الشيخ العمري ...القائد الحكيم

سيخلد التاريخ فضيلة العلامة الشيخ محمد علي العمري ( أعلى الله مقامه )  عندما يتحدث عن التواجد الشيعي في المدينة المنورة ، وسيسجل له تجربته الرائدة وحركته المباركة في الدعوة إلى مذهب أهل البيت عليهم ، وتعميق الولاء إلى مبادئهم وقيمهم الخالدة . وسيكتب الباحثون عنه الكثير ، وسيتناول المثقفون و الكتاب عن حياته بالدراسة والتحليل في الأيام والشهور والسنوات المقبلة . وسينقل التاريخ إن تجربة العلامة العمري  تعد علامة بارزة من علامات  التشيع في المدينة المنورة . وسيقول التاريخ إلى الأجيال القادمة  إن العلامة العمري يمتلك مكانة خاصة في قلوب الشيعة في مختلف دولهم وأقطارهم ، وينظر إليه باحترام وتقدير كبيرين  ، بسبب  مسيرته التي قضاها في نشر علوم آل محمد عليهم السلام ، والدفاع عن العقائد الحقة ، و مواقفه العظيمة ، وأعماله الجليلة ، وتضحياته الكبيرة من أجل الإسلام والمسلمين .
لقد عاش الشيخ العمري مرحلة مهمة  من مراحل حياة الشيعة في المدينة المنورة ،  في وقت تكالبت فيه بعض التيارات الطائفية على التزاحم لنشر أفكارها وتوجهاتها العقدية والفكرية المتشددة  ، مما أدى إلى تمزيق الوحدة الإسلامية  ، وإثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد ،وتعميق الانشقاق والانقسام بين المسلمين .  وكان لا بد من وجود مشروع وحدوي  ، موجه يقوم على الولاء لأهل البيت عليهم السلام  والحكمة والتسامح والاعتدال ، لكي  يوضح عقائد وتاريخ ومواقف  أهل البيت عليهم السلام  وينشر تراثهم العلمي ، ويظهر سيرتهم العطرة ، ويحفظ أحاديثهم وأقوالهم الشريفة ، ويهدف إلى حماية أبناء الطائفة الشيعية من الحملات المناهضة التي تستهدف كيانهم وعقائدهم وفكرهم وتاريخهم ، ويقرب بين أبناء الدين الواحد ، ويدعو إلى التآخي والتآلف والمودة بين الطوائف الإسلامية  المختلفة .
إن العلامة العمري أعلى الله مقامه  من العلماء الذين أخذوا على عاتقهم التفكير بأمر الأمة الإسلامية  ، فكان يتمنى من أعماق قلبه  أن يرى في يوم من الأيام مذهب  أهل البيت عليهم  السلام يـُطرح في الحرم النبوي الشريف كبقية المذاهب الأربعة  لأخوتنا أهل السنة ، وأن يدرس سيرة  ورأي الإمام الصادق عليه السلام  كما يدرس سيرة ورأي الأئمة الأربعة ، وأن يتعرف المسلمون على عظمة ومكانة  أئمة أهل البيت عليهم السلام  وبالخصوص أئمة البقيع الغرقد . لا شك عندما كان  يذهب الشيخ العمري  إلى زيارة رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم ويرى حلقات التدريس المنتشرة في جميع أنحاء المسجد النبوي الشريف ، كان يستذكر الحلقات العلمية  للإمامين الباقر والصادق عليهما السلام التي كان يدرس فيها المعارف الإلهية والعلوم الإسلامية والأحكام الشرعية .
لذلك أراد الشيخ العمري أن يعيد إحياء فكر أهل البيت عليهم  السلام وعلومهم القيمة  في مدينة جدهم صلى الله عليه وآله وسلم  ، عبر تأسيس المراكز الدينية التي كان لها الأثر والدور الكبير في إنارة العقول وتفتح الأذهان وتفقه القلوب  . فشجع الشباب على الهجرة  من أجل  طلب العلوم الدينية ثم العودة إلى المدينة المنورة  لأجل التبليغ الديني .
  قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لكل شيء طريق , وطريق الجنة العلم )) . ميزان الحكمة ج7
 و اهتم  ببناء المشاريع الخيرية  مما أدى إلى تماسك الطائفة الشيعية وظهور قوتها وإثبات وجودها بشكل سلمي  في المدينة المنورة  ، و إلى الالتفاف حوله ، فقد أحبه الناس حبـًا عظيمـًا  وافتخروا به ، وتعاونوا معه في نصرة العقيدة والمذهب .
 وامتلك فضيلة العلامة العمري شبكة واسعة من العلاقات الطيبة  مع  كل القوى الشيعية  في العالم ، فقد كان  يدعو جميع  ممثليات المراجع الشيعية  وكل الشخصيات  الشيعية في كل سنة إلى مضيف الإمام الحسن عليه السلام  أثناء موسم الحج  ، وقد كان يكرم كل من يأتي إليه من الشيعة ، ويقضي حوائجهم ، ويحل مشاكلهم ، ويتعاطف مع قضاياهم وهمومهم ،  فأصبح رمزًا روحيــًا حيــًا في قلوب المؤمنين .
لقد أمضى  العلامة العمري عمرًا مديدًا في خدمة منهج مذهب أهل البيت عليهم السلام وجاهد بكل الوسائل الممكنة لرفعة مبدأهم  ، وعمل بكفاءة وعلم ، ومسؤولية عالية ، وحسن تصرف ،و بخلق رفيع ،  يعبر عن  فكر نير  ، ووعي كبير ، وقيادة حكيمة ،  فأصبح   الرمز الروحي الكبير للشيعة في المدينة  المنورة والقائد الحكيم  .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : (( الحكماء أشرف الناس أنفســًا ، وأكثرهم صبرًا ، وأسرعهم عفوًا ، وأوسعهم أخلاقــًا )) . ميزان الحكمة ج2
 لقد فقدت الطائفة الشيعية الكريمة برحيل العلامة الشيخ محمد علي  العمري في  صبيحة يوم الاثنين الموافق للعشرين من شهر صفر لعام ألف وأربعمائة واثنين وثلاثين للهجرة النبوية الشريفة   واحدًا من رجالاتها الكبار، ورمزًا من رموزها المؤثرين  ، وأحد علماءها الربانيين  ، وعلمـًا من أعلامها البارزين .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( موت العالم مصيبة لا تجبر ،وثـلمة لا تسد ))  .
 نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه الفسيح من جناته   ، وأن يحشره مع محمد  وآله الطاهرين، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان إنه سميع مجيب الدعوات .