الحكومات غراباً وإن قلدت الطاووس

حسين اليوسف

مانرومه ونحاول شرحه أن الانسداد يكمن فى الجهة المطالبة لحقوقها حتى لو افترضنا عكس ذلك، فواقعنا هو قاضٍ يمنع أبناءً من ورثة أبيهم شرعاً وقانوناً رغم معرفته بأحقيتهم للمال غير أن خلافهم هو الحائل بينهم وبين كل حقوقهم، ولو استمر هذا الحال ألف عام لا مئة عام.

فالمشكل يكمن عند الشيعة على حدٍ سواء لغياب الرؤية الواضحة التي تمكنهم من الحصول على حقوقهم، ولست هنا أقصد الانصهار بلون واحد، فهذه الصفة مثالية بعيدة عن الواقع حتى الملائكة خرج منها إبليس، فالمكون الشيعي يتألق جمالاً وهو يحمل بين دفتيه أطيافاً مختلفة، لذا فإن الحالة المذهبية حالة شخصية لاتنفصل عن المواطنة فيكفي توجيه البوصلة كل من مكانه لكي نفوت على القاضي فرصة توزيع وتضييع الحقوق.

لذا لايمكن الحديث عن شيعة السعودية وأوضاعها المؤآلة المؤلمة دون الرجوع إلى الوراء قليلا وإلقاء نظرة سريعة على التاريخ الغير بعيد لحقبة الثمانينات من القرن المنصرم، فترة المعارضة الشيعية المعلنة بأدبياتها وأهدافها والتى لاتعدو عن كونها مطالب جلها "حقوقية "بغية مساواتهم بأقرانهم من المواطنين. والدولة سراً لاخلاف لها على الاعتراف بمواطنية الشيعة من حيث المبدأ ولعل الاعتراف تمثل فى التفاهم الذى جمع بينهم آن ذاك، دون الخوض فى أصالتهم وأقدمية تواجدهم على هذه الأرض لا كما يتصور البعض أو يصور أنهم قادمون من الفضاء الخارجى.

من هنا يمكن فهم قيام معارضة شيعية سعودية اتخذت من إيران وسورية وبعض الدول لحين مقرا لها، ليس على خلفية قومية ولا حتى مذهبية لولا أن تيك الحقبة تزامنت مع الثورة الإيرانية التى استنهضت المستضعفين، ولاينسحب هذا على الشيعة وحسب بل على كل المحرومين فى الأرض، إذ لاينكرهذا الشعار الذى دأبت إيران على رفعه ورواجه كان أحد أبرز المحفزات للهجرة.

بيد أن حقيقة الأمر هى مجموعة تراكمات من القهر والحرمان والتهميش والتمييز الطائفى الفاضح تمثل جليا بسندان المذهب الوهابى تكفيراً للشيعة على الدوام ودكته مطرقة الدولة بانحيازها التام، وهذا ما أنتج معارضة لكن بمفهومها الكلاسيكي المطلبي لا المؤدلج وإن اتخذت إيران مقراً لها، إلا أنها لم تنصهر فى السياسة الإيرانية فتحولت إلى ضيف ثقيل، ولهذا مفهومان:

إما أنها كانت قاصرة سياسياً "وأستبعد ذالك" أو أنها وطنية حتى النخاع لذا كان من السهل على السلطة مغازلتها وإعادتها إلى الوطن دون جهد يذكر تحت عنوان "فتح صفحة جديدة" ينظر فيها للمطالب المرفوعة والضمانات "مسك الشوارب"!!

والحق يقال أن السلطة التزمت بعدم ملاحقة المنتسبين للمعارضة إلا ما رحم ربى وانفراج كوة بالكاد ينفذ إليها النور "يوعزها البعض إلى المتغيرات الدولية" خلت من أبسط الحقوق المتمثلة بالاعتراف بالمذهب الشيعى تيمناً بباقى المذاهب التى أعترف بها رسمياً فى سابقة عدت إنجازاً على صعيد الوطن مؤخراً.

أما الحديث عن أزمة تعيشها الدولة وانسداد آفاق وتوقف عجلة الإصلاح التى لم تبرح مكانها أصلاً كلام كله للاستهلاك اشترته كافة مكون المجتمع السعودي "الإسلاميون والليبراليون والعلمانيون" إلا المحسوبين عليها. والصحيح أن هذه الدولة وباقي الدول العربية وحتى التي يقال عنها متقدمة تجسد صورة واحدة ونمط واحد أنها لم تبدأ الاصلاح بعد، لأنها تخلو من مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية وهي الركيزة الأساس والنافذة للعبور، وما يُشهد من واجهات حضارية ماهي إلا ديكور أنتجته وفرة المال لتواكب عجلة التقدم من زاوية مادية بحته، ولكن في الأصل لازالت غرابا وإن قلّدت الطاووس. فالحكومات لم تعط حقا فى يوم من الأيام فتتذرع تارة وتتلكأ أخرى وتشتري الفتنة من فئة ضد أخرى تارة أخرى وهذا كله على حساب نهضتها، والصحيح أن الحقوق تأخذ.

على أية حال لاينبغي للخلاف المذهبي القائم أصلاً والحامل لأبعاد تاريخية ليست طارئة أن تكون سبباً يؤخذ لحرمان فرد أو جماعة أو جهة أو طائفة من حقوقها إلا إذا كان المسئول هو نفسه مشبع بتلبسات الخلاف وهذا يتنافى مع مكانة الحاكم حيث لاتوجد دولة فى هذا الكون على الإطلاق تخلو من التنوع البشري.

فهذه الآلية من التعامل هي وحدها الكفيلة لاستقدام الفتنة الجائلة وبالخصوص هذه المرحلة التى تعيشها المنطقة من متغيرات تضيق حلقاتها بتسارع يستجلبها البعض لمصلحة شخصية على حساب وطن بكامله يخسر.