شكراً ساهر

كون قلمي مشغولاً بالرواية القادمة ( المفاجأة ) ، إلا إنه أنثنى ولم يصمد أمام  بطل الحدث وسيد الموقف السعودي ( ساهر ) ، إذ سال لعابه وأثيرت حفيظته ( أي قلمي ) منذ تشغيل النظام رسمياً بالمنطقة الشرقية أمس السبت ، مع بداية السنة الجديدة 2011م.
قبل البدء في الثرثرة ، أريد أن أخبر أخوتنا قراء المقال في صحف الدول العربية بعض المعلومات عن هذا الجهاز ، فساهر أحبتي برنامج رقابي لحركة المرور، وهو مدعم وموثق بنظام تصوير آلي حديث ، يرصد أخطاء وهفوات سائقي السيارات داخل وخارج المدن السعودية ، مع إرسال المخالفة بسرعة البرق إلي موبايل السائق قبل أن يصل إلي وجهته ! وسبق أن أعلنت إدارة المرور رسمياً عن بنود التجاوزات والمخالفات الغير مسموح بها ، ووضحت أيضاً عن الجزاءات والغرامات التي تنتظر المخالفين .
ربما سيقول البعض أني أتملق لإدارة المرور ، وأنا أحترم رأي هؤلاء ، لكن هذا هو رأيي بصراحة : إذ يخطئ الكثير عندما يقول إن برنامج ( ساهر ) وضع ليدر الأموال في صناديق إدارة المرور ، حيث يعلم  الكثير ويظهر ( إنه لا يعلم ) إن تكلفة بعض كاميرات نظام ساهر تصل إلي مئات الآلاف من الريالات ، وإن هذا النظام وضعته إدارة المرور بعد أن عجزت ويئست من إعطاء الثقة لكثير من السائقين المتهورين ، وخاصة ( المراهقين ) ، إذا إن ثقافة وأخلاقيات القيادة مع الأسف لدينا (نحن السعوديين ) فقيرة ! ، وأعداد ضحايا السرعة السنوي يرتفع بسرعة تقشعر له الأبدان !  وبقانون الشر يعم والخير يخص ، فأنا أجزم وأبصم لو إننا استبدلنا السائقين في السعودية ( مواطنين ومقيمين ) بسائقين من مملكة البحرين الشقيقة ، ولن أقول خواجات من بريطانيا ، فلن يدخل فلس أحمر واحد صندوق ساهر !!  ، مع أن شعب البحرين من بنو جلدتنا بشحمنا ولحمنا ! ، ولقد ذكرت صحيفة الحياة في عدد سابق ، إن منظمة الصحة العالمية صنفت  ( السعودية ) صاحبة الرقم العالمي الأعلى في معدل الوفيات بسبب حوادث المرور، بتسجيلها أكثر من 50 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة.  ويلقى أكثر من سبعة الآف شخص حتفهم سنوياً من حوادث السيارات ! ، وتقدر قيمة الخسائر التي سببتها حوادث الطرق في السعودية  بثلاثة وعشرين مليار ريال سنوياً ، إذ تمثل خمسة في المئة من الناتج القومي الإجمالي للسعودية.
أتذكر إن أمي أخبرتني عندما كنت في باكورة تفكيري كإنسان ( وفيما معناه ) ، أن الله وضع لنا نظام ساهر رباني فوق أكتافنا ، ذات اليمين وذات الشمال ، فكلــّف الله سبحانه ( بتشديد اللام ) ملكين لتسجيل وتوثيق حسناتنا وسيئاتنا نحن البشر ! لكن الجزاء وعدل السماء يعملان بقانون ( يمهل ولا يهمل) ، إذ لا مخالفات ُترسل للجوال تعيق ميزانية الراتب الشهري ! وُيؤجل العقاب والغفران حتى يوم الدين ! ... في اليومين الماضيين ، صرح لي بعض الجمهور ( رجال ونساء ) ، رأيهم وانطباعهم بنظام ساهر الجديد ، فقال بعضهم : ساهر جعلنا كالأطفال تحت عين العصا ، وقال آخر : ساهر جعلنا نحن السعوديين كما يقول المثل المصري ( نمشي على العجين ما نلخبطوش ) ، وقال آخر : ساهر حصالة بنكية والكترونية تجمع أخطائنا المادية والنظامية نحن السائقين ، أما الأخير فقال : ترك ساهر أثراً جميلاً محمود العواقب على الوضع الاجتماعي والاقتصادي ، إذ أصبح كثير من السائقين ، وخاصة ( ذوي الضغط العالي جداً ) مشغولي البال بكاميرات ساهر ، وأثر هذا على سلوكهم مع ركاب السيارة ، سواء خلافاتهم مع زوجاتهم وأولادهم ، أو أصدقائهم ، فأصبح السائق يفكر بالمخالفة لا احترام النظام ، فيجزي بالأموال لأولاده بدلاً من دفعها لساهر ، وألغيت وربما أجلت تصفية الحسابات التي تظهر في الطريق .. لقد أصبح ( ساهر ) سادتي الأن سيد الحوار ومركز القطب من الرحى في المجالس الرجالية والنسائية ، وتحول كثير من الناس من حياة الفوضوية واللامسئولية ، كالقطار في سكة ( الانضباط ) ، فربما تتأثر حياتهم وتتطور بنوع من الحس الأخلاقي في أجواء ساهر ، وربما يهيئ ويمهد نظام ساهر الأجواء لجلوس المرأة  خلف عجلة القيادة !، إذ سيصبح كل الناس ( المفروض ) على وتيرة نظام واحد وسرعة واحدة ، فشكراً لك ياساهر تلك التغيرات والبصمات الجميلة على أبناء جلدتي ، وشكراً لك خفض عدد الأموات في بلادي ، لأني سأستبدلها بزيارات للأفراح لا للأتراح ، وأعترف لك وكلي رضا وقناعة ، إنك لست ساهر بل ساحر ! ...
روائي وباحث اجتماعي