الحسين مظلة لمدارات الفكر التنويري

إن الفهم الرباني لشخصية الامام الحسين عليه السلام اكبر من جغرافيا التصور للعقل البشري ذو الزوايا الضيقة التي تعجز عن استشراف معالم الحق كما ينبغي لأنها وبكل بساطه لا تملك الثقة بقدرة الله لأنها ليست مهيئة في الاساس للثقة بقيم العقل وبقدراته الفلسفية الخلاقة على تحقيق العدالة الالهية  إلا بمقدار لغة المصالح والامكانات لا بمنطق التوكل على الله ، كل ما أمكنها الوثوق به هي نظريات جوفاء من قبيل نظرية البقاء للأقوى وليس للأصلح  .

 إن هذه النظريات التي انبنت على أسس سقيمة حاولت فهم الكون فلم تفلح وتصورت كما في الهندوسية أن مقام الالوهية مقام جغرافي لا مقام لاهوتي فهو مقام ذو تضاريس  وفي أحسن الفروض مقام يؤسس لعنصرية مقيتة تنسحب على مجالات الحياة الاجتماعية حيث يخلق السادة من أعالي الآلهة ويخلق الفقراء من قدمه ليبقوا مكاناً للوضاعة لا الرفعة ،  وفي الثقافة الصهيونية الحديثة يظل تقسيم البشر على أساس عنصري لشعب الله المحتار لا المختار ويظل بقية العالم مكاناً للسخرة والاستعباد فالعالم  خلق ليكون مقسما من وجهة نظرهم لسادة وعبيد .

بينما من يطالع شخصية الإمام الحسين يجد أنه يشكل مظلة  لمدارات الفكر التنويري التحرري الذي يستمد كينونة الحرية من مبادىء السماء لا من الفهم الضيق المؤسس للديكتاتوريات البشرية التي ظلت على مدى آلالاف السنين أساساً ورافداً للفهم الميثلوجي الاسطوري والتاريخي حيث اكتسبت أفكار الاستبداد أحقيتها من التقادم التاريخي الذي ولد سياسة ومفهوم الأمر الواقع الذي لا مناص من الإيمان به والرضوخ لأدواته المبتسرة من أي أساس علمي أو أخلاقي وعلى أعلى مستويات الأداء والممارسة ، سواء في ممارسة سلطة القبيلة أو سلطة الدول أو الامبراطوريات أو الامبرياليات العالمية الحديثة حيث يعجز الوازع الأخلاقي عن ردع جرثومة الفساد الأخلاقي إسرائيل في مواجهة أسطول الحرية القادم لفك الحصار عن غزة وحيث تعجز الأمم المتحدة عن النظر أمام عينيها المعصوبتين عن شرعنة الحق السلمي للاستخدام النووي للدول النامية  وحيث تحرم الدول الفقيرة من استضافة اولمبياد كرة القدم وحيث تظل روسيا الدولة العظمى تحت وطأة سلاح القمح الامبريالي الأمريكي والأوربي ثم يتحدثون لنا بعد ذلك عن اقتصاد عالمي متحرر وعن نظام عالمي جديد لا يستطيع الفقراء فيه تقاسم لقمة الخبز ولا الأغنياء التحكم ببيع صواريخ s300    فأية حرية هذه التي يمنع فيها حتى الاغنياء من استقلاليتهم في اتخاذ القرار الذي يشاؤون إلا بمشيئة العم سام.

الإمام الحسين علم ماوتسي تنج   أصول الحرية التي يظن  الغرب أن الثورة الفرنسية هي من شرعنها للعالم  في الوقت الذي تحرم الحضارة الغربية المرأة المحجبة في الكثير من دول أوربا كهولندا وفرنسا وألمانيا من ممارسة حريتها الشخصية وفي الوقت الذي تحجب فيه فرنسا قناة المنار وقناة الاقصى  وفي الوقت الذي يتباكى الغرب فيه على الحرية في عهد احمدي نجاد ويقفون كذباً وزوراً مع موسوي وكروبي فيما يسمى بالثورة الخضراء والحقيقة أنهم لا يقفون إلا مع براجميتهم الوصولية التي تبرر فيها الغايات مهما كانت الوسائل الشريرة كما يقولها بكل صراحة مارتن انديك السفير الأمريكي السابق في إسرائيل حيث يقول إننا سنلجأ لكل الوسائل الخبيثة (بعد احتلال العراق بفترة وجيزة).
 إن هذا الاعلام المتبجح بالحرية يجهل معناها الحقيقي أو بالأحرى يتلاعب بالمفاهيم ويرقص على انغام موسيقى المارينز الصاخبة والتي لا تندغم مع الذوق السوي وقيم الاخلاق التي تبشر بها الحضارة الغربية منذ عهد الثورة الديغولية .

لقد عرف الامام الحسين متى يقول كلمة الحق ، وماذا يقول ، وفي وجه من ، وفي أي عصر ومصر ، ورسم بدمه الزكي خارطة طريق الخلاص البشري دون أن يلجأ للتزلف والبراغماتية والأفكار الإلتقاطية التي تطلق بين الفينة والأخرى باسم الحفاظ على التوافقات على حساب الحقيقة ، فالله من وجهة نظره لا يمكن أن يعبد عاماً ويترك عاماً لأن الله هو هدفه لا رضا من رضي أوسخط من سخط ، لم يكن الإمام يطلب النصر بالجور ولا الحق بالباطل كما هي عادة الكثير من الثوار حين يتعبون من مقارعة ظاهرة الاستبداد ليستكينوا في معسكرات استراحة المحاربين بين ثنايا الحلول الوسطية وحينما يظفرون بالنصر يتسلقون دماء الشعوب ويتاجرون بمصالحها .

كان قتاله تكتيك من اجل الإستراتيجية العظمى ولم يكن ثأراً من أجل الثأر وكان انتقامه لذات الله وليس من اشخاص محددين بل كان استخدام السلاح من وجهة نظره من باب آخر الدواء الكي ، ولم يكن يختزل الإصلاح وفقاً لمنظومة القيم الأحادية الفاسدة التي لا ترى ضيراً من اختزال الحقيقة في الأشخاص بل كان الحق هو بيانه الأول والأخير (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ) لقد استرخص في ذات الله كل نفيس وكانت روحه المقدسة التي بين جنبيه هي عربون الحب الإلهي وأدنى ما يقدمه في سلسلة النضالات البشرية في مواجهة الاستبداد تلك الظاهرة الاعتى تهديداً لمستقبل العدالة الانسانية .