قلوب على خط الزلازل

 

لم تدرِ أن الليل الأليل كان يختزل في دواخله ميتافيزيقيا من نوع آخر لا هي بالكهنوتية الموغلة في التأملات ولا بالقشرية التي لا تتجاوز حدود الآمال البسيطة التي يمكن أن تشبعها عبارات قلائل من قلب صادق وعينين مشعتين نضاحتين بالحب والدفء .

 عينان تعرفان كيف تصنع من اللفتات الحلوة أحضاناً رائعة ومن عفوية الكلمات العذبة جواهر تستحق أن تتقلدها الصدور فتنة صانعي الآلهة في مختلف العصور السحيقة .

 هذا الليل هو مسرحها الذي تعودت أن تتموضع فيه ، تستطعمه فتمضغ آهاته وتحيلها إلى تلغراف تفتحه كلما أيقظت شموع الذكريات فالنتين جديد في حياتها .

هذا الليل هو ما تبقى لها من وحي لذيذ ووحيد يؤنس مخيالها المسترسل تماماً كشعرها الحريري المستلقي على كتفيها محط المسئوليات الثقال الملقاة على مرساة آمالها .

 كانت تشعر أنها بحاجة لفكرة مجنونة مكتنزة بالفتنة والذكاء تخرجها من دهليز هواجسها لتمسك بيديها الحانيتين إلى بر الأمان
 لم يكن الليل بمشاهده التراجيدية وشموعه الرومانسية كافياً لإلقاء الطمأنينة في بحرها المتماوج برياح جني الأفكار العابث بسرائرها.

 بقدر ما كانت أمواج مشاعرها العارمة  تبعث في قلبها الإحساس  بعنفوان الحياة وصخبها بقدر ما كان يثير هذا الصخب ذعرها فيجعلها تتقلقل تقلقل السليم على  المحور سيما وهي تشاهد كيف تسحق هذه الحياة وبلا رحمة آمالها وتطلعاتها وكيف ألقت بها المراسي الغلاظ على شطآن الحيرة والضياع .

نفثت المكلومة من صدرها آهة كادت تشعل حرائق قلبها فتأتي على ما تبقى لها من مصابيح وجدٍ  لطالما تغنت بها في أمسيات عشقها مواويلاً ودبكات.

أسندت المسكينة رأسها بعد أن ابتلعت حبتين بندول اكسترا بدون ماء يكفيها ماء عيونها بعدما أعلنت مآقيها المراسيم الأزلية للبكاء في تهويمة كادت تعتصر ماء روحها حرقة.

إذ لا شيء أكبر وقعاً من انكسارات الروح

إنه الخريف الذي ربما يأتي بعده ربيع

وربما لا يأتي .

إنه الموت الزؤام .

كل أشجار الخريف تموت وهي واقفة

 إلاها فقد كتب لها القدر على جبينها الوضاء المشع أن تبقي قلبها على خط الزلازل
إيمانها بأن لكل ضعف لطف ولكل لطف يد حانية جعلها أقوى مما مضى يكفيها ما جرى لها من وهن لم يكن بالحسبان .

لملمت جراحها أغمضت عينيها برفق لعل النعاس يخرجها ولو لبرهة من الزمن مما هي فيه وبعدها لكل حادثة حديث .