رسالة في صلة الأرحام

 

كنت مدعوا لإحدى المجالس الحسينية المقدسة فلاحظت أن أحد الأشخاص يلتزم الحضور في هذا المجلس ، فتعجبت منه في خلدي قائلاً: هذا الشخص له أحد أقاربه كالعم والخال مريض منذ سنين وحسب علمي أنه لم يزره إلا بعدد أصابع اليد الواحدة لا أدري اليمنى أم اليسرى!!!

أقول : إن بعض الأخوة - بحسب تقديري وبحثي وتساؤلي - لا يحضر هذه المجالس المباركة إيماناً بقداستها ! ، وإنما يحضر من أجل أن هذا مجلس عمه أبي زوجته ،أو مجلس أخي زوجته أو ... فدفعاً للإحراج أو الملامة ،أو إسقاطاً للواجب فإنه يلتزم بحضورها ، أقول : لا نشكك في كرم أهل البيت ع وثوابهم ، بقدر ما أقول أن النية أساس العمل .

*الرحم (تعريف):

هو كل إنسان يلتقي معك في رحم وإن بعد ، وهي على درجات في الوجوب والأولى كطبقات الإرث : الوالدين – الإخوان – أبناؤهم وبناتهم – الأخوال والخالات والأعمام والعمات – أبناؤهم وبناتهم – ولد ولد خالي – بنت بنت عمتي، وهكذا.

*حسب القرب تكثف الزيارة :

فالوالدين صلتهم من باب المثال في كل يوم أو يوم وترك – والأخوان في كل ثلاثة أيام – وأولادهم في كل أسبوع – وهكذا كلما قربت الرحم كانت الصلة أوجب وأكثر في الأولوية والعكس صحيح, المهم أن الإنسان لا ينسى أرحامه – والمهم كذلك أن تكون الزيارة والصلة نابعة من التقدير لهؤلاء الأرحام والأقارب والتي تنعكس عليك أيها المؤمن .

*موديلات صلة الرحم:

زيارتك لقريبك في بيته – في دكانه – في ديوانيته – في مجلس تلقاه فيه – في مسجد يصلي فيه – اتصال بالتلفون – رسالة جوال – بالإيميل – فيس بك – إيصال سلام إليه على لسان أحد الأخوان أو الأولاد – قضاء حاجة إليه – الصدقة عنه – الدعاء له – إكرام أصدقائه - رد الغيبة عنه. طبعاً الأفضل هي الزيارة لما لها من الآثار الكبيرة على الأرحام كمعرفة الأولاد لقريبهم والتآلف فيما بينهم  ووو،و  تحصيل رضا الله تعالى وثوابه الجزيل على مختلف الجوانب.

*سلوكيات تعرقل التواصل بين الأرحام :

الدخول إلى منزل قريبه بلا إذن !! فقد يكشف ستر البنات مثلاً - الزيارة في وقت غير مناسب – إحراج المريض ببعض الأسئلة – التدخل في الخصوصيات – سوء الخلق كالهمز واللمز ( هلا بِالي كله يرسب في المدرسة)( هلا بِالي لعبوا عليه في الأسهم)(هلا بِالي ثوب حفلتها إفشل) - عدم إكرام الضيف ولو بكأس ماء (من باب الاستخفاف لا الغفلة) – عدم توقير الضيف ( كعدم القيام له والعبوس في وجهه - وعدم مشايعته إلى الباب في خروجه) – التواصل فقط من أجل الحاجة وبعدها لا تراه وإذا (شافك) كأنه لا يعرفك - وأخيراً كثرة الزيارة مما يبعث الملل للأقارب.

*عادات جميلة فحافظوا عليها :

طبعا بعض العادات الاأسرية التي يجدر بنا أن نحافظ عليها أن نورثها لأبنائنا مثل (الاجتماع عند الأب و قراءة القرآن الكريم – الجلوس على سفرة واحدة – احترام الأخ الأكبر والأخت الكبرى- إعطاء العم والخال الحق في التوجيه والتربية للأولاد في الشارع أو المدرسة أو البيت (مو كل واحد ما يقدر يكلم حتى ولد أخوه ) – التجاوز عن هفوات الصغير أو المبادرة إلى نصيحة المراهق – وقوف كبير العائلة في أزمة لأحد أبناء العائلة – زيارة الأقارب بدون تكلف ورسميات و بدون حجز موعد وبكل ترحيب ومحبة.

*أُنبه إلى أن الأب ومن في مقامه لا بد أن يتحلى بالصفات الإسلامية الجذابة والأبوية والتي توجب له الاحترام من قبل الأُسرة وإلا (فاقد الشيء لا يُعطُاه) ، وإلا لا يا شباب؟

*بين الماضي والحاضر:

البعض يصف أوضاع الأسر قبل النفط كما يصف مجتمع الملائكة متناسياً الكثير من المشاكل التي حدثت داخل الأسر فتراه يقول : بالأول كان الكل يتغذى على سفرة - الأخ يدخل على بيت أخيه ويقعد حتى لو لم يكن فيه إلا زوجة أخوه )أقول إن لكل زمان ظروف وثقافة وإن ذلك الزمن لو تفحصناه لرصدنا الكثير من الاستبداد من الأب لزوجة أحد الأولاد – أو التحرشات من أخ لزوجة أخيه – أو تكبر الأم على زوجات أولادها واستعبادهن – أو وقوف الأب مع زوج ابنته الطاغي بحجة ( ما عندي بنات تطلع من بيت زوجها) والتي لا زالت هذه الحالات موجودة رغم نظام الشقق التي كل واحد الله ساتر عليه مع زوجته والحمد لله.

*حادثة وانقلاب:

ذات يوم توفي لي أحد الأقارب رحمه الله تعالى ذكره ، لم أكن في الحقيقة من زواره بل لم أكن أتذكره، وفي نفس الوقت كنت أستقبل المعزين في مجلس الفاتحة وهم يقولون (عظم الله أجرك) ! خجلت من نفسي كثيراً فقلت في قلبي (كيف أقف في الفاتحة وأنا لم أزره في حياته ؟! ألا يعتبر هذا كبيرة في الإسلام وتقصيراً في حق نفسي)؟! وبعد انتهاء الفاتحة هاتفتُ بعض أقراني من أبناء العم وشكلنا مجموعة من #c00000" >8 شبان ،و في كل أسبوع نزور أحد أبناء العائلة ،من يعرفنا ومن لا يعرفنا ،منذ سنتين والحمد لله المنان بتوفيقه.*أنبه إلى أن من لا يوفق لصلة شخص في حياته ،فإن بإمكانه أن يصله من الفاتحة وما بعدها من  المشاركة في العزاء والوقفة - الصدقة عنه – صلة أسرته ...

#c00000 ; mso-ascii-font-family: Calibri; mso-hansi-font-family: Calibri" lang=AR-SA>*فقهيات في صلة الرحم (السيد محمد تقي المدرسي #c00000" > مثالاً #c00000" >):

يقول دام وجوده:

1-      ينبغي أن يتخذ الإنسان أسرته متراساً أمام غِيَر الزمان وتحديات الحياة.

2-لأن العشيرة هي بؤرة الحكمة والخبرة الحياتية،فمن الضروري أن تتشكل في كل عشيرة هيئة استشارية يرجع إليها أبناؤها،وهي تقوم بتركيز الخبرات وتوجيه الطاقات .

3- ينبغي عدم الاكتفاء بمجرد التزاور والتعاون في مجال تمتين العلاقات الرحمية ،بل نحن مطالبون بأكثر من ذلك ...فعلينا أن نترجم قيمة صلة الرحم الدينية إلى لغة العصر...وذلك عبر الأساليب التالية :

- تحويل صلة الرحم إلى قوة اقتصادية ...وذلك بتكوين شركات اقتصادية مغلقة على أبناء العشيرة.

- تأسيس صناديق القرض الحسن خاصة بالعشيرة.

- تأسيس صندوق للمساعدة الخيرية ...في أمور الزواج والسكن وتهيئة فرص العمل.

- تأسيس صندوق التعاون لتنمية الكفاءات العلمية .

وبذلك تكون صلة الأرحام ركيزة للرفاه والتقدم الحضاري.

*تعليق على كلام سماحة السيد  : بعض العوائل تتشارك في بناء حسينية وهذا جميل في هذا العصر الذهبي ،لأننا لا نعلم ما هي مساحة الحرية الدينية في المستقبل ولكن، لماذا لا تفكر عوائلنا في بناء مجمع أو عمارة سكنية لتزويج أبنائها وبسعر جيد مثلا 1000 ريال شهرياً .وهذا يجعل الفقير يفخر بانتمائه لعائلته ، أما إذا وجد الفقير ابن عمه غنياً لكنه لا يسأل عن حاجته، أو كبار وأغنياء العائلة في رفاه وهو تحت خط الفقر فهذا يؤثر في رفع بركة الرزق وزوال النعم ،ويضعف كبار العائلة من حيث القدرة على حل المشاكل و التصدي للأزمات بحيث تكون وجاهتهم (بافلوه )أي غير مقبولة  في التدخل والإصلاح.

