الأحادية الفكرية عند المتحزبين

الأستاذ / مفيد صالح

يحتاج كل مجتمع من المجتمعات، سواء كان هذا المجتمع إسلامي أو غير ذلك, إلى الإيمان بالتعددية وحرية الرأي والتعبير، في مختلف مجالات الحياة, لاسيما الدينية, مما يجعل الأمم متقدمة في حضاراتها وإثراء مناهجها الفكرية والعلمية, في إطار احترام التيارات الأخرى وعدم تسفيهها أو تحقيرها.

وإذا نظرنا إلى مجتمعنا الإسلامي، نجد هنالك المذاهب والتيارات الإسلامية المختلفة، التي ينتمي جميعها إلى الدين الإسلامي السمح, وإن تعددت فيها المشارب والرؤى, وقد وجدنا كيف ينظر أئمة أهل البيت "عليهم السلام" إلى المخالفين لهم، حيث كانوا يأمرون شيعتهم بالتواصل معهم، والأكل معهم، وتشييع جنائزهم، وعيادة مرضاهم. وفي إطار هذا المضمون تكوّن مفهوم "التعايش" الذي نحتاجه أيما احتياج في يومنا هذا.
وبداهة إن التعايش لابد له من بيئة صحية مناسبة لينمو فيها؛ مخلفاً إرثاً ضخماً من قيم المحبة والاحترام والديمقراطية والحرية التي ينشدها حتى الطفل الصغير.
 
ولا يخفى إن هذا التعايش لا بد وان يعترضه بعض المنغصات. وإذا تطرقنا للحديث على مستوى الواقع الشيعي وتحديداً بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران, نجد أن فئة من الناس ظهرت -ونحن لا نعمم على الجميع- هذه الفئة حملت فكراً، ولأقولها بكل صراحة "فكر إقصائي"!! يحمل في طياته الكثير من التناقضات، وهذا الفكر يتحزب لأفكاره وشعاراته، بل ويفرضها على رؤوس العباد، ويرفع شعار "إن لم تكن معي فأنت ضدي"! والغريب في عقليات أصحاب هذا النهج أن الكثير منهم يردد شعارات دون الاستشعار بمخرجات أمورها، فتراهم ينتقدون ويتهجمون على الآخرين لمجرد أن الآخرين يختلفون مهم وذلك ما يسمى "بالحزبية"، وبعد ذلك لا ضير عليهم في أنهم يمارسون نفس الممارسة التي انتقدوا الآخرين بسببها! وهنا أتذكر مثلاً: المشاركة في الحوار الوطني، ولا داعي للتفصيل.

تناقضات:

- الصلاة في الحرم المكي أو المدني:  

المنتمون لهذا الفكر حملوا على عاتقهم شعار "الوحدة الإسلامية" والتقارب بين الأديان, ولكن للأسف فالكثير ممن ينتمون إلى هذا الفكر يرفعون هذا الشعار الجيد, ولكن دون أن يستشعروا معانيه الكبيرة, فتجدهم يطبقون هذا الشعار والمبدأ مع الإخوان السنة مثلاً, ولكنهم يرفعون هذا الشعار قيد التنفيذ مع بعض أو كل الأطراف الشيعية التي تخالفهم الرأي والاجتهاد من أبناء مذهبهم, فهم مستعدون للتقارب مع الطرف البعيد ويصلون خلف إمام جماعة في الحرم المدني أو المكي  صلاة صحيحة لا يجدون في ذلك حرج! ولكنهم يستشكلوا في الصلاة خلف إمام جماعة من أبناء طائفتهم بسبب خلافهم معه في وجهات النظر والممارسات والتقليد. فأين هي الوحدة الإسلامية التي ترفع كشعار مقدس؟!
نحن نتمنى أن تطبق هذه الوحدة في البيت الداخلي في الأسرة الشيعية أولاً ثم لا بأس من تطبيقها مع الآخرين.

التطبير:

لا أعلم لماذا لا يطبق حاملي الفكر الحزبي المتطرف شعار "الوحدة الإسلامية" في المسائل الخلافية داخل المذاهب، كقضية التطبير مثلاً. فنحن نرى أن قضية التطبير مثلها كمثل سائر الشعائر الحسينية المقدسة، وهذا ما يؤكده طائفة كبيرة من علمائنا الماضيين والمعاصرين، ولكننا نحترم آراء الفقهاء المعارضين لهذه الشعيرة.

نتمنى أن يعي حاملي الفكر الحزبي أن الموضوع لا يتعدى كونه حكم شرعي يلزمه هو، أما الآخرين فلهم مطلق الحرية وفق فتاوى مراجعهم.
لا ينبغي أن تمارس الديكتاتورية الحزبية على الآخرين، فالوحدة الإسلامية تسع الجميع باختلاف توجهاتهم وآرائهم.