مقعد أممي للمرأة السعودية.. نقلة نوعية

شكل نجاح المملكة العربية السعودية في الإنضمام إلى عضوية المجلس التنفيذي لجهاز "الأمم المتحدة للنساء" نقلة نوعية باتجاه التطوير والنهوض والتنمية وتمكين المرأة في بلادنا. هذا النجاح في دخول المجلس المعني بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في المشاركة السياسية يدعونا للتأمل والنظر بوعي وجدية، حول ما اذا جاء تحققه نتيجة دفع خارجي لتدوير العجلة الإصلاحية والسياسية في البلاد، أم أن كفاءة المرأة السعودية جعلتها مؤهلة لهذا المنصب. في مطلق الأحوال، لنا أن نعتبر حصول بلادنا على مقعد في مجلس إدارة "الأمم المتحدة للنساء " من بين أحد المقعدين المخصصين للدول المانحة الجديدة لهذه الهيئة المعنية بتسريع تحسين ظروف النساء وحقوقهن في العالم، إنجازا حقيقيا يضاف إلى ملف المرأة السعودية.

وكما هو معلوم، جاء تأسيس هذا الجهاز الأممي الجديد بعد تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 192 دولة من الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، بالإجماع في تاريخ 2/7/2010 قراراً ينص على إنشاء هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين النساء، وبمعنى أدق انشاء هيئة أمم متحدة نسائية تحت مسمى "هيئة الأمم المتحدة للنساء"، وهي هيئة حكومية تهتم في مجال رسم السياسات الخاصة بتحسين وضع المرأة وضمان مشاركتها في الشؤون العالمية.

حقيقية الأمر، ان انتخاب المملكة بالإجماع لعضوية هذا المجلس يعتبر تحديا جديدا تواجهه الساحة السعودية من جهة، كما يدفعنا جميعا باتجاه رفع الصوت عاليا؛ وماذا بعد؟!. من هنا، لابد وأن يدفعنا هذا التحدي باتجاه توفير البيئة المناسبة التي تعيننا على تطبيق لوائح وبنود هذه المنظمة الوليدة، وحسم وانهاء الملفات العالقة، والعمل على تحسين أوضاع المرأة السعودية في الداخل وعلى أرض الواقع، واثبات أن المرأة السعودية قادرة على قيادة نفسها بنفسها، كما أن لها القدرة على قيادة الآخرين. دعنا نقول بصراحة، بأن المملكة، بكل أجهزتها السياسية والقضائية، وفعالياتها الحقوقية والاجتماعية، باتت اليوم تقف أمام مرحلة حساسة يتطلب عبورها اجراءات تنفيذية لابد وأن تأخذ طريقها على الأرض.

من هنا يتحتم على مواقع القرار الالتفات لما يلي:

1 - آن الأوان لتبني قرارات جادة وحاسمة في سبيل تصحيح وضع المرأة السعودية. وذلك بتوسيع مشاركتها في المسيرة التنموية التي تشهدها البلاد في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية، وتفعيل دورها على أرض الواقع فالقرارات واللوائح الصادرة منذ عام 1424هـ بشرت بولادة جديدة، بدءا بالقرارالصادر من المقام السامي بتاريخ 11/ 3/ 1424هـ المتضمن الموافقة على إنشاء لجنة وطنية عليا دائمة متخصصة في شؤون المرأة، وغيرها من القرارات التي لازالت إما معطلة أومعرقلة ببعض العثرات ولا تزال بحاجة إلى المتابعة المستمرة لتفعيلها.

2 - البدء بتأسيس مجلس أعلى يرعى شؤون المرأة في مختلف القضايا السياسية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية، وأن يكون مجلسا مستقلا بقراراته وتشريعاته التطبيقية، شريطة أن تكون رئيسته إمرأة وأعضاءه كلهن من النساء. لقد شكل هذا المقعد الاممي تحفيزا للمرأة وإقرارا بأهمية مشاركتها السياسية وتحفيزها على تولي المناصب القيادية. فالمنصب القيادي ليس حكرا على الرجل فقط، أوعلى فئة معينة أومجتمع معين بل هو حق للجميع. المرأة قادرة على إدارة نفسها بنفسها، وهي أدرى بحاجاتها وأكثر الماما بمشاكلها، وأقرب لهموم مثيلتها فيجب أن لا نحجم دورها ونستثنيها من المشاركة.

3 - تمكين المرأة باعتبارها شخصية مستقلة راشدة تمتلك كامل الأهلية القانونية، لنتيح لها حرية التصرف بشئونها وممتلكاتها الخاصة. فـ" فالمحرم، وولي الأمر، والوكيل " يفقدها أهليتها الشرعية والنظامية ويحيل بينها وبين الإنتصاف أمام أجهزة القضاء والمحاكم، وأمام إنجاز المعاملات الرسمية والتجارية والمدنية.

4 - فتح فرص العمل للمرأة وفق أحكام الشريعة الغراء وإيجاد تخصصات علمية معاصرة تمكنها في سوق العمل.

5 - إيجاد وثيقة الأحوال الشخصية الخاصة بالمرأة، بمعنى توفير مدونة أو وثيقة وطنية شاملة لحقوق المرأة وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية التي إنضمت إليها المملكة والأنظمة المحلية تكون في متناول القضاء والجهات ذات العلاقة بشؤون المرأة، فذلك يدعم مسيرة المرأة في ظل هذه التوجهات ويؤصلها وهو الأهم.

6 - فتح آفاق المشاركة الدولية ضمن أعلى المستويات أمام المرأه السعودية أسوة بمثيلاتهن في الدول الأخرى. وذلك من خلال منحهن فرصة تمثيل البلاد دبلوماسيا وتعيينهن سفيرات ومبعوثات ووزيرات وإبراز حضور سيدات الأعمال السعوديات على المستوى الدولي والإقليمي.

همومنا كبيرة والتحديات التي تواجهنا خطيرة لكن تبقى تطلعات المرأة السعودية لاحدود لها. ففي الوقت الذي نحن فيه على ثقة تامة بحنكة وقيادة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - والتي رسمت لنا صورا مضيئة منذ بداية عهده الميمون، نتألم في ذات الوقت جراء إنسانيتنا المنقوصة كمواطنات نعيش على هذه الأرض التي نرى أن من حقنا المساهمة الكاملة في بنائها والمحافظة عليها.

من هنا، على المرأة السعودية العمل على بناء شخصيتها وتقوية كفائتها وايمانها بحقوقها التي وهبها الله، وما تمتلك من قدرات فكرية واقتصادية. ان ذلك يتطلب من جميع السيدات في بلادنا تنظيم صفوفهن ولملمة جهودهن والحرص على تحقيق التعاون في ما بينهن، فإنضمام المملكة لمجلس "الأمم المتحدة للنساء" خطوة متقدمة وفرصة مناسبة تدعم مسيرة المرأة، كما تشكل هذه العضوية فرصة ثمينة لابد من إغتنامها إلى أقصى مدى في سبيل النهوض والتنمية وتمكين المرأة في بلادنا.

كاتبة وباحثة سعودية «صفوى».