استروا عورة بلدنا رحمكم الله

الأستاذ / حسين العلق
ظلت المملكة العربية السعودية باستمرار ضيفا ثقيلا على التقارير الحقوقية الدولية المتعاقبة التي ترصد انتهاكات حقوق الانسان في العالم. من هذه الزاوية لم يكن مفاجئا ظهور اسم المملكة كإحدى الدول الثمان التي اعتبرتها الخارجية الامركية "ذات قلق خاص" ضمن تقريرها السنوي الصادر الاسبوع الماضي عن الحريات الدينية في العالم. فالتقرير رصد بدقة جملة واسعة من الانتهاكات الحقوقية التي طالت الاقليات الدينية في المملكة وعلى رأسهم المواطنين الشيعة. ورغم ان المعطيات التي تناولها تقرير الخارجية الامريكية سارت على الأغلب ضمن السياق نفسه التي تناولته تقارير أخرى صادرة عن مؤسسات دولية معتبرة، إلا أن قيمة التقرير الأخير تنبع من اعتبارات مختلفة سآتي على ذكرها لاحقا. والسؤال المحوري هنا، إلى متى ستقبل المملكة وضع نفسها في مصاف الدول المتهمة بارتكاب انتهاكات حقوقية جسيمة؟ ألم يئن الأوان لستر عورة بلدنا؟.
 
دعني أقول أولا بأن قيمة التقرير الأمريكي الأخير وأمثاله تكمن في كونه صادر عن أهم حلفاء بلدنا في المجال الاستراتيجي، العسكري والاقتصادي. هذه الحقيقة تقتضي أمرين، أولهما ازالة أي أوهام حول وجود مؤامرة أمريكية ضد المملكة تقف خلف هذا النوع من التقارير كما قد يظن بعض أنصار نظرية المؤامرة والمتوجسين من السياسات الامريكية، والأمر الآخر هو أن جميع ما ورد في التقرير مطابق للواقع وليس من نسج خيال الجهات المعادية لبلادنا أو الأطراف المتضررة من هذه الانتهاكات. في المجمل لست في وارد النظر لسياسات الدول العظمى ببراءة مطلقة، لكن من المنطقي جدا الاعتقاد بأن الدول المرتبطة بأحلاف ومصالح طويلة الأمد، كما هو شأن المملكة والولايات المتحدة، ليست بوارد الاضرار بمصالح بعضها.
 
ما من شك أن تعاقب ورود أسماء بعض الدول على قوائم الانتهاكات الحقوقية بات اليوم يشكل عبئا أخلاقيا ثقيلا على الدول المتهمة أمام المجتمع الدولي. ولهذا تحرص العديد من هذه الدول صاحبة السجل الحقوقي السيئ على الافلات أو الالتفاف على الادانات الصادرة عن الهيئات الدولية عبر مختلف الطرق. ناهيك عن قيام بعض الدول المتقدمة بتضمين "احترام حقوق الانسان" كبند حيوي ضمن مباحثاتها السياسية وعلاقاتها التجارية مع الكيانات الأخرى، الأمر الذي سيشكل عامل ضغط مهم ضد منتهكي حقوق الانسان. من هنا بات تعرض أي دولة لسلسلة من الادانات الدولية في المجال الحقوقي والانساني "مسبّة" وعلامة سوداء في سجلها أمام الرأي العام الدولي، ومن يقف عاريا أمام الملأ فلن يستر عورته "التطنيش" ولا ردات الفعل الدعائية!.
 
دعنا نعترف هنا بحقيقة باتت اليوم ماثلة للعيان، وهي أن جانبا من أنشطة هيئة حقوق الانسان والجمعية الوطنية لحقوق الانسان في المملكة اقتصرت فيما مضى على الدعاية ومحاولة تلميع صورة المملكة التي تضررت كثيرا بعد هجمات سبتمبر الشهيرة، أو لنقل باتتا "مكاتب بريد" بحسب أختنا الأستاذة عالية فريد، فالجهتان تتلقيان شكاوى المواطنين لتمريرها لذوي الشأن! ونحن نقول اذا استمر عمل هتين الجهتين على ذات الوتيرة فلن يبرح اسم المملكة متربعا أعلى قائمة الدول المتهمة بانتهاكات حقوقية جسيمة.
 
من هنا ينبغي لحكومة المملكة والهيئات الحقوقية المحلية النظر إلى الانتهاكات الواردة في التقارير الدولية من منظار آخر أكثر انفتاحا وجدية وعزما على المعالجة. وهذا ما يتطلب بطبيعة الحال العمل ضمن مروحة واسعة من الإجراءات الملموسة والاصلاحات العميقة التي تبدأ بالوقف الفوري لأية اجراءات تعسفية قد تطال الأفراد الناشطين في المجال المدني ورفع التمييز عن المكونات الدينية أو المذهبية في البلاد، واطلاق سجناء الرأي المحتجزين بلا محاكمة، مرورا بتكييف القوانين المحلية مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، فمن العار أن نجد قطاعا من شعبنا لا يزال يخضع لتمييز منهجي ويبقى عرضة للقدر الأكبر من سياسات التمييز المنهجي على الصعد السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية والدينية.