعادة صياغة المنهج .

إنني أشعر بالرأفة والحسرة في آن واحد على أولئك الناس الذين لم يُحسنوا إستغلال مهاراتهم الفكرية المستترة خلف جدار الخوف والحذر أحياناً وفقدان الإرادة والتأثير أحياناً أخرى ، ليتهُم ينتفضوا على حالة الإستسلام المقيت لقوالب تفكير سواهم  ويُحسنوا الظن بأنفسهم وقدراتهم ، وأنهم يستحقوا بالفعل أن يعيشوا طلقاء وليس سجناء في جلباب من يسعد بتبعيتهم العمياء إليه ، لأنه في نهاية المطاف سينظر إليهم كنظرة الطيار إلى الأحمال الزائدة على حمولة طائرته ، وتفرض عليه تعليمات السلامة التخلص منها . وعندئذ لا يستطيعون أن يوجهوا اللوم للآخرين على القصور في تفكيرهم وعدم قدرتهم على إدارة شئون حياتهم ، والإرتباك الكبير في نظرتهم إلى أنفسهم لأنهم هم الذين اختاروا أن يكونوا ( إمعة ) لا يحلون ولا يربطون ، يُساقون ولا يسوقون . إنا لله وإنا إليه راجعون .  أرجو الإنتباه إذا تعذر الإنتباه .
وتقبلوا تحياتي ،،،                        

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 8
1
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 28 / 5 / 2009م - 6:12 م
استاذي العزيز عودتني دائما ان تلامس اناملك الجرح من خلال نظرتك الثاقبه لعمق المئساة التي تعاش من خلال مجموعه من الافراد مسلوبي الاراده تعودوا ان يكونوا صنيعة الاخر و لكن السؤال الاهم ما الدي اوصل هولاء ان يكونوا هكذا لا يأكلوا الا من مطبخ الاخر و للسؤال جواب احصره في الاتي :
*الاسلوب القهري الذي يعاش بين افراد العائله فالأب هو المسيطر لا يستطيع احد ان يرفض له طلب فيقاد فكريا من خلال عقل والده فمن شب على شيء شاب عليه .
*التوارث الاسري عندما يرى الطفل اباه النمودج القدوه يقدس تقديسا اعمى لاصحاب الوجاهات من المعممين او غير المعممين للاسف يتوارث الابن نفس الاسلوب و يصبح هذا الموروث من القدسيات.
*العقل الجمعي لمجموعه من الافراد كصداقات او تنظيمات بلا شعور يدوب الفرد في الجماعه _ تكمله

---------------------

تكمله لما سبق : للاسف في اعتقادي ان اخطر سبب هو حالة دوبان الفرد في المجموعه لانه يشعر بالانتماء لهذه المجموعه كمنظومه فكريه تمتلك الدفاع عن القضيه الحقه كأنهم انبياء مرسلون من قبل الله قضيتهم هي العادله لا يمكن ان يخدش بها هنا مكمن المشكله لا قيمه للعقل الفردي لا يمكن له ان يفكر او يتخد قرارا الا من خلال المجموعه يردد ما يردده المجموع ليس له قدره ان يغرد خارد السرب.
*النقص الثقافي مشكلة كبيره تجعل منك منقادا لمن يملكون وعيا ثقافيا بحيث تشعر بالنقص امامهم لا تستطيع ان تحاورهم و الحل الاسلم لهؤلاء التسليم لهم
- النتيجه : نحن نحتاج لبناء مجتمع متوازن من خلال تكاتف بين الدوله و المجتمع بأعاده صياغه مفاهميم جديده لبناء عقل الانسان من خلال مناهج تربويه و مؤسسات اجتماعيه تهتم بهذا الجانب

---------------------

و ختاما لما سبق أنا ارى فيك الرجل القادر ان تترجم هذه المفاهيم و لملمتها من خلال مركز اجتماعي مبني على دراسات علميه لاعادة تأهيل المجتمع من جديد فالمجتمع محتاج الى منظومه من القيم الصافيه لا يدس فيها السم فأنت صاحب الفكر النير و القلب الكبير فرغم ما تعيشه هذه الايام الا انك لم تنسى ان تتواصل مع ابناء مجتمعك من خلال هذا المنبر فلك مني يا سراجي الوقاد الف و الف تحية من الاعماق و اسف على الاطاله فأنا لا اجيد فن الاختصار .
2
الأمل
[ ام الحمام - القطيف ]: 29 / 5 / 2009م - 4:46 ص
أستاذي العزيز : أبوعلي تحيه عطره أبعثها لك كعطر كلماتك الرائعه, أود القول بأن بصيرتك النافذه من خلال كلمات الاكثر من رائعه تحاكي مايجول بخاطرنا نحن ابناء مجتمعك الواحد , حقيقة نحن الصغار نجبر احيانا ونرغم على ان نكون تحت زاوية (التبعيه) فمنذ الصغر كوننا صغار لايسمح لنا ان ندخل في اي نقاش حتى وان كان النقاش صغيرا ومتعلق بنا نحن الصغار لانستطيع ان نختار بمفردنا ولا اقصد بالاختيار الاشياء الماديه من (ملابس وغيره )بل اقصد الامور المعنويه من اختيار الاصدقاء ونحوه فأهلينا دائما يرددون (لاتقعد مع فلان - صادقوا الشطار - شوف افلان كيف صار ليش ماتصير زيه ) يريدون تطبيق تجاربهم علينا ناسين بأن لنا تجاربنا الخاصه بنا بل يحرموننا من عيش تجاربنا ,

