مَن الآخر؟

كثيراً ما تُذكَر لفظة الآخر، وأول ما يتبادر إلى أذهاننا الآخر الغربي، الذي لا نلتقي معه في لغة ولا دين، ولا حضارة، فهل تحمل دلالة هذه المفردة هذا المعنى فحسب، أم لها تداعيات أخرى؟

إقصاء وإثبات

الآخر: هو مَن لا يماثلني بفكره، ولا يتماهى معي بعاطفته، ولا أنسجم معه في نهجه، ويتقاطع معي في أهدافه، وقوتي رهينة بضعفه؛ لذا أنا في اجتهاد دائم لإقصائه!.

الآخر: هو مَن يرى أنَّ له مِن الحق ما ليس لي، فلا يعترف بوجودي، ويمعنُ في إضعافي وسلبي أبسط حقوقي وتجاهلي.

الآخر: مَن يحاربني

الآخر: مَن يختلف معي في أيدلوجيته.

الآخر: هو مَن لا يشبهني، وهل في الوجود مَن يشبهني ويشبهك؟!

الآخر: مَن يختلف معي في دينه، ولغته، وثقافته، وموطنه، وقوميته، وعرقه، و...

عليَّ أن أقبله لا أن أتجاهله، وأقصيه.

 

نحن لإثبات الذات نقصي الآخر، ونبخسه حقه، ونتجاهل قيمته، ونمارس تجاهه همجية سافرة أو مقنعه متذرعين بالنظام تارة، وبالتكليف الشرعي، وحرية الرأي، وسعة الأفق، وحق الاختلاف تارة أُخرى.

كُلُّ محاولة إقصاء وتشويه وتجاهل للأخر هو شكل مِن أشكال الاعتراف، والتأكيد، والقوة لمن نحاول إقصاءه، وكلما ضاق الإنسان بغيره عزل نفسه وأقصاها في جزيرة تفتقر لمقومات الحياة والاستمرار.

والقوي هو مَن يثبت الذات مع اعترافه بالآخر.

ثمَّ من نحن؟

هناك مَن يختزل (نحنُ) في أناه،  وكأنما قُدِّر للناس أن يتنمطوا على مثاله ومنواله!.

نظرتنا ملتبسة في كُلِّ شيء، حتى نظرتنا للذات المقدسة، لم نتفق إلى الآن في تحديد: مَن الله؟!

اختلفنا في ورؤيته، وفي علاقة صفاته بذاته، وما إلى ذلك.

يتحدد الآخر وفقاً لطبيعة الموضوع الذي نحن بصدده.

 

نخافُ مِن الآخر

الآخر مختلف دائماً، ولعل ما نحن متفقين عليه هو استثناء أنفسنا مِن أنْ تكون ذلك الآخر المذموم، أو الآخر الذي هو سبب المشكلة!.

ما زلنا نخاف مِن (الآخر) حتى لو كان طفلاً صغيراً في مملكة الأسرة، إن فكَّر بأسلوب مغايرٍ لما هو مألوف أصبح غير مأمون السيرة والسريرة.

ما زلنا نخاف مِن الآخر حتى لو كان مواطناً أعزلَ "لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً"، إذا رأى غير ما نرى فقد ضلَّ سبيل الرشاد.

ما أصعب أن يكون الآخر الذي نفترض اللجوء إليه والاحتماء به هو مَن نخاف منه ونهرب عنه!.

ما أقسى هذا الزمن الرديء الذي حوَّل آباءنا الافتراضيين إلى أبطال في مسلسلاتِ رعب!.

نخاف مِن الآخر حتى لو كان ذلك الآخر (نحن)، وهل يجتمع في ذواتنا الضدان؟!.

وقد نمارس (دكتاتورية) الخائفين من رؤية الحقيقة، ولك أن تسال: وهل (الدكتاتوري) المتسلط يخاف؟

والجواب: ما الذي جعله متسلطاً سوى خوفه؟!

 

الذاتُ والآخر؟

ننتقد الناس، ونتفاعل جميعاً في الاتفاق على إدانتهم، ولم نسأل أنفسنا: مَن هؤلاء الناس؟

أليسوا أنا وأنت؟!

لماذا نضع أنفسنا دائماً في خانة المستثنى إنْ كنا بصدد المكاشفة، وتحمل المسؤولية.

كم هو ضعيف مَن يحتمي بالمستثنى عندما يُحكم بإدانة المخطئ؟!.

إنَّ مَن لا يُقرّ بالحق، ولو على نفسه يبتغي غير سبيل المؤمنين الواعين بمهمتهم في الحياة، والساعين على مدارج الكمال..

إذا كنا للآن لم نجرؤ على مكاشفة أنفسنا، والاعتراف بخطئها أنى لنا بالشجاعة لمكاشفة المجتمع، وتصحيح مساره.

إذا كنا للآن لم نعترف بأنَّ أنفسنا قد تكون الآخر الذي علينا مواجهته ومصارحته، وإدانته فلن نعرف الآخر الذي تجسد في غيرنا، وَ"مَن جهل نفسه كان بغيره أجهل".

أجد أننا بحاجة للعودة إلى الآخر المتمثل في الذات المتوارية خلف الأقنعة والاتفاق معه على ترسيم الحدود التي تفصلنا عنه، وكيفية التعاطي معه.

لنرجع للمربع الأول: هل هناك آخر يسكن في ذواتنا، أم آخرين؟!!.

وإذا كان كذلك يا تُرى مَن يكون؟