العقل بين الكليات والجزئيات

 

المناطقة يعرفون علم المنطق (النطق الباطني ) وهو المعبر عنها بالقوة العاقلة لدى الإنسان والتي تفصله عن جنس الحيوان بأنها ( القدرة على إدراك الكليات ) وضدها القوة الوهمية وهي ( إدراك الجزئيات ) والتي يعبر عنها البعض بالقوة الخيالية أو حتى الشيطانية، فما هو الفرق بين هتين القوتين؟.

أضرب مثالا لتتضح الصورة ، في الطب عندما يريد الطبيب تشخيص مرض معين فإنه يرجع إلى أعراض المرض وإلى تحاليل المختبر وربما إلى الأشعة وغيرها ، فهو هنا من خلال ربط الأعراض الطبية فيما بينها والتي هي هنا تمثل (الجزئيات ) يحاول أن يصل إلى التشخيص النهائي والذي يمثل ( الكلية ) ، فمثلا ليس كل ارتفاع حرارة يؤخذ على أنه مرض انفلونزا وليس كل ضيق تنفس يكون ربوا ، ولكن لو صاحب ارتفاع الحرار رشح من الأنف يكون سائلا شفافا مع تعب في الجسم وألم في الظهر وصداع وحرارة لمدة اسبوع وأكثر فربما يكون انفلوزنوا ، أيضا لو كان ضيق التنفس مع كحة جافة وكانت هناك عوامل وراثية ربما يكون ربوا ، أما لو شخّص الطبيب كل ارتفاع حرارة على أنه انفلونزا وكل ضيق تنفس على أنه ربو فسيكون طبيبا فاشلا قد يضر مرضاه بالعلاج الخاطئ وهو هنا يكون مدركا للجزئيات لا الكليات.

ولنأتي نحن ونطبق هذا المفهوم في واقعنا الخارجي وفي الحكم على الأشخاص ، عندما ينقل لنا شخص رواية عن مؤمن يريد بها شينه أو هدم مروته ، فهل نحن نبحث جزئيات هذه الرواية والخبر ونربطه بالجزئيات الأخرى أم أننا نسرع إلى التشخيص السريع من دون تروي ، هل نحن نسأل أنفسنا أولا عن صحة الكلام المنقول أم لا ، هل هذا الكلام جاء من مصدر ثقة أم من طرف معادٍ لذاك الشخص، و على فرض صحة الخبر هل نبحث عن الظروف التي أدت بذلك المؤمن لهذا الفعل ، هل نبحث عن سيرة ذلك المؤمن العامة بين الناس ؟ . من بين الأشياء التي أرى فيها مجتمعنا(بنظري المتواضع )  مدركا للجزئيات هو نظرته الدونية للمطلَّقة أو للرجل المخلوع على أن بهما شيئا من النقص الذي قد يكون خَلقيًّا أو خُلُقيًّا.

إننا لو رجعنا إلى الوضع الراهن خصوصا في السنوات الأخيرة نجد أن قسما كبيرا من الناس مثلا ينظر إلى فترة الخطوبة ( الفترة ما بين كتابة العقد وليلة الدخلة ) على أنها فترة تعارف بين الطرفين ، كل طرف يستكشف الطرف الثاني إن راقه أم لا ، ثم لهما أن يختارا أن يكملا حياتهما مع بعض أم لا ، لذلك نرى أن أغلبية قضايا الطلاق والخلع(مع ضرورة التفريق في المصطلحين ) تكون من فترة الخطوبة إلى أول سنة من الزواج ، فعند البعض قد غابت قدسية ميثاق الزواج وميثاقه الغليظ .

لذا فإننا لو نظرنا إلى هذه المعطيات والقرائن نرى أنه أمر اعتيادي أن تُطلَّق تلك المرأة العفيفة الكريمة الودود صاحبة الأخلاق والفضائل، أو أن يخلع ذلك الرجل المؤمن الفاضل ، صاحب السيرة الحسنة . فليس هناك وسمة عار يوسمون بها ولا شيء يعيبهم غير أن الأحداث والظروف الاجتماعية والبيئية لم تتح لهم التوفيق للارتباط بمن يكافيهم من صفاتهم ،ذلك أن المؤمن كفء المؤمنة.