---------------------

يتبع لما سبق .. ربما يكون تصرفهم هذا من باب الخوف علينا أو لأنهم لا يودون أن نقع في نفس أخطائهم لكن لماذا عندما نكبر نراهم يعنفونا على ماربونا عليه ويبتدي سيل كلماتهم السلبيه (انت ماعندك شخصيه - كبرت خلاص فكر الحالك -اتخد قراراتك بنفسك - كبرت ومو عارف اتدبر امورك) ليش هذا الكلام أليس هم من ربونا على هذا ,, عذرا عزيزي على الاطاله نحن معك ( لا للتبعيه العمياء .. ولكن لا يمكننا الخروج من التبعيه قفزه واحده الى الا تبعيه)
3
عبدالله
[ أم الحمام - القطيف ]: 29 / 5 / 2009م - 10:16 ص
شكرا لك استاذ إبراهيم

أضحكتني وشر البلية ما يضحك

وتحيتي لك ولقلمك النافع

واسأل الله للجميع التحرر من شرور

التبعية
4
ابراهيم علي الشيخ
[ أم الحمام - القطيف ]: 30 / 5 / 2009م - 12:13 م
عزيزي : المستقل
قلمك الجريئ بالصدق والمسئولية يمد قلمي باليراع ليستمر في العطاء ، وإجمل ما تبوح به كلماتك المنتقاة بعناية ووصف بديع هو قلقك الحنون من غياب الوعي أو إهتزازه عند البعض . أسألك الإستمرار والتواصل . وتقبل تحياتي .

---------------------

أيها الأمل : الأمل
تحية طيبة لفكرك المتقد
أشكرك على تعليقك الرصين وتحليلك السسيولوجي للمقال . وأتفق معك بأن السلوك يتأثر حتماً ( بنظام القبليات ) لا سيما تلك التي ترسخت منذ الطفولة . ويبقى المهم هو مقدار العزيمة للتخلص من تلك القوالب الراكدة وشحذ الذات للتقبل والقبول والتقدير . أشكرك على ثقتك ودعمك ودمت سالما ومأمولا .

---------------------

الأخ الفاضل / عبدالله
أشكر الله أن وفقني إلى رسم الضحكة على وجهك الصبوح . وأشكر لك تفاعلك مع المقال ، ووقانا الله وإياك والمؤمنين شر البلية وإن كانت مضحكة . سلامي لك وتقديري .
5
ابراهيم بن علي الشيخ
[ أم الحمام - القطيف ]: 3 / 6 / 2009م - 8:59 ص
الأخ الفاضل / الكربلائي
أشكرك على إنضمامك لقافلة المعلقين ، وأحترم كثيراً وجهة نظرك على مقالي السابق ( نقيق الضفادع ) لا سيما ما يخص قيام البعض بحشر بعض الأفكار التي ليس لها علاقة بالمقال محل الإهتمام ، وكذلك تأكيدك على إحترام ما يصدر عن المراجع الدينية الأفاضل . وأعتذر عن عدم ردي عليك في حينه لإغلاق نافذة التعليق من قبل إدارة الموقع . لك شكري وتقديري
6
نور
[ ام الحمام ]: 4 / 6 / 2009م - 9:53 ص
هاا انت تظهر من جديد بقلمك المتميز

اشكرك ابو علي على المقال الجميل

والرائع كروعتك .

مبدع ومتميز دائماً ....

موفق ..
7
ابراهيم بن علي الشيخ
[ أم الحمام - القطيف ]: 5 / 6 / 2009م - 5:06 ص
إليك : يا نور
أشكرك على إطرائك الجميل الذي أسأل الله أن يوفقني أن أكون كما رأيتم . تواصلك يزيدني عطاء . تقبل تحياتي
8
ابو رائد
[ السعودية - الرياض ]: 7 / 6 / 2009م - 1:46 ص
الاخ ابو علي هذا ما نحتاجه في مجتمعنا من الانفراد بالتفكير واخذ القرار وقبول راي الاخر وتشجيع جيل المستقبل على التفكير وكان فيه مثل قديم كنت اسمعة دائما من شخص كبير وقدير يقول "لاتعير عقلك لغيرك" تحياتي،،،،
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية