سحابة المكرمات !!

 

اتسعت الجيوب ببعض الهدايا الملكية التي سالت لها الأفواه قبل أن تهبط، وضلت العيون تراقب محدقة في الأفق متى يتحقق الحلم؟! الحلم الذي انتظرناه طويلاً، وبعد صبر مديد.. هبطت المكافأة الموعود، ولكن المؤسف إننا أمة الاستهلاك، لم يتبقى منها إلا القليل.. فهذا رمم منزله، وآخر أصلح شسع نعله، وثالث رد ديونا متراكمة على ظهره ورابع وخامس… لم يبقى منها شيء.. في غضون أيام تبخرت.. وتتطلع الأعناق الأبية إلى هبوط مكرمة جديدة ؟!

لا ذنب لنا فلقد ولدنا في زمن المكرمات، لا نحلم بمصباح علاء الدين الذي فطن العقل البشري إلى خرافته وأسطورته غير المتحققة، البعض يحلم أن " يوم السبت " إجازة مكرمية، فمتى سنشاهد جبال المكرمات ؟! فالبترول العزيز لا يزال ينضح بالمزيد من الخيرات، أفلا يستحق أبناء النفط مكرمة جديدة؟! فالبقرة الحلوبة تعج بالنشاط والعافية، هناك من يغضب ويثور لعله يحصل على شيء، إلا أن الصناديق والشوارع لا تمتلك مفعول المكرمات المعجزة فيما يبدو، وما يدرينا لعلنا نتفاجئ في مطلع يوم جمعة قادمة بإعلان هام يطول فيه التفصيل لهطول مكرمات جديدة، بصراحة إننا يأسنا العيش من هذا الزمن الذي شحت فيه المكرمات !!، فلماذا لا تهطل المكرمات دون توقف، لعل من يقرأ سورة نوح يعرف السبيل إليها، إنه في الاستغفار (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ و ….)، فمتى يرسل الله علينا وابل المكرمات من جديد؟! لعل عقولنا تحجرت فلا يتسع لها التفكير إلا في تخيل هطول غيث المكرمات الملكية دفعة واحدة ، فجيوبنا أصبحت قاحلة، ونستغيث ولا نغاث، نستغفر الله من كل ذنب ونتوب إليه ألف مرّة .. لن ندعو إلى شيء.. سوء أن ويديم برحمته المكرمات دون انقطاع !!

الانقطاع من ديدن البشر، فالكهرباء قد تتوقف، والبترول قد ينكص على عقبيه يوماً، حتى الحياة قد تخمد أنفاسها في حلوقنا (… إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ) !!، ولكن المهم أن لا تتوقف المكرمات !!، فمتى سيحين يوم ولادتها ؟!، متى سنقرأ في  الشريط الأسفل من الشاشة " خبر عاجل : مكرمة ملكية "؟! متى سنسمع المذيع يتلوا لنا نص البيان الملكي ؟! علينا أن ننتظر فقد يولد ذات يوم أو لربما يدركنا الأجل قبل أن نراه.. يذكرنا ذلك بحياة المذنبات التي تمر في العمر مرّة ثم تنتهي حياة الآلاف دون أن يرمقونه من جديد !!

هل هناك خلطة سحرية أو تعويذة مطلسمة أو دعاء فعال يجلب لنا مطر المكرمات ؟!، المطر وفير هذا العام ولكن المكرمات هي الأمل والبغية !!، متى ستعقد دور العبادة حلقات الاستغاثة والدعاء؟!، متى ستقام  ركعات التضرع والاستسقاء لتهب تلك الرياح الساكنة ؟!، على أي مرتفع ينبغي لنا أن نقف لنشاهد ثائرة السحابة المقبلة ؟! متى سنبصر السماء متلبدة بما يثلج الفؤاد ؟! 

الطوابير تقف طويلاً حتى يعيها التعب والنصب، دون أن تشاهد ما تصبوا إليه، قد يقول قائل : من ألح على الطلب أوشك البلوغ ، إلا أننا نستسخف هذا الإلحاح، الحل الناجع في أمضاءات ملكية مذيلة بوشاح المنحة، فنحن لا عيش لنا إلا بهذا الأوكسجين، لا حياة لنا من غير أوردة الضخ المكرمي، الشعب لا يريد أي شيء غير المكرمات، إنه المنتخب الذي تربى وعاش وسيموت على هذا الاستجداء الفاقع حتى قيام الساعة !!