عمل المرأة «كاشيرة» وفق الفقه الشيعي

ناصر حسن الجاروف *

"المرأة.. تستطيع النجاح أيضاُ".

لست مع المرأة في كل انفتاحها في كل شيء، بقدر ما يجب أن نتفهمها في كل شيء.. أن نتفهم سيكولوجيتها.. وطريقة تفكيرها.. وطموحاتها، وحتى تركيبتها الفسيولوجية.

لا أدري - وربما أدري - لماذا كل هذه الحملات والتجاذبات والصراعات الفكرية بشأن المرأة، وليس يدري كثير من الناس لماذا الاصرار لدى بعض المثقفين على خروج المرأة إلى سوق العمل. ولا شك أن لكل رؤيته صحت أم سقمت.

وما أُثير - في الوسط الصحفي من معارضات أو تأييدات لعمل المرأة في مجال الحسابات «الكاشير» مؤخراً إنما هو وليد تلك السجالات. ويبقى الخلاف قائم، وقد ينتهي لصالح المرأة، وقد يكون العكس.

والحق أن لكل مجتمع خصائصه وأعرافه الخاصة التي تقرر عليه طبيعة الحياة اليومية، ففي بعض المجتمعات تعمل المرأة خارج البيت والزوج جليس البيت، وفي بعضها تدفع المرأة مهر الزواج للرجل الذي يريد الزواج منها، وهناك الكثير من الأعراف والتقاليد تحكم المجتمعات، بغض النظر عن صحتها أو بطلانها.

وفي أعراف المجتمع السعودي أُبعدت المرأة عن كثير من الوظائف خصوصاً تلك التي يتطلب فيها الاختلاط مع الرجال ما خلا التمريض والتعليم والتجميل والقسم النسائي في البنوك. أما أن تخرج المرأة عن هذه الوظائف إلى مهام تتطلب الاختلاط المباشر بالرجال فإن الأعراف تتحسس لذلك، وفي مقدمتها الجهات والمؤسسات الدينية، ولها مبررات في ذلك.

وفي الإطار الفقهي الجعفري فإن فقهاءنا لا يحرمون العمل اللائق بطبيعة المرأة إذا روعيت الحدود الشرعية من العفة والحجاب والنظر وشبهه.

وأجريت استفتاء لبعض المراجع للحصول على آراءهم الفقهية وجاءت المحصلة كالتالي:

رأي المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني:

الذي وجه له السؤال الآتي:

هل يجوز عمل المرأة في سوبر ماركت مختلط كمحاسبة للزبائن من الرجال والنساء؟ وهل يجوز لها أن تتسوق في الأسواق التي يبيع فيها الرجال الملابس النسائية؟ وكما تعلمون إن في مجتمعنا هناك بعض الأماكن يكون فيها اختلاط بين الرجال والنساء كالمستشفيات يعمل الطبيب والطبيبة والممرض والممرضة في مكان واحد. فما هو تعليقكم؟

فأجاب سماحته بقوله: «بسمه تعالى.. لا يجوز إذا كان الاختلاط يؤدي إلى الإخلال بشيء مما هو وظيفة المرأة تجاه الرجل الأجنبي أو العكس سواء من جهة رعاية التستر والعفاف أو غير ذلك، ولا بأس مع الأمن من ذلك على كراهة «.

وأجاب المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي الذي جاء جوابه من مكتب سماحته مؤرخاً في الثلاثين من ذي القعدة الحرام من 1431ه، وهذا نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

العمل ـ في نفسه ـ جائز ما لم يستلزم حراما وكذا التسوّق وهكذا عمل الطبيب والطبيبة ويجب الاجتناب عن الخلوة المحرّمة.»

وعلى نفس السؤال أجاب سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنائي بما يلي: «لا مانع منه في نفسه إلا إذا ترتب عليه خوف الفتنة والريبة أو ترتب عليه محرّم كاللمس والنظر المحرّمين فلا يجوز».

أما آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم فأجاب: بأنه يجوز مع رعاية الضوابط الشرعية والاحتشام.

وأما سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي فقد تفضل بالجواب قائلاً: «بعد التحية والسلام؛ لا بأس به إذا عملت بوظیفتها الشرعیه من جمیع الجهات».

ألا ترى أنهم يتفقون على جواز العمل في نفسه؟ ولم تكن لدى الفقهاء - باختلاف مدارسهم الفقهية - أحاديث وروايات ناهية عن أصل خروج المرأة للعمل. ومن هنا فلا مجال للمزايدة على عفة المرأة وحجابها، فمن ذا الذي هو أكثر غيرة على المرأة من الله عز وجل؟

فلا العمل ولا السياقة ولا التجارة ولا الطبابة حرام على المرأة مزاولتها والتكسب منها، وقد كانت المرأة تخرج في معارك الاسلام للتطبيب والتشجيع والتحريض، وفي أجواء السلم كانت تبتاع وتتاجر وتملك، وتنجز وتنجح.. إنها ليست اقل من الرجل. صحيح أن بعض الوظائف والأعمال لا تتناسب مع أنوثتها، ولكن أمامها مجالات متعددة تستطيع أن تبدع فيها.

إننا بحاجة إلى فهم الإسلام فهماً دقيقاً يلامس روحه وسماحته، بعيداً عن التكلف والتشنج والتطرف والميوعة.

سيهات