* #1f497d" lang=AR-SA>أحاديث مضيئة للفكرة:

1- #365f91" >قال رسول الله ص ( أوصي الشاهد من أمتي والغائب ، ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء ،إلى يوم القيامة !!!أن يصل الرحم وإن كان منه على #365f91" >مسيرة سنة فإن ذلك من الدين )!!!

* فما هو عذرنا أمام النبي ص إذا كان رحمي أو نسيبي في نفس المدينة أو القرية؟!

2- #365f91" >قال شفيعنا أبو القاسم محمد ص (الصدقة بعشر ، والقرض بثماني عشرة ،وصلة الإخوان بعشرين، وصلة الرحم بأربع وعشرين ) .

*فهنيئاً لمن يُوفق لكل هذا.

3- #1f497d" >عن مولانا الصادق ع ( صِلْ رحمك ولو بشربة من ماء ،وأفضل ما تُوصَل به الرحم كف الأذى عنها).

*قد يكون صلة الرحم ولو (بسحارة) رطب من البستان لبيت خالي مثلاً ، قد يكون السائل متوقع الأذى لأرحامه ، فالإمام ع ينبهه إلى أن كفه عن أذاهم يحسب له صلة رحم !! وهذا من رحمة الله بعباده ،وهذا كما نقوله أحياناً عن أخ مشاكس أو صاحب مشاكل: (هو لو يكفينا شره جزاه الله ألف خير!!).

4- #1f497d" >قال أمير المؤمنين علي ع ( أعوذ بالله من الذنوب التي تُعجل الفناء !)

فقام إليه عبد الله بن الكواء اليشكري ،فقال : يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجل الفناء؟!

فقال ع ( نعم ويلك! قطيعة الرحم ...وإن أهل البيت ليتفرقون ويقطع بعضهم بعضا ، فحرمهم الله وهم أتقياء!)

*قد يأتي الفناء بأشكال لقاطع الرحم منها: تصيبه مشكلة أسرية فيصل إلى الطلاق في حين أنه لو كان يملك علاقة ببعض الحكماء في العائلة لعولجت المشكلة ، وقد يكون فصل من عمله . وبعد ذلك يقول له شخص : لو قلت لفلان ابن عمك لكان توسط لك وما فصلوك ووو.

5- #1f497d" >عن رسول الله محمد ص ( بُلُّوا أرحامكم ولو بالسلام !!).

* قد يكون لك أخ أو عم لا يكلمك وهو المخطىء ،لكن صلته ولو بالسلام على الباب من شأنه تلين وترطيب العلاقة ، ولكن يحتاج المؤمن إلى يقين بكلام المعصوم ع وإلى صبر وإلى إصرار . أما أن أذهب من غير نفس أو على أقل كلمة أتوقف فهذا غير مثمر.فقد يكون رحمك يكره دخولك بيته !!فالإمام ع يقول لنا : لا تقطعه مرة واحدة، ولا تدخل فتثير مشكلة معه بل ، سلم على الباب ولو كل أسبوع مرة لأن نتيجة السلام هي ترطيب وتلين وبلُّ قلبه وإدخال محبتك في قلبه ولو عن طريق كلام زوجته وأولاده مع الزمن.

6- #1f497d" >من وصية أمير المؤمنين ع لابنه الحسين ع ( كثرة الزيارة تورث الملالة).

*هذا الحديث ينبه البعض إلى أن كثرة الزيارة تورث الملل فكيف يكون هذا؟ أقول إن كلامي سينفد وقصصي وسوالفي ربما في زيارتين ستنتهي فماذا سأقول غير التكلم على الناس أو مشاهدة التلفاز ،أو تضييع وقت الأقارب ،أو مزاحمة أوقات الراحة لهم ،أو تأخيرهم عن موعد مهم .

7 #1f497d" >-قال رسول الله المصطفى محمد ص (الزيارة تنبت المودة).

*كم يفرح الإنسان بالزيارة ولكن لماذا ؟ لأنها تنم عن مدى المحبة والتقدير الذي تملكه في قلب هذا الزائر .تصور أخي المؤمن أن يمر عليك ظرف فرح أو ترح - لا قدر الله - ولا تجد أي أحد من الأقارب يزورك ؟! فإن الوساوس والقلق وسوء الظن والشعور بالوحدة سيملأُ تفكيرك ؛ إذن بادر بالزيارة رعاك الله.

*خاتمة : الأحاديث الشريفة تعالج صلة الرحم تارة بلحاظ الشخص الزائر ، وتارة بلحاظ  الشخص المزور .فأحسن القيام بكلا  الدورين سلمك الله.