الشيرازي والحبيب وعرض عائشة المنتهك سياسيا

كريم المحروس

ضجة شيعية وسنية مشتركة انفجرت فجأة دفاعا عن حق عائشة وصائنة لشرفها ، ولا يُعرف المدى الفعلي لهذه الضجة ولا نتائج تطور اشتراك الشيعة والسنة في الدفاع عن عائشة .. بينما لا قياس راهن هناك في ذهن المشتركَين الشيعي والسني للمدى الإعلامي والثقافي والسياسي المرجو في هذه القضية نسبة لحجم ردود الفعل الإعلامية والثقافية والسياسية المنددة بالعمليات الإرهابية التي ارتكبت ضد الشيعة العراقيين والباكستانيين في السنوات العشر الماضية.. فهل أصبحت قضية النيل من شرف عائشة في منهج السيد الشيرازي والشيخ الحبيب مشتركا خاصا بين الشيعة والسنة يفوق في ضروراته موجبات الدفاع المشترك عن الشيعة الأبرياء في العراق وباكستان؟

لم يقف أحد من قادة الأنظمة السياسية ولا حتى أبناء الطائفة السنية من الأشاعرة عقائديا خاصة وقفة جادة وحازمة ومشتركة ضد عمليات الإبادة التي طالت أبرياء الشيعة في أوطانهم، ولا ضد عمليات الإقصاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتشويه والتحريف الفكري للشيعة في هذه البلاد ، بينما تجتمع رموز دينية شيعية خاصة اليوم للدفاع عن عائشة الرمز السني المثير للجدل، خوفا من وقوع معركة جمل جديدة قد تأتي على مشروع القربى السياسية والثقافية العقائدية بين هذه الرموز الشيعية الخاصة وأنظمة حكم بلادهم . والحال أن معركة الجمل الجديدة واقعة منذ أكثر من خمسة عقود من الزمن ويدفع ثمنها الشيعة بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية.

هناك دافعان خطيران يختصان بوضع التشيع وتقابل عدد من مرجعياته واتجاهاته السياسية يمكن لأي باحث علمي منصف في الشأن الطائفي الشيعي كشفهما بلا عناء في منهج استقراء وتقصي موضوعي ، وهما اللذان أوصلا  الأمور إلى ما وصلت إليه في معركة الجمل الجديدة والتصريح فيها بفساد عائشة وغيرها من النساء والرجال الصحابة علنا وبلا تقية على منهج كل من السيد مجتبى الشيرازي والشيخ الحبيب محل الضجة القائمة ، بينما هنالك دوافع أخرى في منهجهما الفكري لا تقل أهمية وإثارة بحاجة إلى الكثير من البحث والتنقيب العلمي بين المصادر الشيعية والسنية التاريخية الروائية على منهج النقل المقارن ، ويمكن لهذه الدوافع أن تثير الكثير من الجدل لصالح الحقيقة العلمية ..  الدافعان هما:

الأول: نمو اتجاه شيعي معاصر خاص يسعى لفك عزلة الشيعة سياسيا من خلال اعتماد منهج الشطب في المدونات والمؤلفات التي تعد مصادر تاريخية رئيسية وأساسية لمذهب التشيع، جاء على رأسها الكتب الأربعة ، وما ورد عن المدونات الكبيرة والواسعة لكل من الشيخ المجلسي صاحب مؤلف (بحار الأنوار) والشيخ عبد الله البحراني صاحب مؤلف (عوالم العوالم)  .. ورافق نمو هذا الاتجاه الخاص احتلال بعض علمائه سدة المرجعية الدينية وإلزامهم المقلدين بالدفاع حزبيا عن فكر هذا الاتجاه إعلاميا وسياسيا والترويج له مؤسسيا ،  تمهيدا لدخول اللعبة السياسية مع الأنظمة السنية الحاكمة تطبيقيا ومن خلال الزج بالعناصر والكوادر المتقدمة في مشروعي المشاركة البرلمانية والتحالف المباشر ، وذلك لتحقيق مصالح مشتركة، وصولا إلى صناعة توازن طائفي سياسي مرضي لهذه الأنظمة بما يحقق لها الاستقرار والديمومة في سدة الحكم من جهة ، وبما يشرّع من جهة أخرى لهذا الاتجاه الشيعي الخاص حق السيادة على طائفة الشيعة ويمهد له الظروف لتسنم زعامة هذه الطائفة بلا منافس.

ثانيا: نمو اتجاه شيعي خاص آخر كان مغمورا خلال القرون الأربعة الماضية ، متبنيا لعلوم ولرموز علمية سنية ومروجا لها، كعلمي الفلسفة والعرفان ورمزيهما المشهورين: ابن سينا وابن عربي . وهما علمان سنيان خالصان، أولهما موصل للتشكيك في كل المصادر الدينية التاريخية عقائديا، بينما العلم الآخر موصل للاعتقاد بوحدة الوجود والموجود . ويدخل العلم الأول (الفلسفة) ممهدا للأخذ بالعلم الآخر (العرفان) والتمكن من مقدماته، بينما يسفّه علم (العرفان) علم الفلسفة بعد انتفاء الحاجة منه كأداة لاجتياز مرحلتين هما: الشريعة، الطريقة، وصولا لمرحلة عليا ثالثة تسمى:الحقيقة. فإذا ما انكشف للعارف أنه مندك في وحدة الله (تعالى عما يصفون) رتبيا بلا وحدة عددية ، وعندها قد بلغ مراده من العبادة أو الرياضة أو كلاهما معا فكان حقيقة في عالم واجب الوجود (الله تعالى) الذي ليس في الدار ديار سواه – بحسب اعتقاد العرفان الذي يصطلح عليه أيضا بعلم (التصوف الفلسفي).

هذان الاتجاهان الشيعيان الخاصان الخطيران فرضا نفسيهما على الطائفة الشيعية أيضا من خلال الاستفادة من الفرص الاجتماعية التقليدية التي ولدها الاضطراب المزمن في مقام المرجعية الشيعية ورتبها فضلا عن اشتداد أوار الاستقطاب العلمي الذي ولده نزاع السيادة والزعامة على الحوزات الشيعية وانفراط عقد شروطها العرفية المحددة لكفاءة عالم الدين الشيعي المؤهل للتصدي لمقام الاجتهاد والمرجعية.

نمو هذين الاتجاهين وتحالفهما المثير بالرغم من تقابلهما العلمي الفاحش وتضادهما في المقاصد العقائدية والسياسية ، ساهم إلى حد بعيد في صناعة تياريهما الشعبي ومبناهما الثقافي العقائدي والفكري في بيئة سياسية مستقرة يقودها عالَم سني مبالِغ في فتح أفقه السياسي والإعلامي والإعلاني والثقافي لهما بعد أن استحسن سيادتهما على حساب الاتجاه الشيعي التاريخي المتمسك بمتون مصادره العلمية التاريخية والمدافع دونها انطلاقا من موجبات مقدسة لا تقبل المساومة بأي حال من الأحوال ، ما ولد عند منهج كل من السيد مجتبى الشيرازي والشيخ الحبيب في البحث التاريخي والاستقراء للواقع شعورا بالمسؤولية الدينية والأخلاقية بحسب ما يمتلكان من مؤهلات في الاجتهاد العلمي وما توافر لديهما من بيئة حرة غير ملزمة بمبدأ التقية.

يبقى حجم هذا الصخب وهذه الضجة المفتعلة واتساع أفقهما مقيدا بحجم المصالح المتبادلة بين الاتجاهات الثلاثة: اتجاه شطب متون مرويات التشيع التاريخية ، واتجاه (التصوف الفلسفي) الشيعي ، واتجاه الأنظمة السياسية العربية والإسلامية بما يضم من مؤسسات مدنية سلفية ومؤسسات على المذاهب الأربعة تخشى حركة المد الشيعي الأصيل أو أي مد شيعي آخر خاص.

واما تطور الحال وخروجه على مبادئ البحث العلمي المذهبي إلى حيث المواجهة الأهلية؛ فذلك واقع عمليا منذ أمد طويل تحت مسميات تطلبتها تقية هذه الأنظمة سياسيا! ، واما تطور هذه المواجهة بمسمياتها الحقيقية عند هذه الأنظمة فليس مرهونا بقضية صون شرف عائشة كزوج للرسول (صلى الله عليه وآله) وما اختلف فيه من حق لها أخلاقي قدسي تتساوى فيه مع بقية أزواج المصطفى (صلى الله عليه وآله) كأم سلمة وماريا .. عند هذا الظرف ستسعى الأنظمة السياسية - بدون شك - إلى تعزيز تحالفها مع أي اتجاه مذهبي يحفظ لها ديمومتها في الحكم فيما عدا التحالف مع الاتجاهين الشيعيين الخاصين القابلين للاستغلال طائفيا ولا يمكن الاطمئنان لهما لتقية!.